بوالص التأمين بالدولار…. الناس والشركات ضحايا الفوضى
صرخة جديدة أطلقها مواطنون اليوم بعدما رفضت بعض شركات التأمين تجديد بوالصهم بالليرة اللبنانية، أو على سعر صرف الدولاربـ 1500 ليرة. هذه الخطوة التي أثارت إستياء كثر، تأتي بعد عام تقريبًا على بدء تبدّل سعر الصرف، وبعد حوالي الخمسة أشهر على ارتفاع الدولار بشكل جنوني لم يكن يتوقعه أحد.
هذا الواقع دفع بالبعض إلى عدم تجديد بوليصة التأمين أو لجأ إلى تخفيض تغطيتها، لعدم قدرتهم على تسديد ثمنها. فهل تستغلّ شركات التأمين الأزمة الاقتصادية الراهنة لاصطياد المواطن بصحّته وسلامته، أمّ أن هناك ما هو أبعد من ذلك بكثير ولا يمكن للرأي العام أن يلمسه بوضوح؟
تسعير البوالص بالدولار يظلم المواطن وشركات التأمين
نوعان من البوالص هو مدار جدال اليوم بين الزبون والشركات. الأوّل الذي بدأ سريان مفعوله قبل أزمة الدولار، والثاني هو العقود التي يُراد اعتمادها ما بعد الأزمة. في الحالة الأولى سعت بعض شركات التأمين في الأشهر الأخيرة تحصيل الأقساط المتبقية من البوالص الموقّعة قبل الأزمة بالدولار، أو على سعر الصرف، الأمر الذي رفضه الزبائن وكذلك وسطاء التأمين. ولكن، النقاش في هذه النقطة تحديدًا بات من الماضي، اذ أنّ معظم العقود الموقّعة قبل الأزمة باتت آيلة إلى الإنتهاء، كوننا بتنا على بعد ايام من ذكرى مرور عام على 17 تشرين. في هذا الإطار شكّلت البوالص الجديدة الأزمة المفتعلة اليوم.
قد يعتبر أي كان أنّ تسعير البوالص بالدولار، أو قسم بالدولار وقسم بالليرة، مجحف بحق المواطن الذي يتقاضى راتبه بالليرة وباتت قدرته الشرائية في مصاف المعدمة حقًا، وهو محق. ولكن، في السياق نفسه، وانطلاقًا من المقاربة عينها، فإنّ شركات التأمين هي الأخرى وقعت اليوم في فخ نصبه الدولار للجميع. فبحسب مصدر من داخل احدى الشركات الكبرى (رفض الكشف عن اسمه لأسباب إدارية وقانونية) فإنّ الشركات اليوم تواجه خسارات هائلة لا سيّما في بوالص تأمين السيارات على أنواعها، حيث تضطر الشركات إلى دفع فواتير الكاراجات وقطع السيارات بالدولار كما تسعّره مافيا السوق السوداء، فيما سبق وتقاضت قيمة البوالص من المواطن بالليرة اللبنانية. كلام المصدر هنا يبدو منطقيًا، اذ يتقاطع أيضًا مع ما حُكي قبل أيّام عن أنّ المستشفيات بدأت بتسعير الإستشفاء على دولار يوازي 4000 ليرة، وهو الأمر الذي يحتّم على شركات التأمين دفع فواتيرها على سعر الصرف نفسه.
مراجع مختصة: المسؤولية تقع على وزارة الاقتصاد
بحسب مرجع قانوني، لا يمكن للشركات تقاضي ثمن البوالص الموقّعة سابقًا بالدولار، بل بالليرة أو بسعر الدولار الرسمي. أمّا البوالص الجديدة فتُحصّل بحسب اتفاق مسبق بين الطرفين بالتراضي.
فيما يكشف عضو المجلس الوطني للضمان والنقيب السابق لوسطاء التأمين في لبنان الياس حنّا لـ “أحوال” أنّ النقابة تلعب دورًا فعّالًا في توعية الزبائن من جهة، وفي محاولة العثور على حلول استثنائية تشبه المرحلة مع شركات التأمين من جهة ثانية، كي لا يرتدّ الأمر بشكل سلبي على قطاع التأمين عمومًا وعلى المواطن على وجه الخصوص. يعتبر حنّا أنّ سعر الدولار ظلم المواطن والشركات على حد سواء، فيما تقع المسؤولية الأساسية على وزارة الاقتصاد التي لم تتدخّل بشكل مباشر واستثنائي لمعالجة الأزمة وحماية المواطن وقطاع التأمين. يدعو حنّا الدولة ومصرف لبنان تحديدًا إلى تحمّل مسؤولية وطنية تسمح للشركات بتحويل المبالغ لمعيدي التأمين بالدولار وعلى سعر صرف مقبول. فالدولار التأميني، الذي يقترحه حنا، سيشكّل بلا شك رافعة انقاذ لقطاع بات مهدّدًا بالفعل، إمّا بالإغلاق والإنهيار أو برفع أسعاره تماشيًا مع سعر الدولار فيكون المواطن هنا هو الضحية المطلقة، وهذا الأمر لا يجب أن يحصل.
في هذا الإطار، ينصح حنا المواطنين العمل مع وسيط تأمين مرخّص ومنتسب للنقابة كونه سيكون الضامن الفعلي لعدم استغلال المواطن وعدم الإيقاع به في ظل الفوضى الحاصلة اليوم.
الدولة اللبنانية من جانبها لم تعر القطاع حتى الساعة أي اهتمام، بل على العكس، حاولت رمي ذيول انفجار المرفأ تجاهه لعلّه يمتص غضب المواطنين بتعويض عن الأضرار، فعلت الصرخة بعد 4 آب موضحة أن التأمين لا يعمل دون تحقيق، وها هو تحقيق الدولة مستمر بعد يومه الخامس.
القطاع الاقتصادي الثاني في لبنان بات مهدّدًا بالفعل، فيما الكرة اليوم بملعب فريق مؤلّف من خمسة لاعبين: جمعية شركات التأمين، نقابة وسطاء التأمين، مصرف لبنان، لجنة الرقابة على هيئات الضمان ووزارة الاقتصاد لتأمين دولار مدروس لا يغبن المواطن ولا يغلق شركات يعتاش منها الآلاف، وهي حاجة فعلية لا يمكن لبلد أن يقوم من دونها.
ماهر الدنا