مجتمع

بالتزامن مع الإنهيار الاقتصادي… هل من حلول لأزمة اللاجئين السوريين؟

يعاني لبنان، الذي يتّسم بصغر مساحته واكتظاظه بالسّكان من أزمة اقتصادية حادّة ومزمنة، أضيفت عليها في العقد الأخير أزمة نزوح نحو 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في ظروف صعبة ومعقدة.
تسبب دخول اللاجئين السّوريين الى لبنان بضغوط كبيرة على القدرات الماليّة والاقتصادية، وخلق تحدياتٍ إجتماعية راكمت الأعباء، من إرتفاع أجور السّكن، أو شحّها بسبب زيادة الطلب عليها، الى تقويض الخدمات العامّة الضعيفة والضغط على البنى التّحتية المتهالكة أصلاً، رفعت من المزاحمة الشديدة في سوق العمل والقطاعات الزراعية والتجارية لإنعدام التنظيم وغياب تطبيق شروط قانون العمل اللّبناني.
والكارثة أنه في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية وفقدان الأمن الغذائي للمواطن اللبناني، يحصل اللاجئون السوريون على بطاقات دعم إلكترونية مقدمة من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويمولها شهرياً برنامج الأغذية العالمي بقيمة 27 دولار لكل فرد لشراء المواد الأساسية إلى جانب المساعدات الطبية والتعليمية. ما يعني ظهور فوارق كبيرة بين اللاجئ السوري والمواطن اللبناني ما ينذر بانفجار اجتماعي حتمي. فأي حل في الأفق؟ وكيف السبيل الى ردم الهوة ومعالجة الأزمة التي توازي حجم وجود واستمرارية المواطن اللبناني في وطنه وعلى أرضه وغياب الدعم الرسمي؟.
البروفيسور بيار الخوري، الخبير في الملف الاستراتيجي والاقتصادي، يؤكد لـ “أحوال” أنّ “لأزمة اللّجوء انعكاسات متضاربة على الوضع الاقتصادي في لبنان، بسبب زيادة عدد السكان بنسبة 25% تقريباً دفعة واحدة وفي مدة زمنية قصيرة جداً، ما أدى إلى خلق ضغوط على الخدمات العامّة وعلى ميزان المدفوعات، وذلك بسبب زيادة استيراد الدّولة من أجل تمويل شعب وربع تقريباً”.
ويشير إلى “إخفاق الحكومة اللّبنانية في الحصول على تمويل مؤاتي لحجم النزوح بسبب الخلافات والاستقطاب السياسي الذي حصل فيما بين الأفرقاء السياسيين على موضوع اللجوء، ما منعهم من التوجه بصيغة محددة إلى المجتمع الدولي تمكنهم من المطالبة بتمويل وجود النازحين بما لا يؤذي الاقتصاد اللبناني”.
وعن حيازة اللاجئين “للبطاقة المشتركة”، يؤكد الخوري أنها قد “أتت لمصلحة لبنان، فماذا لو لجأ هذا العدد من السوريين إلى لبنان دون وجود دعم دولي؟”
ويختم بالقول “كل أشكال النزوح تخلق ضغوطاً وأزمات على البلد المضيف، ليبقى الدور الأساسي على عاتق حكومة هذا البلد وكيفية تعاطيها مع النزوح، من أجل تأمين التّوازن الاقتصادي بين زيادة حجم الطّلب على الخدمات العامّة وعلى البضائع والسّلع وعلى ميزان المدفوعات وإيجاد مصدر أجنبي قادر على التّمويل”.
في المقابل، يوضح زياد الصائغ، منسق مبادرة “لبنان الأفضل” ومستشار السياسات واستراتيجيات التواصل في وزارة الدولة لشؤون النازحين، أنّ “مسألة عودة اللّاجئين السورين إلى بلادهم ترتبط بالسياسة العامة للدولة اللّبنانية، إلا أنّها لم تقرّ أي سياسة جدية منذ بداية الأزمة، بل اكتفت بعرض النّظريات”.
ويشير الصائغ إلى “المبادرة الرّوسيّة التي طرحت في صيف 2018 لإعادة القسم الأكبر من النّازحين إلى ديارهم، لكنّها لم تستطع تأمين شروط هذه العودة، إضافة إلى فشل حلّ الأزمة السوريّة، ما زاد من تعقيد قضيّة اللّجوء”.
ويتساءل “اليوم هناك إمكانية لعودة 300 ألف نازح سوري إلى مناطق القلمون والزبداني والقصير، فلماذا لم يُسمح بذلك؟”.
ويشدّد على أن “لا علاقة لأزمة اللّجوء بتخلّي الدّولة اللّبنانية عن القيام بكامل مسؤولياتها تجاه الشّعب، واقع الحال أن لبنان ينزلق إلى عداد الدول الفاشلة العاجزة عن تزويد مواطنيها بالمواد الغذائيّة وبالخدمات الأساسيّة”.
وعن قضية مزاحمة العامل السوري للعامل اللّبناني يقول الصائغ “منذ العام 2011 وحتى اليوم لم تميّز الدّولة اللّبنانية بين النّازح السّوري وبين العامل السّوري، حيث كان من واجبها أن تفرض عليه وجوب حيازة إقامة وإجازة عمل بهدف تنظيم القطاع”.
ويتابع “اللّبناني أيضاً هو المسؤول عن استبدال العامل اللّبناني بالسّوري، لا بل وأحياناً يستعينون بهم في السّوق السّوداء، والمواطن أيضاً هو من يبيعهم الشقق السكنية أو يؤجرهم، كل هذه العناصر مرتبطة بفشل إدارة أزمة النّازحيين السوريين من الدولة اللّبنانية والتي لا تنفصل عن موضوع عودتهم”.
ويختم الصائغ بحزن “اليوم يعيش المواطن اللّبناني واللاجئين السوريين والفلسطينيين مأساة مشتركة بسبب تخلي الدولة اللّبنانية عن مسؤولياتها تجاه المواطنين، وبسبب التقصير الممنهج والمنظم من أجل إفقار وتجويع شعب برمته، مع عدم تنظيم وضعية اللاجئين، بالاضافة إلى فشل المجتمع الدولي بترتيب حلول عودة اللاجئين الى بلادهم لأسباب متعدةة أهمها الحل السياسي الشامل”.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى