منوعات
أخر الأخبار

 الطائف… شريك أساسي في انهيار الاقتصاد اللبناني وهذه الحلول  

وضع اتفاق الطائف عام 1989 حداً للحرب الأهلية، وحكم لبنان منذ ذلك التاريخ عقد سياسي اجتماعي اقتصادي جديد. وشهدت البلاد منذ بداية التسعينات حتى العام ٢٠٠٠ طفرة “وهمية” في استقطاب الرساميل، حيث ظهرت للعلن خطوات بارزة ركّزت على تحسين القطاع المصرفي من خلال اعتماد تثبيت سعر صرف الليرة على 1500 مقابل سعر صرف الدولار الأمريكي. هذا بدوره رسّخ ثقة المودعين بالقطاع المصرفي مقابل فوائد محددة، وشكّل عامل جذبٍ للرساميل الأجنبية والمغتربين الذين فتحوا حسابات ادخار في المصارف اللبنانية مقابل فوائد حصنّتها ثقة المودعين العمياء بالقطاع المصرفي الذي يعتمد قانون السرية المصرفية. هذه العوامل رفعت  قيمة الموجودات وقيمة الأموال في القطاع المصرفي، خاصة في المصرف المركزي، حيث ارتفعت أيضاً  قيمة احتياطاته من أموال المودعين وأموال المصارف التجارية. لكن السؤال المشروع اليوم، ما هي تداعيات هذا الاتفاق على اقتصاد لبنان المنهار، وما دور الطائف في ما آلت إليه البلاد؟

اتفاق الطائف… طفرة وهمية وأزمة مالية

يحمّل الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية الدكتور محمود جباعي اتفاق الطائف مسؤولية ما يحصل اليوم، ويقول في حديث لـ “أحوال”: “بمعزلٍ عن إيجابيات الطائف وسلبياته، لكن الأكيد أنّ الاتفاق يتحمّل مسؤولية وصول لبنان الى هذه المرحلة من التضخّم والركود التي وصلت إلى حدّ الإفلاس والانهيار الشبه التام.”
ويستطرد قائلاً، حكومة بعد اتفاق الطائف انتهجت سياسة اقتصادية هدفها استقطاب الرساميل وبذلك حوّلت الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد ريعي بغية الربح السريع، فأهملت القطاعات الانتاجية لاسيما الزراعة والصناعة.

ويتابع جباعي، هذه الطفرة التي دخلت إلى لبنان كانت “طفرة وهمية” لأنّ الاقتصاد لم يكن مبنياً على أُسس علمية واضحة من أجل الإستمرار الى أجيال قادمة والى حياة اقتصادية بنيوية، بل كان “اقتصاداً مرحلياً” فقط أدّى إلى إدخال لبنان فيما بعد في أزمة مالية خانقة.

ماذا حصل عام 2000؟

د. محمود جباعي - باحث في الشؤون الاقتصادية والمالية
د. محمود جباعي – باحث في الشؤون الاقتصادية والمالية

يحمّل أغلب اللبنانيين مسؤولية الانهيار إلى العهد الحالي والحكومات الأخيرة، غافلين أنّه منذ عام 2000 بدأت تظهر الانتكاسات المالية، وأصبحت الدولة اللبنانية تعتمد على الاستدانة بشكل مستمر عبر مؤتمر باريس ١ ومؤتمر باريس ٢ وغيرهما من المؤتمرات من أجل تقوية الاقتصاد “الهش” الذي يعتمد فقط على ثبات سعر صرف العملة الوطنية وعلى الخدمات والتحويلات المالية من الخارج. هنا، يرى الباحث في الشؤون المالية، تكمن المشكلة الأساسية في تفاقم الأزمة تدريجياً، حيث أنّ “الدولة اللبنانية بدأت ترفع من قيمة العجز سنوياً، موهمة اللبنانيين بالرخاء الاقتصادي وقوة القطاع المصرفي.” ويلفت جباعي، أنّه مع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية المتعاقبة والانفجارات الأمنية، أضخمها اغتيال رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري عام ٢٠٠٥، ثم حرب تموز وأحداث ٧ أيّار، كلّها ساهمت في إضعاف الرساميل وبالتالي الاقتصاد اللبناني، الذي لم تتغير سياسته المالية القائمة على الخدمات والريع.
واعتمدت الحكومات المتعاقبة على الاقتصاد الريعي والخدمات والاستقرار الأمني بهدف تثبيت سعر الليرة، دون أن تلجأ الى أفكار جديدة تقوم منها خلالها بنهضة نوعية. ويشير الباحث في الشؤون الاقتصادية إلى عوامل عدة من شأنها النهوض بالاقتصاد، كتطوير قطاعي الزراعة والصناعة، بخطط خمسية للزراعة وخطط عشرية للصناعة، في لوم مبطّن للحكومات، عبر هروبها من خلال السياسة السائدة  من خلال الاستدانة. ويلفت جباعي إلى أنّ كل ذلك أوصل الاقتصاد اللبناني عام 2010 الى حافة الهاوية، بظلّ توفّر الدعم الدولي والديون الأوروبية والعربية “لحماية ماء وجه السياسيين مع الاستمرار في نفس النهج الاقتصادي القائم.”

ويشير جباعي إلى فشل الهندسات المالية سيّما عامي 2014 و2015، بعدما قامت مجموعة من المصارف اللبنانية في الاستثمار في الخارج في تركيا والعراق وفشلت بشكل ذريع في هذا الاستثمار، فتكبّدت خسائر مالية واقتصادية ضخمة “أجبرت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على القيام  بهندسات مالية من أجل حمايتها”. ويلفت الباحث أنّه تم اعتماد السياسة نفسها مع باقي المصارف اللبنانية،  فاستفادت هذه  المصارف من هنداسات الحاكم المالية، وهذا ما كلّف مصرف لبنان ما بين 6 و7 مليارات دولار خسائر فيما بعد. ومن هنا بدأت الخسائر المالية لما وصلنا له.

السبل الاقتصادية المالية للخروج من الأزمة

فيما يتطلّع اللبنانيون إلى المبادرات الخارجية بعيون متفائلة من أجل انتاج سلطة تنفيذية حقيقية، يطرح الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية حلولاً للخروج من الأزمة عبر حكومة وفاق وطني انقاذية وفاعلة على الأرض من خلال مبادرات أوروبية وأميركية وأيضاً عربية من أجل ضخّ الروح في الاقتصاد الوطني. ويشير جباعي إلى أنّ التغيير في النمط الاقتصادي يجب أن يبدأ بالتدقيق المالي الجنائي الشفاف في مصرف لبنان، لمعرفة الموجودات والإيرادات والنفاقات والخسائر التي تكبّدها المصرف المركزي، ومصير هذه الأموال (أين ذهبت؟) وهل كانت هذه الخسائر مشروعة أو طبيعية؟ ومن بعد ذلك يطرح الباحث خطوات تساعد لبنان في الخروج من محنته:

– استعادة الأموال المنهوبة، وهذا من شأنه كسب ثقة صندوق النقد الدولي للحصول على كمية وافرة من المساعدات المالية السريعة، وأن يتزامن ذلك مع إصلاحات بنيوية في الاقتصاد والسياسيات المالية تهدف الى وقف الهدر في قطاع الكهرباء الذي استمر لمدة 30 عاماً.

– وقف كل أشكال التهرّب الضريبي والمعابر غير الشرعية التي تتكبد الدولة جرّاءها خسائر مالية.

– العمل بشكل جذري على تغيير النمط الاقتصادي ليكون انتاجياً ولا يعتمد فقط على الخدمات، بالتالي الإبتعاد عن حصر الاستثمار في القطاعات الفندقية والسياحية والخدمية، والذهاب نحو الاستثمار في قطاعي الزراعة والصناعة، والاستفادة من تجربة الدول القريبة من لبنان على الصعيد الزراعي والصناعي للحصول على توازن في القطاع.

– إلغاء العقد الاقتصادي الذي كان موجوداً عام 1992 وتشكيل عقد اقتصادي قبل نهاية العام 2020 يهدف إلى تحسين القدرة الشرائية لدى المواطنين، عبر تخفيض سعر صرف الدولار بما يتناسب مع قدرتهم الشرائية من خلال سلّم متحرّك للرواتب والأجور إلى ما يقارب سعر صرف الدولار. وإن تعذّر ذلك، على الدولة اللبنانية أن تلجأ الى بطاقات الدعم الالكترونية لشراء المواد الاساسية لاسيما الغذائية والاستهلاكية، بحسب طرح الباحث.

– التعاطي مع الأفراد في المجتمع من موظفين وعمّال وحرفيين وصناعيين وإداريين على أنّهم أفراد فاعلين في المجتمع، وإخضاعهم لدورات تأهيلية تمكّن قسماً كبيراً منهم من مواكبة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة.

– اعتماد معايير الجدارة والكفاءة في التوظيفات في القطاع العام وكل ذلك للحصول على قطاع إداري منتج يساعد في النمو الاقتصادي.

كل ما سبق، ليس بأمرٍ سهلٍ يقول الباحث، لكن المطلوب هو تحسين صورة لبنان الاقتصادية لدى المجتمع الدولي  والمودعين لإعادة الثقة في القطاع المصرفي.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى