مجتمع

جنون الدولار يجبر العائلات وأطفالها على العمل لسدّ الرمق!

كثيرة هي المآسي التي سُجلت على الساحة اللبنانية منذ ضرَب “جنون الدولار” العملة الوطنية وحوّلها إلى ركام وأوراق صفراء وبلا قيمة بين أيدي أبناء الوطن، الذين تحولت الشرائح الواسعة منهم هائمة على وجهها تبحث عن بدائل عملية تقيهم جور العوز وظلم الجوع، في مرحلة باتت مقفلة الآفاق أمام أية مخارج ممكنة لأزمة عايش الجميع كيف بدأت ولكن القلائل منهم سيدركون متى تنتهي.

ولأن “الحاجة أم الإختراع”، فاللبنانيون تحولوا إلى باحثين عن عمل يؤمّن لهم الحد الأدنى من مقومات العيش (غير الرغيد طبعاً) كما كان في العقود السابقة، وبات أرباب العائلات نماذج “ظالمة” لأفراد العائلة، بدل أن يكونوا نماذج حنونة تؤمّن كافة متطلبات الحياة الكريمة. وفي هذا السياق، تحوّل جميع أفراد العائلة (كباراً وصغاراً) إلى خلية نحل مجتهدة لتأمين لقمة عيش مغمّسة ليس بعرق الجبين فقط، وإنما بعرق الإذلال.

“أحوال” تواصل مع بعض رؤساء البلديات والمخاتير واستطاع تكوين فكرة عما تعانيه العديد من العائلات في مختلف المناطق اللبنانية، وسيعرض نموذجين عما يحصل جراء الوضع المعيشي والإجتماعي الخانق: فـ :محمد . ن” من منطقة البداوي شمال مدينة طرابلس، في العقد الرابع من عمره ورب عائلة مكونة من زوجة وخمسة أبناء، أكبرهم في السادسة عشر من العمر وأصغرهم في السابعة، وهو يعمل كأجير يومي في شركة لجمع النفايات ولا يتجاوز مدخوله المليون ليرة في أفضل الظروف.

ولدى تفاقم الأزمة، سمح لزوجته بأن تعمل كمساعدة لربات البيوت في تنظيف المنازل بدون دخل ثابت وإنما حسب الطلب، وأدخل ابنه الكبير إلى الشركة التي يعمل بها كأجير يومي يمنحه مبلغ نحو ستمئة ألف ليرة، ولكن كل ذلك لم يفِ بتغطية نفقات العائلة، فأجبر إبنه الثاني ابن الأربعة عشر عاماً ليترك المدرسة ويعمل في محل لحدادة ودهان السيارات، وابنتيه (12 و10 سنوات) للعمل في مصنع للخياطة بدخل أسبوعي يبلغ خمسين ألف ليرة لكل منهما، أما إبن السبع سنوات فيعمل في مقهى وبدخل أسبوعي لا يتعدى خمس وعشرين الف ليرة مع “بقشيش” من الزبائن إذا توفر.

أما “م . عباس” من بلدة حلبا في عكار، وهو في العقد الخامس من العمر ورب أسرة مكونة من زوجة وسبعة أولاد أكبرهم في التاسعة عشرة وأصغرهم في الثامنة، فيعمل مزارعاً يومياً لدى أحد أصحاب “البيوت البلاستيكية” بمردود شهري يناهز المليون وخمسمئة الف ليرة، وزوجته أيضاً تعمل معه بمدخول ثمانمئة الف ليرة، أما إبنه البكر فقد دخل أحد الاسلاك العسكرية وبالكاد راتبه يكفيه، ومرتبط بفتاة وينويان تكوين أسرة ولا يدعم المنزل الوالدي بأي مبلغ. وإبناه الثاني والثالث (17 و16 عاماً) يعملان لدى أحد الأشخاص يدير بسطة خضار، بمردود لا يتجاوز الخمسمئة الف ليرة شهريا لكل منهما، في حين أن بناته الثلاث (14 و12 و9 سنوات) يعملن معه في جمع الخضار وتوضيبها بمبلغ مئتي الف ليرة شهرياً لكل منهن، أما الإبن الأصغر، فيعمل في محل لإصلاح الدراجات الهوائية ومردوده لا يتعدى الثلاثين الف ليرة في الاسبوع.

نموذجان يعكسان الأجواء الخانقة التي تسيطر على العديد من العائلات اللبنانية التي أضطر معظمها إلى عدم تسجيل أبنائها في المدارس (التي لا تؤمن الدراسة إلا في الحدود الدنيا نتيجة إنقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر الدراسة عبر الإنترنت) من أجل العمل في ما توفر من مهن للمساعدة في تأمين حد أدنى من المداخيل التي تساعد على تمرير هذه الحالة الخانقة، فلعل الآتي من الأيام يحمل بعض الإنفراجات التي تساعد على عودة أيام مرّت، يتذكرها جميع اللبنانيين بحسرة بالغة.

مرسال الترس

مرسال الترس

اعلامي لبناني كتب في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى