حقوق

انفجار المرفأ: متلازمة “التّهميش” تتجدّد والسلطة تتجاهل حقوق “ذوي الإعاقة”

إدارة الكوارث في لبنان تحتاج لجهدٍ أكبر

بعد انقضاء خمسة أشهر على انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، ووسط تضارب العمل الميداني بين المنظمات الخاصّة والإدارات العامّة، لم تلملم شتات الكارثة بعد.

ويقدّر بحسب إحصاء الصّليب الأحمر اللّبناني عدد الجرحى جرّاء الانفجار بأكثر من      6000 جريح، علمًا أنّه لم تتمّ عملية فرز واضحة لتوزيع أنواع الأضرار ومتابعة الحالات ومعرفة حاجات المتضررين. نتيجة هذا الخلل تطفو مشكلة دائمة عند أشخاص يصنّفون أنفسهم في خانة “الأكثر تهميشًا” بحكم واقعهم في المجتمع وتغييبهم مع كلّ كارثة تحصل.

وتقول ندى العزير منسّقة برنامج الطوارئ في الاتّحاد اللّبناني للأشخاص المعوّقين حركيًّا إنّ  “معلومات وزارة الصّحة لم تكن كافية، المستشفيات تحافظ على سريّة المريض، لا احصاء دقيق لعدد الأشخاص اللذين أُصيبوا بإعاقات بعد انفجار بيروت. وصلنا لحوالي 400 شخص من اللّوائح التي أعطيت لنا ومن خلال مسحنا لمناطق الانفجار: بينهم إعاقات سابقة من سكان المنطقة المتضرّرة وإعاقات مستجدة ولكن من المؤكد أنّنا لم نصل للجميع. رصدنا تقريبًا 60 حالة من الإعاقات المستجدة “.

كما أن بعض المتضرَرين قد تركوا منازلهم التي دُمّرت كليًا، أمّا المصابين بإعاقة مستجدة يمرّون بمراحل عديدة (الرفض/ الحداد /الاكتئاب /التقبّل أو التكيّف) قبل التأقلم فمن الصعب الاعتماد على طلبهم للمساعدة في هذه المراحل.

في المقابل، لم تتمّ أيّ مبادرة من الجهات الرسميّة للاستقصاء ومعرفة من هم أصحاب الإعاقات المستجدة أو عرض المساعدة مثلًا:

– دعوة للتقديم على بطاقة الإعاقة وتساعد هذه الطلبات المقدّمة على إحصاء فعّال لعدد الإعاقات المستجدة.

– جولة لأطباء مختصّين للكشف على المتضرّرين وتحديد حاجاتهم.

– إجراء فحوصات سمعيّة وبصريّة لتأمين الأجهزة اللّازمة.

– تأمين العلاج الفيزيائي المجّاني.

– تأمين أطراف اصطناعيّة والمعدات الطبيّة.

ولم تكن كلّ المستشفيات الميدانيّة الأجنبية مجهّزة على “معرفة التصرف” في استقبال رجل مقعد يقود سيارة ويريد الدخول لمستشفى ميداني، فلم يكن لذاك الأخير، إلّا أن يفسّر لهم كيف يمكنهم أن يسهّلوا عليه طريقة الدخول والوصول للمساعدة وكيف يتعاملون مع غيره من الحالات اذا صادفوها.

بعد إلقاء نظرة في الماضي القريب، يمكننا التأكّد أنّها لم تكن هذه المرة الأولى التي تتغافل بها الدولة عن القيام بما هو “الأصحّ” بحقّ المتضرّرين  من الكوارث التي تحصل. ففي الماضي القريب أيّ بعد الحرب الأهلية وقعت تجارب مشابهة تذكّر بالمشهد عينه، منها حرب الأيام السبعة على لبنان 1993– عملية “تصفيّة الحسابات”، وحرب نيسان 1996 عملية “عناقيد الغضب”، وحرب تموز 2006 والنّزوح السّوري. إذن تكمن المشكلة الحقيقية في إدارة الكوارث والحماية الاجتماعية.

بحسب جهاد اسماعيل (الإتّحاد اللّبناني للأشخاص المعوّقين حركيًّا) في الظروف غير السليمة أو الكوارث تقوم فقط بشكلّ عامّ على الإغاثة، بحالات الطوارئ والتدخّل، أيّ تقتصر الإغاثة بتأمين المأكل والمشرب، الإيواء وفي بعض الحالات المساعدة الماديّة.

ولكن من بين المتضررين وجب لحظ الأشخاص ذوي الإعاقة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والفئات الأشدّ ضعفاً التي قد تشمل الأطفال، النساء الحوامل، النازحين، المسنين، المصابين بعجز والمصابين بفيروس الإيدز وغير ذلك من الأمراض المعقّدة.

 

ملاحظات عن الثغرات في إدارة الكوارث:

  • عمليّة الإخلاء أو الخروج من المكان المتضرّر:

الأولوية تبدأ بإغاثة الأشخاص غير المعوقّين. ومن ثمّ مشكلة أخرى من المؤسف التحدث عنها وهي مفاضلة الأهل بإغاثة الولد غير المعوّق على الولد المعوّق.

  • عمليّة اللّجوء للأماكن العامّة الآمنة (المدارس، قاعات تابعة للكنائس والجوامع): المعوّقات الهندسية لمن ليس سهلًا عليه التنقّل والحركة وللمكفوفين) طوابق عليا، مراحيض ليست صالحة لدخول الكرسي المدولب أو بعيدة، أرض ترابية، ممشى فيه حجار وغيره…)، بعض الأمراض تتطلب نظافة قصوى، لا توجد خصوصيّة للنساء وشروط الأمان، الاكتظاظ يسبب الإضطرابات للبعض.

وإذا كان البيت ما زال موجودًا، هو بحاجة لتجهيز سريع وملائم لحالة سكانه الصحيّة بعد الكارثة.

  • الدواء وطبيعة الأكل: تأمين الدواء الخاصّ والمزمن، الدواء للإضطرابات النفسية والعصبية ، بعض الحالات تتطلب أكل مطحون (كالمسنين وبعض حالات الإعاقة).
  • المعدّات الطبيّة: المعدّات الخاصّة بالمرضى وكبار السنّ (فرشة ماء طبية، فرشة هواء…)، معدّات التنقل (كرسي متحرّك)، مواد طبيّة ومعقمات طبيّة.

يجدر الإشارة إلى أنّ الأشخاص في حالات الطوارئ يسعون فقط للنجاة بأنفسهم وبذلك ينسون أغراض كثيرةً في البيت (ثياب، أدوية، سماعات، حفاضات، فرشة ماء، مبولة…)

والملاحظة الأهم جمع البيانات بالمعلومات والمعطيات اللّازمة لمعرفة حاجات وخصوصيّة كلّ من المتضررين ومتابعتها.

 

نظرة في الحاضر

بعد جلسة مجلس النواب للبحث في قرارات ما بعد الانفجار: استثنى قانون رقم 194 الرامي إلى حماية المناطق المتضررة (المرفأ، الصيفي، المدور والرميل) جرّاء انفجار بيروت الإعاقات الجديدة من التعويضات  والتقديمات الصحيّة، وذلك بإدراجهم تحت مظلة القانون 220/2000 والاستفادة من بطاقة المعوّق.

نصّ القانون 220 الصادر عام 2000 على تزويد الأشخاص ذوي الإعاقة بطاقة تخوّلهم الحصول على الحقوق وتعطيهم بعض الامتيازات. ومن هذه الحقوق: الحقّ في التعلم، النقل، الطبابة والاستشفاء، بيئة خالية من العوائق، تعويض بطالة، العمل، تأهيل مهني، تخفيض ضريبي، المشاركة في الحياة السياسية، الرياضة والترفيه. كل هذه الحقوق أصبحت مكرسة بموجب هذا القانون، وتعتبر بطاقة المعوّق آلية تقدّم كمستند للحصول على هذه الحقوق.

 

هل تعتبر بطاقة المعوّق كافية للتعويض عن الضرر؟

إن تطبيق هذا القانون 220/2000 لتفعيل الخدمات التي تقدّمها البطاقة، لم يتم حتى اليوم وقد سئم أصحاب الحقّ من الوعود الكاذبة.

كما تجاهل أهل السلطة مرّة أخرى، بالقانون الجديد 194 حقوق أشخاص ذوي الإعاقة، وامتنعوا عن المصادقة على الاتفاقية الدولية لأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري لعلّ المجتمع الدولي يضغط على الدولة لتقوم بالإصلاحات اللّازمة لضمان بيئة مؤاتية.

ممّا أثار غضب أصحاب الحقّ والجمعيات المختصّة المناضلة، اللّذين لم يكفّوا عن المطالبة بتطبيق قانون 220 منذ أكثر من عشرين عامًا. لذا نظّموا مسيرة وطنية في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 كانون الأول مستنكرين القانون 194 باستثناء الإعاقات الجديدة.

رافعين مطلب أساسي وهو إنصاف معوّقي إنفجار المرفأ لمساواتهم بمعوّقي الجيش اللّبناني فيكون هذا التعويض بمثابة تعويض تقاعدي.

هل سينضمّ معوّقو انفجار المرفأ لضحايا الماضي على لائحة انتظار القانون 220/2000؟

 

ماري لو بيضون

ماري لو بيضون

صحافيّة وناشطة نسويّة حائزة إجازة في فنون التّواصل والصّحافة من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى