عاد الصيد غير المسؤول والجائر ليقتنص ثروات هذا البلد من الطيور المهاجرة والمقيمة، وهذه المرة كان الضحية “رخمة مصرية” اسمها “أناهيتا” أطلقته عليها جمعية بلغارية تعمل على المحافظة على هذا الطائر المهدد بالإنقراض، وزودتها بتعريف Tag وبجهاز تعقب، ويعرف هذا الطائر أيضا بالعقاب المصري والنسر الزبال الأبيض the white scavenger vulture، كما ويعرف بـ “فرخ الفرعون” pharaoh’s chicken كونه كان مقدسا لدى الفراعنة، أما اسمه العلمي Neophron percnopterus.
أسطة
وفي هذا المجال، ووفقا لعضو فريق مكافحة الصيد الجائر التابع لجمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL ومركز الشرق الأوسط للصيد المستدام المتخصص بالطيور ماهر أسطة “الطائر المذكور أنثى أطلقت عليه “الجمعية البلغارية لحماية الطيور”Bulgarian Society for the Protection of Birds وتعرف اختصارا بـ BSPB اسم (أناهيتا) Anahita، في سياق مشروع Egyptian Vulture New Life Project يهدف للمحافظة على هذه الطيور وحمايتها وإكثارها وبالتعاون مع 14 دولة ومنها لبنان، أي تلك الواقعة على خط هجرة هذه الطيور، وهي مزودة بجهاز تعقب GPS تم وضعه من قبل الجمعية البلغارية”.
وقد تواصلت الجمعية البلغارية مع جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL وبالتحديد مع مديرها العام الخبير أسعد سرحال، كونها شريكة في هذا المشروع، خصوصا بعد أن أظهر جهاز التعقب توقف الطائر في لبنان، وزودت SPNL بالإحداثيات الخاصة بمكان تواجد الطائر، وقد أبلغ سرحال المشرف على وحدة مكافحة الصيد الجائر التابعة لـ SPNL ومركز الشرق الأوسط للصيد المستدام أدونيس الخطيب، الذي تواصل مع أسطه وتم نقل الطائر الجريح للعلاج.
وبحسب أسطة، فقد “تم نقل الطائر المصاب بعد التواصل والتنسيق مع رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلم، وبعد التحقيق مع صاحب المزرعة التي وجد فيها الطائر”، لافتا إلى أن “التحقيقات خلصت إلى أن صاحب المزرعة وجد الطائر مصابا بين الأعشاب، ونقله إلى سطح منزله ووضع له الطعام والشراب”.
مهددة بالإنقراض
وأوضح أسطة لـ “أحوال” أن “طائر الرخمة المصرية ينتمي إلى فصيلة النسور Vultures والـ Gyps Genus وهو يقتات على الجيف وينظف البيئة على مسار هجرته”، لافتا إلى أن “هذه الطيور مدرجة على القائمة الحمراء من قبل (الإتحاد الدولي لصون الطبيعة) IUCN، بسبب أنها مهددة بالإنقراض”.
تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع يهدف للمحافظة على هذه الطيور التي تتكاثر في بلغاريا وأوروبا وتهاجر عبر دول عدة، وتعد أصغر أنواع النسور، وعلى الرغم من ذلك، فهي تسلك أطول مسافة في مسار هجرتها الموسمية، ويبدأ من أوروبا مرورا بدول متوسطية وصولا إلى القرن الأفريقي.
وبحسب أسطة أيضا، فإن “عمر الرخمة المصرية المصابة (أناهيتا) لا يتعدى 4 أشهر، فقد فقست أوائل شهر حزيران (يونيو) 2020، ووجدناها في منطقة الدوار في قضاء المتن، وعند معاينتها الأولية، تبين أنها مصابة بطلق ناري، وتواصلنا مع الطبيب علي حمادة الذي يتابع وضعها حتى الآن، وبعد صور الأشعة، تبين أن وضعها دقيق للغاية إذ أنها مصابة بـ 15 حبة من الخردق، إلا أن الخطر الأكبر هو النزيف الداخلي الذي تسببت به إحدى حبات الخردق، كما وأن لديها كسرا في إحدى قدميها وجرحا في الجناح”.
وأضاف: “قبل أن نقوم بأي تدخل طبي جراحي، بقينا طوال الليل على تواصل مع إحدى الطبيبات البيطريات في الجمعية البلغارية للمساعدة على علاجها، كون لديهم خبرة كبيرة في هذا الموضوع، وقد حذرت الطبيبة البلغارية واسمها كريستينا، من استخدام مادة Diclofenac وهي مادة مانعة للإلتهاب ومسكنة للألم تنتمي إلى فئة NSAIDs كونها تتسبب بخطورة على هذا الطائر، وكما هو معروف فهو طائر يقتات على الجيف ومنها جيف الماشية، والذي يستعمل فيها هذا العقار بكثرة، وقد تم منعه في كثير من البلدان للعلاج في الطب البيطري إذ يتسبب في فشل كلوي لدى هذه الفصيلة من الطيور ونفوقها خلال بضعة أيام”.
ثلاثة سيناريوهات
وختم أسطة “إن كتب لـ “أناهيتا” الحياة بعد تعافيها التام، فسنطلقها لتستمر في مسار هجرتها وتلتحق بالأفراد الآخرين من نوعها، وإن لم تستطع أن تتعافى تماما، نتجه للسيناريو الثاني وهو ترحيلها إلى بلغاريا، حيث يمكن أن تدخل في مشروع لإكثارها Breeding Program كونها لن تستطيع الطيران والهجرة، لكن يمكن أن تتزاوج وتعمل على إكثار النوع، أما السيناريو الثالث أو الأسوأ فهو أن تنفق، فالوضع حساس للغاية، على أمل تعافيها ومتابعة رحلتها”.
Birdlife International
ووفقا لـ Birdlife International، تتميز الرخمة المصرية بأنها من أنواع الطيور المعدودة التي توظف الأدوات، كأن تكسر بيضة وإن كانت بحجم بيضة النعام باستخدام الحصـى، أو أن تغزل الفرو على عصي لاستخدامها في بناء العش، ومن هنا قدسها المصريون القدماء كونها من النسور التي ترمز للإلهة إيزيس بحسب الميثولوجيا المصرية القديمة وخلدت صورتها في الكتابة الهيروغليفية، وقداستها أكسبتها حماية خاصة حتى أنها سميت “فرخ الفرعون”، وعلى الرغم من قداسة هذا الطائر التاريخية ودوره الهام في بيئته، فإنه يواجه الآن خطر الإنقراض.
وتعد الرخمة المصرية الوحيدة بين نسور أوروبا من النوع المهاجر لمسافات طويلة. يمكنها الطيران لـ 640 كلم في اليوم الواحد، وتسافر حتى 5000 كلم مهاجرة بين مواقع تكاثرها في أوروبا والأطراف الجنوبية للصحراء الكبرى.
وتتعرض الرخمة المصرية في رحلتها الملحمية عبر ثلاث قارات لسلسلة من الأخطار، وإن نجا بعضها في رحلتها من الصعق بخطوط الكهرباء ذات الضغط العالي أو التسمم بالكيماويات الزراعية، فتظل عرضة للقنص غير القانوني، وفي الخمسين عاماً الأخيرة، انخفض التعداد الأوروبي بنسبة 50 بالمئة، ووصل هبوط التعداد في البلقان إلى 80 بالمئة في الثلاثين عاماً الماضية.
ويشكل الإتجار غير الشرعي للحياة البرية خطرا كبيرا على الرخمة المصرية، ففي البلقان –حيث تبقى سبعون زوجاً فقط من الرخمة المصرية – تسرق الفراخ الصغيرة والبيض من بعض أهم مواقع التكاثر في مسارات الطيران الأفرو-أوراسية، بينما تُصطاد الطيور الأكبر ويتم حشوها لتتحول إلى “تذكارات” تباع في السوق السوداء في أوروبا الغربية.
عيتاني
رئيس “جمعية حماية الطيور في لبنان” فؤاد عيتاني، قال لـ “أحوال”: “النسر المصري يعرف أيضا باسم الشوحة أو الرخمة المصرية، وهو من الطيور الجارحة بحسب (حالة المحافظة العالمية الخاصة) ومهدد بالخطر كونه شهد في أوروبا تدنيا سريعا في أعداده على مدى ثلاثة أجيال وعلى مدى 53 سنة”، مضيفا: “تهدده أخطار جمة خاصة خلال هجرته، كالصيد الجائر والتسمم والإضطهاد والتكهرب، أما في لبنان فهو مهاجر عابر غير شائع على مسارات الهجرة فوق سهل البقاع وسلاسل الجبال”.
ورأى عيتاني أنه “وفقا للصور، فالطائر المصاب يافع في عامه الاول لونه بني وأرجله رمادية، والبالغ عادة لونه ابيض يتخلله ريش طيران اسود أما أرجله فتكون زهرية”، وقال: “منذ أواخر آب (أغسطس)، وتزامنا مع هجرة الخريف تقوم وحدات مكافحة الصيد الجائر التابعة لجمعية حماية الطيور في لبنان، برصد تفاقم الوضع فيما يتعلق بالصيد غير القانوني في عدة مناطق من لبنان ولا سيما شمالا وخصوصا في ما يتعلق بصيد الطيور الحوامة والجارحة”، ولفت إلى أنه “على الرغم من أن وزارة البيئة لم تعلن افتتاح موسم الصيد قبل 22 أيلول (سبتمبر) 2020، فقد وصلتنا العديد من الشكاوى في الاسابيع القليلة الماضية ولا سيما صيد طيور جارحة واستعمال الشباك وماكينات تحاكي أصوات الطيور”.
وطالب عيتاني الجهات المعنية “بتطبيق قانون الصيد البري رقم 2004/580 على أكمل وجه وأن تمارس الصرامة في تنفيذها”.
حمادة
وقال الطبيب البيطري علي حمادة لـ “أحوال”: “بعد وصول الطائر المصاب إلى العيادة، قمنا بالإسعافات الأولية، وإعطائه مواد مسكنة للألم، وتصويره شعاعيا، ووجدنا 15 قطعة من الخردق، وكسر في ساقه اليمنى وجناحه الأيسر، وقمنا بتجبيرهما، وتواصلنا مع مجموعة من الناشطين والأطباء من بلغاريا لاختيار الطريقة المثلى لعلاج هذا الطائر، والعلاجات المناسبة في حالته، ونوع الحقن اللازمة لوقف نزيف في الأعضاء الداخلية أصيب بها جراء الخردق، فضلا عن إعطائه مضادات الإلتهاب والألم المناسبة لهذا النوع من الطيور وبالتنسيق مع المجموعة البلغارية، وزودناه بالسوائل كونه لم يقرب الطعام الذي قُدّم له”.
وأشار حمادة إلى أنه “ابتداء من اليوم، بدأ الطائر بتناول الطعام (الفيديو المرفق)، كما وقد زرق، وهي أمور إيجابية تظهر أن ثمة تجاوبا للعلاجات، وبعد التشاور مع أسطة، قررنا أن يكمل علاجه، في محيط قريب لبيئته الطبيعية التي يعيش فيها، وأخذه إلى مكان تتوفر فيه هذه الأمور، وخارج القفص في العيادة، ولكن بمتابعة طبية مستمرة، على أمل تعافيه، وإطلاق سراحه”.
سوزان أبو سعيد ضو