انتخابات

الحرب القضائية – المصرفية وعزوف أقطاب “السنة” قد يدفع لتأجيل الانتخابات

ما هي المعطيات التي دفعت بالسفارة الأميركية في بيروت لاعادة حساباتها؟

يتفق المطلعون على الوضع السياسي على أن حصول الانتخابات النيابية غير مؤكد حتى الساعة.. وأن النسبة تتفاوت بين 50 لحصولها و50 % لتأجيلها.
المرجحون لإجرائها يستندون الى معطيات داخلية وخارجية تُعزّز هذا الخيار، أبرزها التحشيد الداخلي لخوض هذه المعركة لحسم الأحجام والأوزان النيابية والسياسية، التي يراهن كل فريق على تضخيم حجمه ووزنه السياسي، بعدما نخرت الندوب السياسية والنتوءات الشعبية التي أحدثتها “انتفاضة” 17 تشرين 2019، جسد الأحزاب اللبنانية.
لذلك تكتسب الانتخابات هذا العام أهمية اضافية كونها أول انتخابات بعد أحداث 17 تشرين، في ظل رهان قوى داخلية تنتمي إلى المجتمع المدني وقوى خارجية تتصدرها واشنطن وباريس ومعهما دول الخليج، على أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير نوعي بالهوية السياسية للمجلس النيابي وبالتوازنات الداخلية، تؤدي إلى تحجيم النظام السياسي القائم الذين يعتبرون حزب الله عاموده الفقري بتحالفه مع حليفيه الشيعي حركة أمل والمسيحي التيار الوطني الحر والحلفاء في بقية الطوائف، ويطمح الفريق الأميركي – الخليجي في الوقت عينه، تقدم منظمات وتيارات تنضوي تحت لواء “المجتمع المدني”، ويعتقدون أن الانتخابات هي الباب الوحيد لعبورها الى البرلمان وخوض الاستحقاقات الأخرى بمعادلة نيابية – سياسية جديدة.

لذلك يرى المؤيدون لفرضية إجراء الانتخابات أن القوى الدولية ستعمل على اقنتاص فرصة الانتخابات لفرض التوازن الجديد، وتشكيل قوة نيابية تُحدث نوعاً من التوازن مع فريق حزب الله وحلفه الوطني. ويسلطون الضوء على العودة الخليجية الميمونة إلى لبنان من البوابة الانتخابية للعب دور سياسي مستقبلي، ما يعد مؤشراً على حصول الانتخابات.
أما المرجحون لخيار التأجيل، فيقدمون معطيات ومؤشرات معاكسة، وأبرزها خوف معظم الأطراف الأساسية باستثناء ثنائي أمل وحزب الله، من خوض المعترك الانتخابي في ظل الظروف الحالية.. فالتيار الوطني الحر والعهد الحالي الذي دفع الثمن الأكبر خلال أحداث 17 تشرين بعد تحميله مسؤولية “خراب البصرة”، يخشى “التيار” المحاسبة الشعبية وأن تؤدي الى تراجع كتلته النيابية وتمثيله السياسي قبل “معركة تشرين” الرئاسية، رغم تحصنه بدرع التحالف مع حليفه حزب الله وحليف الحليف حركة أمل، ويفضل تأجيل الانتخابات الى ما بعد الانتخابات الرئاسية علّه عبر المجلس النيابي الحالي، ينجح بإيصال مرشحه إلى كرسي بعبدا.. أما وضع “القوات اللبنانية” فلا يقل خطراً عن وضع “التيار”، ويكثر الحديث في مجالس “القوات” الداخلية أن الحفاظ على الكتلة الحالية أقصى الطموح، بعدما واجهت “معراب” أزمة تحالفات في مختلف الدوائر لرفض تيار المستقبل تجيير أصواته لـ”القوات” وكذلك تمنع منظمات “الثورة” التحالف معها، وكذلك تعثر التحالف مع الحزب الاشتراكي في بعض الدوائر.. أما الاشتراكي فيعاني بدوره خللاً في التحالفات بعد خروج حليفه التاريخي والتقليدي “تيار المستقبل” من السباق الانتخابي.
ويجري الهمس في الأروقة السياسية أن خروج الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام مرده قناعتهم بعدم حصول الاستحقاق الانتخابي في موعده.. لذلك تخشى الاطراف المطالبة بتأجيل الانتخابات لألا تتحمل مسؤولية أمام جمهورها والرأي العام والمجتمع الدولي.. وكل طرف ينتظر الآخر لاعلان التأجيل لتكر “باكورة” المطالبين بالتأجيل.. كل ذلك والاطراف ستذهب الى الانتخابات بلا تمويل كمن يذهب إلى الحرب من دون سلاح، في ظل شح الدعم المالي الخارجي وغياب “روافع اللوائح” أو الممولين المحليين من رجال أعمال ومصارف التي تواجه الملاحقات القضائية في ملف الودائع وتهريب وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع.
ومن مؤشرات التأجيل التي ظهرت على الساحة مؤخراً، هي تبدل الحسابات عند الأميركيين الذين لم يعد يظهرون حماستهم لهذا الاستحقاق، بعد الدراسات واستطلاعات الرأي التي أجريت ودارت جميعها حول أن نتائج الانتخابات ستحافظ على “ستاتيكو” نيابي باستثناء بعض الوجوه الجديدة التي أدخلتها الأحزاب على لوائحها وتلك التي ستنجح منظمات “المجتمع المدني” بإيصالها.. وخلاصة المشهد الانتخابي الجديد الحفاظ على حجم حلف حزب الله- أمل والحلفاء مع التيار الوطني الحر، ما يسقط الهدف التي تريده واشنطن من الانتخابات. لذلك قد تطلب سفارة “عوكر” من فريقها في لبنان مقاطعة الانتخابات والمطالبة بتأجيلها.. لكن ما هي الأسباب والدوافع التي قد تُشكل الذريعة الموضوعية لذلك؟
تظهر فرضية جديدة ما بين الفرضيتين تقول إن المسار الذي تسلكه الأوضاع النقدية – المصرفية والمالية – الاقتصادية منذ أيام بعد اندلاع الحرب القضائية – المصرفية لا تبُشر بالخير، وتؤشر إلى أن كرة النار تكبر تدريجياً وتوقيت انفجارها مربوط على “الساعة الانتخابية”:
والأسباب يلخصها المطلعون على الشأن السياسي والاقتصادي الداخلي لـ”أحوال” بالتالي: سياسية واقتصادية وأمنية أو جميعها قد تهدد مصير العملية الانتخابية برمتها:
-عودة سعر صرف الدولار للارتفاع بالتزامن مع أزمة محروقات جديدة وارتفاع بأسعارها، وأزمة قمح وزيت وتضخم تاريخي بأسعار المواد الغذائية.. وتتوقع أوساط مالية ومصرفية لـ”أحوال” اشتداد وطأة الحرب القضائية – المصرفية، ما سيخلق أزمة سيولة جراء توقف “منصة صيرفة” وإقفال المصارف وبالتالي توقف تحويل الرواتب والعمليات المالية بالليرة والدولار، ما سيؤدي الى فوضى مالية اقتصادية اجتماعية عارمة.
-“الميثاقية السنية”: ظهور أصوات تتحدث عن “إقصاء” الطائفة السنية عن المشهد الانتخابي ستعلو كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، بعد عزوف كامل أعضاء “نادي رؤساء الحكومات السابقين”، ما يطرح إشكالية “الميثاقية” مجدداً، ودعوات لمقاطعة الشارع السني للانتخابات، على سبيل إلقاء الحجة على الطائفة الشيعية، بأنها لا تقبل أن يصل إلى مجلس النواب من لا يمثلها، وكذلك الطائفتين المسيحية والدرزية.
-السبب الأمني يتأتى من السببين الأول والثاني.. فالضائقة الاقتصادية والاجتماعية ستدفع البلاد نحو انفجار اجتماعي محتوم، وبالتالي انفجار أمني في الشارع يواكبه إثارة “العصبية السنية”، ما سيدفع الحكومة والمجلس النيابي لتأجيل الانتخابات لتعذّر حصولها تحت عنوان “الظروف الطارئة التي تشهدها البلاد”.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى