سيناريوهات رفع الدعم: أحوال الناس بين جنون الأسعار وزومبي الدولار
عمر تامو: سيناريوهات ارتفاع سعر الصرف مرتبطة بتزاحم الطلب
تدفع الهواجس التي يثيرها رفع الدعم عن السلع الأساسية إلى تصورات مرعبة وسيناريوهات كارثية ستقلب حياة اللّبنانيين رأساً على عقب. وعلى أبواب الشتاء يتسيّد “الفقر” و”الجوع” مشهد الحياة اللّبنانية بدلاً من موسم أمطار الخير والبركة بعدما بات مؤكداً تعذّر توفر الأموال اللّازمة التي يدفعها مصرف لبنان لدعم تمويل السلع الأساسية بأسعار أقل من السعر الفعلي للدولار.
في الحسابات التقديرية للكارثة القادمة، فإن خطوة رفع الدعم نهائياً أو شراء المواد الأساسية وفق دولار سعر السوق، سيُحدث “زلزالاً” في الأسواق، وارتفاعاً جنونياً للأسعار تقارب الـ500 في المئة والـ600 في المئة لبعض السلع. وأن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق سيكون مخيفاً يُقارب “الزومبي” الذي يمص دماء اللّبنانيين.
الهزات الارتدادية لجنون الدولار “الزومبي” ستلامس معيشة اللبناني المرتبطة بالدولار كون الاستهلاك المحلي يرتبط بنحو 80 في المئة بالاستيراد الخارجي، وهو ما يفسر حدّة التضخم منذ ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس الـ9000 ليرة، بنسبة تصل إلى ستة أضعاف السعر الرسمي المحدد بـ1515 ليرة لبنانية.
ويبيع “المركزي” الدولار لموردي السلع الرئيسة منها الأدوية، بسعر أقل من السوق الموازية، إذ يبلغ لدى الأخيرة 8700 ليرة، مقابل 1515 في السوق الرسمية، ومتوسط 3200 ليرة هو السعر المدعوم من المركزي. والشهر الماضي، عقد الرئيس ميشال عون اجتماعاً حضره رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وحاكم مصرف لبنان بحثوا خلاله الرصيد الاحتياطي لدى المركزي لتحديد فترة الدعم المتبقية والكميات المرتقبة للمواد المدعومة. لكن لم يسفر ما يجنّب مرارة هذا القرار “العلقمي”.
انفلات الدولار
تتفاوت التقديرات حول الرقم الفعلي لسعر صرف الدولار فليس هناك من رقم نهائي ومحدّد، بل يعتمد ذلك على الطلب المتزايد للمستوردين والتجار على شراء الدولار. ويقول الخبير في العملات الصعبة عمر تامو أنّ احتياطي المصرف المركزي ينضب بسرعة خطيرة. والحاكم رياض سلامة اعترف بنفسه أنّ الدعم سيتوقف عند بلوغ الاحتياطي الإلزامي 17.5 مليار دولار. وإذا واصلنا بالوتيرة نفسها، وبدون أي مشاريع إصلاحية تجذب دولارات جديدة إلى السوق فإننا سنصل إلى هذا السيناريو المخيف قبل انتهاء السنة”.
تامو الذي ضج تصريحه لصحيفة “الإندبندت” حول احتمالية وصول الدولار إلى رقم 17500 يرفض في دردشة مع “أحوال” أن يتلقف الناس برقم محدد قد يصل إليه الدولار “الرقم غير محدد وتقديري، ولا يمكن لأحد أن يخمن لما يمكن أن يصل إليه السعر الفعلي للدولار الأميركي، فذلك مرتبط بالطلب عليه في السوق. وإذا سلّمنا أن رفع الدعم عن السلع الأساسية قد وقع على اللّبنانيين فإنّ المستوردين والتجار سيتوجهون إلى السوق لشراء الدولار وعندها لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالرقم النهائي لسعر الصرف”. طبعاً هذا لا يعني أن الدولار لن يرتفع بل سيفلت من عقاله والتصورات ستكون مخيفة “لكن الآن يجب التركيز على خطورة رفع الدعم بشكل مفاجئ لا وضع أرقام محدّدة للتسعيرة، فتصدر هذه التخمينات للعناوين الإعلامية تؤثر على السوق وتدفع الصرافين إلى التلاعب بالدولار” كما يقول تامو ويضيف “المشهد المرعب لتداعيات هذا الأمر هو أحوال الناس مع الارتفاع الجنوني للأسعار في ظل ضعف القدرة الشرائية، والرواتب الضئيلة لمعظم اللّبنانيين، ما يضع الناس أمام شبح الجوع والفقر وفقدان القدرة على شراء الدواء ما يعرض حياة الملايين للخطر”.
شتاء صعب
نذير القرار الصعب يرخي بثقله على حياة اللّبنانيين مع قدوم فصل الشتاء حين يفقد اللّبنانيون القدرة على شراء مستلزمات العيش الأساسية ويفتقدون إلى وسائل الإحساس بالدفء. وفي هذا المجال يحذر تامو، الذي وضع مؤشرات اقتصادية دلّت على خسارات اللّبنانيين من قدراتهم على العيش إلى جنى أعمارهم وأيضاً خسارة المستقبل الآمن، من تزايد نسبة اللّبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر والمعاناة من الجوع. وتوقع أنّ “تتضاعف أسعار الغذاء والدواء والكهرباء وفاتورة الإنترنت والمحروقات 4 أو 5 مرات، إذا ما رُفع الدعم. فتهافت الناس على الدولار، سيخفض قيمة اللّيرة أكثر مقابل العملة الخضراء. وهذا يؤدي إلى تضخم مفرط، سيكون ضحيته الفئات المتوسطة والفقيرة”.
في كل السيناريوهات خيار رفع الدعم مقلق فارتفاع سعر الصرف سيقلب حياة الناس رأساً على عقب، بحسب تامو “سنصل إلى ارتفاع كلفة فاتورة الكهرباء مثلاً قد تصبح 425 ألف ليرة، أي 280 دولاراً حسب سعر الصرف الرسمي، أي أكثر من نصف راتب الحد الأدنى للأجور. وبالطبع ستزداد فواتير الإنترنت والاتصالات والأهم أنّ سعر ربطة الخبز سيزيد وكذلك سعر الدواء. ويطال اللّحوم على أنواعها والزيوت المستوردة كما أنّ الناس تشتري المازوت طلباً للدفء في الشتاء لكنّها لن تستطيع تسديد ثمنه”.
وفي مقابل رفع الدعم الذي صار أمراً محسوماً، يكثر الحديث عن بطاقة تموين تعطى للأكثر حاجة وللطبقات المتوسطة والفقيرة يستفيد من خلالها المواطن من أسعار مخفضة للسلع الضرورية، وتحدّ من عملية تهريب هذه المواد. ويرجح المطّلعون أن يراوح عدد العائلات التي قد تشملها البطاقة التموينية ما بين500 إلى 600 ألف عائلة بما يوازي مليونين ونصف مليون لبناني. لكن حتى هذه الفكرة ليست واضحة ولا مؤكدة، كما يعلّق تامو ولا قرار رسمي بعد في شأن البطاقة التي تحتاج إلى نحو سنة لوضعها في التنفيذ وتنظيم توزيعها فلا تدخل في المحسوبيات والحسابات السياسية.
يستغرب تامو غياب الإرادة السياسية والرؤية الاقتصادي والخطط الجدية لتجنب رفع الدعم ويقول ثمّة قرارات يمكن أن تجنّب اللّبنانية السيناريوهات الجهنمية ” أين هي الإصلاحات والمشاريع الإنتاجية، والتنافسية. إن مخزون الرأسمال البشري يتطلب استثماره في مشاريع تحاكي المستقبل وبالأخص التكنولوجيا فلدينا أدمغة لبنانية يمكن أن تؤمن مردوداً مالياً جيداً. وعلى الدولة البدء بالإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي وأيضاً مؤتمر “سيدر” حتى يبدأ تدفق الأموال الخارجية والمساعدات. لو باشروا بالمشاريع الإصلاحية بذلك مطلع هذه السنة لكنّا تجنبنا هذا السيناريو السيء وكل مماطلة في ذلك تقودنا حقاً إلى جهنم”.
بكل الأحوال فإن أحوال الناس لن يكون فيها ما يثلج قلوب اللّبنانيين. في كلّ يوم يمضي يزيد من حجم الخسارات، وفقدان المزيد من احتياطي العملات الصعبة، وهذه خسائر يصعب استرداداها. “إننا نحتاج إلى إصلاحات الآن وليس غداً، بل الآن في هذه اللّحظة. لا أعلم بما ينشغل السياسيون وماذا ينتظرون؟ إنّنا في مرحلة دقيقة تسبق الانهيار الكبير والجحيم يوم لا يجد الناس لا طعام ولا دواء”.
رانيا برو