عقوبات على جبران أم تهديد للحريري؟
علم “أحوال” أنّ الرئيس سعد الحريري تلّقى رسالة أميركية شديدة اللهجة تقضي بعدم قبول واشنطن بمشاركة حزب الله في الحكومة، ملوّحة بعقوبات قد تطاله شخصياً. أوقفت هذه التهديدات المسعى نحو إعلان الحكومة شبه المنجزة بشكل فعلي.
أيّام بعد الرسالة الأميركية للحريري، أتت العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بشكل متوقّع وغير مفاجئ إلّا بتوقيته. هذه العقوبات، وبعيدًا عن القوانين التي أُدرجت في سياقها، تم توقيعها بعد شبه مفاوضات جرت بين السفيرة الأميركية دوروثي شيا والوزير باسيل، أفضت إلى عدم موافقة الرجل على الشروط الأميركية القاسية والتي كانت لتقحمه مباشرة بالمخطط المستمر لحصار حزب الله.
هايل نصح الحريري بتسريع التشكيل
في بيت الوسط، لم تكن الأمور في الأسبوعين الأخيرين، أي منذ تكليف الحريري، كما كانت في السابق. تجرّأ الرجل نوعًا ما بعد اتصالات فرنسية سعودية ليّنت الرفض السعودي للحريري. ولكن الضوء الأخضر الأهم، بحسب ما تفيد معلومات “أحوال”، كان بعد اشارات حملتها اتصالات جمعت الحريري بمساعد وزير الخارجية الأميركية دايفيد هايل، الذي “وزّ” الحريري بشكل مباشر على تشكيل الحكومة في هذا التوقيت مستغلًّا انشغال الجمهوريين بالإنتخابات المربكة. فهايل، على عكس ما روّجت صحف لبنانية، سعى لعدم توقيع العقوبات، أو ربّما تأخيرها، وإنّما من المؤكد لم يكن له يد فيها بحسب ما تكشف مصادر متقاطعة.
الرسالة التي وصلت والتي بدّلت كل شيء، ومحت بمرورها كل الأجواء التفاؤلية بقرب ولادة الحكومة، كانت ثلاثية ومصدرها جمهوري. فمثلث بومبيو-شينكر-غرينيل كان حاضرًا ولم تأخذه مشاغل الضغوط الداخلية. هُدّد الحريري بشكل فعلي بعقوبات شبيهة بتلك التي وُضعت على باسيل، فتراجع.
ريتشارد غرينيل كان البديل الذي يتجهّز لخلافة بومبيو في وزارة الخارجية، كون الأخير وبحسب المعلومات كان سيتنحّى جانبًا، في حال فاز ترامب وعاد للبيت الأبيض؛ كي يحضّر حملته ليكون هو المرشح الجمهوري للإنتخابات الرئاسية عام 2024. شينكر هو الآخر، والذي سيستمر بمنصبه لعام على الأقل بعد فوز جو بايدن بالرئاسة، كان رأيه هو الحاسم لجهة توقيع العقوبات على باسيل في هذا التوقيت، لثني الحريري بشكل جدّي ونهائي عن تشكيل حكومة بالتكافل والتضامن مع حزب الله.
الموقف السعودي رسالة أميركية ثانية
ما زاد من توجّس الحريري من الموقف الأميركي، هو عدم الترحيب السعودي الفعلي بتسميته. فرغم انصياع السعودية للضغوط الفرنسية، إلّا أنّ بيت الوسط لم يشهد زيارة السفير السعودي إليه بعد تسمية الحريري، كما جرت العادة في السابق. علاوةً على ذلك، غادر السفير السعودي البلاد دون تحديد موعد لعودته ، في إشارة أيضًا إلى عدم رضا الجانبين السعودي والأميركي عن مسار التبدّل السياسي الذي ستشهده البلاد في حال تشكيل الحكومة.
المشهد اليوم يفيد بالتالي: لن يعتذر الحريري عن تشكيل الحكومة متسلّحًا بعدم وجود نص دستوري يحدد له سقفًا زمنيًا للتشكيل، وبالتالي في حال فاز بايدن، وهو الأمر المرجّح، ستعود حرارة التشكيل كما كانت مع بداية الأسبوع، وستعود الحياة من جديد للمبادرة الفرنسية.
في بيت الوسط هناك من يشعر بحق أنّ العقوبات على باسيل طالبت بغبارها سعد الحريري نفسه، ومن خلفه المبادرة الفرنسية. الحريري الذي كان يرى بالأجواء الأخيرة فرصة للعودة إلى السلطة بغطاء دولي بعد سلسلة الخسارات التي مُني بها، غير مستعد اليوم للمواجهة؛ فرغم دفع دايفيد له نحو كسر الإرادة الجمهورية، يفضّل الرجل البقاء وديعًا كي يحافظ على فرصة العودة من جديد إلى السلطة.