منوعات

القضاء ينجو من الحكومة إلى حين.. والإجراءات القضائية مستمرة

حسنًا انتهى اليوم الأسود لاستنفار “حزب المصرف” الثائر على الإجراءات القضائية بحق رؤوس النهب المالي من شخصيات ومصارف. وأخمد الجسم القضائي صعود “الدخان الأسود” من السرايا الحكومية، التي ارتأت أن تُدافع عن الطغمة المالية بمواجهة حقوق المودعين والناس. أقفلت الجلسة على إنكار تُهمة الدفاع عن المصارف، واللجوء مجدداً إلى الكابيتال كونترول” الذي دفنته مجموعة الحماية السياسية والبرلمانية للمصارف!..

لم يلبِّ القضاة دعوة مجلس الوزراء اليوم للمشاركة في جلسة “إلزام القضاء اتخاذ إجراءات لوقف الملاحقات بحق المصارف” في فصل جديد من فصول تعطيل السلطات القضائية، ومكابرة فاضحة على اتخاذ أي إجراء لحفظ حقوق موظفي الدولة وكافة المودعين. وهكذا أنقذ القضاة إشراكهم في تهشيم هيبة القضاء.

وغاب كلّ من مدعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد عن الجلسة، التي رتَّبها رئيس الحكومة خلال الاجتماع الثلاثي بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وميقاتي نفسه بالأمس، بعد أن اشترط أن تكون الجلسة “الطارئة” في السرايا الحكومي. والجلسة التي دُعي إليها القضاة مع تقدّم التحقيقات في شبهة اختلاس حاكم مصرف لبنان وشركاه للمال العام، ومحاولة بعض القضاء القيام بخطوات لضبط المصارف، ليست إلّا اعتداء على “مبدأ الفصل بين السلطات” ما استلزم موقفًا رافضًا للمشاركة في الجلسة.

 

 

وبحسب المعلومات فإن اتصالات وزير العدل هنري خوري، بعد إعلان ميقاتي دعوة القضاة، أفضت إلى الاكتفاء بأخذ رأي الوزير المختص في الجلسة وعدم حضور رئيس مجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي ورئيس التفتيش القضائي جلسة مجلس الوزراء على أن يُتابع وزير العدل الملف.

 

ميقاتي الذي استهل ولاية حكومته بدمعتين وغصّة بعد تكليفه، وتصريحات مجاملة لـ”دموع الأمهات” و”الشباب العاطل عن العمل” و”من لا يجدون القوت اليومي ولا الدواء” مطلقًا فتواه بوجوب “أن نتحمل بعض ونساعد بعض” لم يجد من مبرّر للانتفاض سوى لإنقاذ الحاكم بأمر المال المتواري عن القضاء بمؤازرة أمنية وشركاه! وبتناقض فاضح، كرّر في الجلسة الحكومية التصريح الذي أدلى به بالأمس لجهة عدم التدخل بالشؤون القضائية لكنه لم يمنع نفسه عن القول “أن بعض الاجراءات تأخذ اتجاهات خطيرة وتؤثر على سير العمل القضائي والمصرفي”، مطالبًا السلطات القضائية بأخذ المبادرة لتصويب ما يحصل.

 

وعقب الجلسة أدلى ميقاتي بتصريحات وفيها “مجلس الوزراء وكل وزير وبما فيهم رئيس الوزراء لا يجتمع لحماية أي قطاع بحد ذاته، ولكن لنحقق هدفنا بحفظ التوازنات بالبلد”!. وأضاف نافضًا عن نفسه تهمة حماية المصارف قائلًا “لم نجتمع لحماية المصارف ولا حاكم مصرف لبنان، بل ما نعمل عليه هو حماية المؤسسات والبلد”، نافيًا الاستقالة “مش واردة بتاتاً”. أما خلاصة الجلسة فكانت “طلب المجلس أن يأخذ القانون مجراه دون أي تمييز أو استنسابية وتتخذ المبادرة لمعالجة الأوضاع القضائية وفقاً للقانون، وذلك من قبل أركان السلطة القضائية كل بحسب اختصاصه وبشكل يحفظ حقوق الجميع، وأكدنا على جهة تكليف وزير العدل لوضع رؤية لمعالجة الاوضاع القضائية”.

 

المواقف المتناقضة لرئيس الحكومة لا تتوقف عند هذا الحد، بل ميقاتي نفسه، الذي أبلغ قبل أسابيع، رئيس الجمهورية ميشال عون عدم وجود ودائع بالدولار لدى المصارف لتُردّ لأصحابها. تحدّث عن أن “أكثر من 90% من أموال المودعين ستكون محفوظة لدى الدولة اللبنانية وستُدفع”.! وأعلن عن تكليف وزير المالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تحديد السقوف لسحب الرواتب من المصارف، وصون حقوق المودعين.

 

إحجام القضاة عن المشاركة دفع المدعية العام في جبل لبنان، القاضية غادة عون، إلى توجيه تحيّة إلى كلٍّ من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، والمدعي العام للتمييز غسان عويدات، ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد “الذين رفضوا المسّ باستقلالية القضاء”، واصفةً إياهم بـ”الشرفاء”.

 

الجلسة التي لم تحقق مآل ميقاتي، شهدت جدالًا بين الوزراء وعُلِم أن وزير السياحة طلب خلال الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء إقالة أي مسؤول يطلب تغطية سياسية على رأسهم مدعي عام التمييز في حال اعترض على الإجراءات وتعيين بديلًا عنه!.

وفي السياق نفسه، واجه زميله وزير العمل مصطفى بيرم رئيس الحكومة بالقول إنّ “هناك شبهة في الرأي العام في أن الحكومة تحركت لحماية المصارف ولم تتحرك من أجل المودعين وحقوق الناس”، فردّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالنفي، مشدداً على حرصه على التزام القانون والصلاحيات وحقوق المودعين. وردّ بيرم بوجوب “معالجة الأسباب التي أنتجت الأزمة وأولها حماية حقوق الناس والمودعين الذين تعرضوا لسوء ائتمان ولا شأن لهم بأن يتحملوا وزر ما حصل بين المصارف ومصرف لبنان والسياسيين”. وأضاف: “إن شعار مراعاة حقوق المودعين لا تساعد عليه اجراءات المصارف التي تقيد سحب العمال والموظفين لرواتبهم وهنا فإن أول اشارة ايجابية تكون بتحرير الحقوق في الرواتب كاملة”.

 

قد يقرأ البعض الإجراءات القضائية بأنه في السياسة لا يوجد صدفة في التوقيت، الأهداف، الخلفيات، المصالح وغيرها. ولكن، عندما يتقاطع ما يعتبره بعض الرأي العام “الاستعراض” الذي تقوم به القاضية غادة عون مع مصلحة الناس، ألا يجب دعمه؟ ألا يجب محاسبة الحاكمية لأنها هندست عمليات النهب المنظمة بحق الناس وصولًا إلى كل مسؤول؟! البرفسور المحامي بول مرقص رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية، يقول إنّ “الملاحظات على بعض الأداء القضائي لا تبرّر حضور ممثلي السلطة القضائية اليوم إلى مجلس الوزراء”، متوقعًا أنه “لو حصل كان ليشكّل إنهاءً على ما تبقى من استقلال للقضاء. المعالجة ليست في كبح القرارات القضائية، بل في خطة حكومية إنقاذية والبدء بتنفيذها وقانون “كابيتال كونترول” لا يشبه الصيغ التي عرفناها”.

 

 

شأن القضاء للقضاء وطلب السلطة التنفيذية وقف التعقبات يُسيّر بالبلد إلى تكريس “انحلال مفهوم الدولة”. فيما الهجمة اللاقانونية لفرملة التحقيقات، وحماية المنظومة السياسية للمنظومة المالية ليس لحماية القطاع المصرفي الذي يجب أن يُصان بالقوانين وحماية حقوق الناس.

ووفق ذلك فإن ملاحقة المرتكبين من ناهبي أموال الناس والأموال العامة مستمرة. ولحين جلاء التحقيقات يقبع رجا سلامة في نظارة قصر العدل في بعبدا، في انتظار المواجهة المرتقبة الاثنين المقبل مع شقيقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إذا حضر!.

في جميع الأحوال فإن دعوة المجلس الوزاري للقضاء والتدخل في عمله هو غير شرعي وغير قانوني وضربة لمصداقية وهيبة القضاء ولا تأثير لأي قرار حكومي على عمل القضاة، رغم الشوائب التي تعترض سلوك البعض وضعف السلطات القضائية في بعض الأحيان أمام السلطات السياسية وقادة الطوائف. الدستور اللبناني واضح في جزئية فصل السلطات. والمادة 20 من الدستور كرّست هذا الحق القضاة مستقلون ولا سلطة لا لمجلس الوزراء ولا لرئيس مجلس الوزراء على القضاة والقضاء. أمّا “شروط الضمانة القضائية فيُعينها القانون. والقضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتُنفّذ باسم الشعب اللبناني”. وانتهى”.

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى