موسم الانتخابات: أساليب مبتكرة في شراء الذمم
في الماضي القريب كانت اللغة الشعبية المتداولة عن تسعيرة الانتخابات انها “مئة دولار وكرتونة اعاشة”، وهذه الشيفرة العامة عن الاستحقاق هي طعنة اخلاقية ولكنها للأسف حقيقية، فالانتخابات موسم بكل ما للـ”عروض” من أشكال وطرق وألوان، وإن اختلفت الظروف في العام الحالي بعد الثورات والانهيارات وانكشاف الطبقة السياسية وحامياتها المحليين والخارجيين، فاستبدلت العروض من الدولار الى الليرة.
محمد.ن ابن بيروت (الدائرة الثانية)، يتلقى اتصالاً هاتفياً من ماكينة احد المرشحين يطلب منه “المساعدة بالتواصل مع بعض اقاربه والتأكد من جهوزيتهم للانتخابات مقابل مبلغ ثلاثة ملايين ليرة لبنانية يوم الاستحقاق، كون المعركة تستهدف الطائفة وأبناء البلد الأصليين. موافقة محمد على العرض جعلته يفكر بتقديم عرضٍ آخر للماكينة بأسماء أخرى يمكنه العمل عليها فكان الجواب بالرفض المطلق “لا يمكننا تقديم المال لهم، رغم أنهم من طائفتنا ولكن أصواتهم مسجلة في الدائرة الثانية.
بيروتي آخر وصله عرض عمل “موسمي” براتب شهري حتى الإنتخابات، وعمله محصور بتواجده بضع ساعات يومية في أحد مكاتب المرشح الانتخابية ومرافقته في بعض الاحيان خلال زياراته الانتخابية.
أصحاب السيارات العمومية يراهنون على تسجيل سياراتهم في مكاتب المرشحين مقابل بدل مادي لا يقل عن خمسة ملايين ليرة في يوم الاستحقاق، ومثلهم أصحاب المطاعم (الصغيرة والكبيرة) ومكاتب تأجير السيارات وبالأخص أصحاب العضلات المفتولة ممن يناسبون للصور ومظاهر القوة والهيبة التسويقية….. وكلٌ ينتظر فرصته “على قده”.
ومن هذه الروايات المعروفة ننذهب الى بعض كواليس سوق شراء أصوات الناخبين لنستكشف بعض مظاهرها الجديدة، بما يترتب على تفشي الظاهرة من مخاطر، الاستحقاق فرصة لتجديد الطبقة السياسية لا لإفراز برلمان باهت يسعى أعضاؤه لتعظيم مكاسبهم المادية والسلطوية الخاصة على حساب المصلحة العامة، فكيف لمن يحاولون تغيير قواعد اللعبة والسعي نحو الإصلاح والتغيير والتطوير ويتحدثون عن مكافحة وتغيير منظومة الفساد التي حكمتنا لعقود وأوصلت البلاد إلى ما نحن عليه، اللجوء إلى الإغراءات المالية لكسب الأصوات؟.
مع اقتراب موعد الانتخابات في أيار المقبل يرفع سماسرة شراء الأصوات وتيرة عملهم في ظاهرة باتت ترتبط بكل موسم انتخابي، فالمال أسرع طريق يسلكه المرشح لكسب صوت الناخب، إنه دائم الحضور مع كل انتخابات، وإن كان استخدامه يتم من خلال طرق وآليات مختلفة، إلا أن شراء الأصوات مباشرة لم يعد هو الطريق الوحيد لاستخدام ذلك المال، بل أصبح موضب ومجهز أيضاً بـ”كراتين” من المواد الغذائية أو عبر توزيع القسائم الشرائية أو عن طريق تقديم الخدمات للناس مقابل حصول المرشح على أصواتهم.
من الأساليب المستحدثة هذا العام تفشي ظاهرة تأسيس الجمعيات تحت عناوين شتى وكله يصب في مصلحة المرشح، فإن كانت الجمعية مهتمة بالبيئة او الرياضة او التنمية او الزراعة ستجد الطريقة والدرب لتوصل الناس الى أن المرشح الفلاني هو رائد البيئة والنظافة وحقوق الانسان وإضاءة الشوارع ببضع لمبات وزرع بضعة أشجار… وهذه الحالة بدت جلية في عدد من مناطق لبنان.
وبتتبع لهذه الحالة يمكن تسجيل المثل التالي: “فلان الفلاني” أسس جمعية خيرية – صحية رديفة لحزبه، وحان وقت قطاف ثمرة عملها بعدما حفظت في سجلاتها اسماء وعناوين وحالات من زارها، وبدأت بالتواصل معهم كلٌ بحسب حاجته: عائلات فقيرة ومحتاجة، مرضى، طلبة، عاطلون عن العمل، أصحاب مهن ومحال وسيارات يمكن شراء خدماتهم يوم الانتخابات… .
ويحاول أحد المرشحين في بيروت، عبر سماسرة يتنقلون في الأحياء لشراء الأصوات علانيةً، وأكثر من ذلك يعمدون لطلب بطاقات الهوية للتأكد من انتماءهم للدائرة مبررين ذلك بقولهم “نحن نقدم للناس الفقيرة والمحتاجة معونات مالية وغذائية ومنح مدرسية كما ونساعد الشباب في تأمين فرص العمل مقابل انتخاب مرشحنا”.
اللافت في تحرك هذه الجهة اليوم غيابها في السنوات الماضية عن وظهور أصحابها بمظهر “المُحسن” الكريم، رغم غيابه في عز الأزمات عن ناخبيه وبيئته الاجتماعية.
استنتاج سريع
ظاهرة استمالة الناخبين بالمال السياسي في لبنان ليست بالجديدة، إذ اعتاد عليها أركان النظام منذ عقود وأكثر، لتعزيز صورتهم وكسب ولاء الناس وأصواتهم، وهو ما يظهر مدى تجذّر الفساد في النظام اللبناني المكوّن من شبكات زبائينية مُترابطة فيما بينها.
ولكن ما يحزننا اليوم أن الشعارات الرنانة واللجوء الى القانون هي للاستهلاك، وقانون الانتخاب الأخير أوجد بعض التدابير والضمانات لمكافحة المال الذي يستخدم لأهداف غير قانونية،، إلا أنه لا يزال هناك طرق ملتوية، يتم من خلالها شراء الذمم، ولعل أبرزها: الجمعيات الخيرية، أو استغلال أزمة معينة وحاجة الناس،
طبقة سياسية تجدد لنفسها ببضعة دراهم، بعد أن تسببت وأفقرت الأزمة الاقتصادية 70% من شعب لبنان العظيم، هم السبب ويطرحون أنفسهم كمخلصين.