منوعات

“زيتون الجنوب” تحت رحمة العمال والاغتراب والشتوة الأولى

بدأ موسم قطاف الزيتون في جنوب لبنان، هو الموسم المنتظر سنوياً لمئات المزارعين والتهافت على قطاف “الغلّة”، التي قد تخفّف عنهم الأعباء الاقتصادية الخانقة رغم ضعف الانتاج هذا العام.
“الغلّة ليست كبيرة هذا العام بسبب الهواء والأمطار والأمراض التي أدت الى انخفاض نسبة حمل أشجار الزيتون” بحسب المزارع أحمد خريزات، ابن بلدة عيترون ( بنت جبيل)، الذي بيّن أن “الانتاج هذه السنة قد يتراجع الى ما دون النصف، لكن في المناطق الدافئة قد يكون الوضع مختلفاً”. ويضيف “من المقدر أن يكون ثمن تنكة زيت الزيتون (20 ليتر) بحدود مليوني ليرة لبنانية، وهذا قد يؤدي الى ضعف الاقبال على شراء الزيت محلياً، ما يعني أن تكون وجهة التصريف الى خارج البلاد”.


يحاول العديد من المزارعين تجميع الزيت وتصديره باتجاه المغترب اللبناني، ففي بلدات قضاء بنت جبيل يرسل المزارعون جزءاً كبيراً من انتاجهم الى المغتربين في أوستراليا وكندا والولايات المتحدة وغيرها، إذ “هناك يدفعون لنا بالعملة الاجنبية” بحسب القول الشائع.
الشتوة الأولى والعمال
بحلول “الشتوة الأولى”، تبدأ عملية قطاف الزيتون في مرجعيون وبنت جبيل، لأن “الشتوة الأولى” تسهم في زيادة كمية الزيت وبالتالي زيادة الانتاج، لا سيما بالنسبة للمزارعين الذين يعتمدون على انتاج الزيت في معيشتهم، كما يشير المزارع أحمد ناصر (70 سنة)، من بلدة حداثا (بنت جبيل)، الذي اعتبر أن “معظم المزارعين الذين يملكون أشجار زيتون كثيرة باتوا لا يلجأون الى قطافها بأيديهم، بعد أن أصبحوا كباراً في السن، وأولادهم باتوا إما من المغتربين أو في المدارس”، ويعتبر أن “عدد أشجار الزيتون تراجع بسبب أعمال البناء الكثيرة، وأيضاً بسبب الإهمال، وبالتالي بات الذين يستفيدون منها هم العمال السوريين، لا سيما في ظل تراجع الموسم هذا العام”.


أما أجرة العامل اليومية فتزيد على 150 ألف ليرة، يقول حسن حمادة (الصوانة) أن “أسرته تنتظر موسم الزيتون كل سنة لقطاف العديد من الكروم مقابل الحصول على نصف الانتاج، حيث نعمل أكثر من أربعين يوماً لنحصد أكثر من خمسين تنكة زيت، يعادل ثمنها حوالي 5000 دولار، اما هذا العام فيبدو أننا لن نحصل على أكثر من الف دولار بسبب تراجع الانتاج”.
يتحدث أصحاب معاصر زيت الزيتون عن ارتفاع سعر الزيت هذا العام الى حده الأقصى، وقد تصل الى مليوني ليرة، أما تنكة الزيت القديمة فيمكن أن تباع بمليون ليرة.


عدد أشجار الزيتون في قرى وبلدات اتحاد جبل عامل (15 بلدة من بلدات مرجعيون) يزيد على 300000 شجرة، بحسب احصاءات الاتحاد، ويبلغ عدد أشجار الزيتون في قضاء مرجعيون حوالي 400 ألف شجرة، أما في منطقة حاصبيا فيصل عدد أشجار الزيتون فيها الى مليون شجرة، وهو الرقم الأول في لبنان، لكن يبدوا أن معظم الذين يملكون أشجار الزيتون لا يقيمون في المنطقة، وبالتالي لا يولون العناية اللاّزمة لهذه الأشجار.
يقول علي رسلان (الطيبة) أن “أبناء القرى الحدودية، المشهورين بزراعة الزيتون، لا يقيمون في قراهم، ومعظمهم من المهاجرين، ولم يبق هنا الاّ كبار السنّ أو الموظّفين، الذين لا يمكنهم العمل وتفريغ وقتهم لقطاف الزيتون، لذلك فان استئجار العمّال السوريين بات حاجة ملحّة، ما ساهم في ارتفاع أسعار زيت الزيتون، خاصّة بعد ارتفاع أجرة العمّال”.


الزيتون قيمة اقتصادية تحتاج التجديد
في لبنان اليوم 12 مليون شجرة زيتون، يعيش من انتاجها 105 الاف مزارع، لكن 50% من أشجار الزيتون قديمة وأصبحت متهالكة، اضافة الى شيوع استخدام الوسائل التقليدية في عملية انتاج الزيت الباهظ الكلفة نسبياً، في ظلّ مشكلة تصريف الانتاج وضعف الاستهلاك المحلّي.
وبحسب دراسة لمؤسسة تشجيع الاستثمارات في لبنان، فإنه تشغل أشجار الزيتون 5،4 % من الأراضي اللبنانية، (563 كلم مربع)، أو ما يعادل 8% من الأراضي الزراعية في لبنان، كما شهدت صادرات زيت الزيتون ارتفاعاً خلال الأعوام الماضية، لكن يجب بذل الجهود لدعم انتاج زيت الزيتون وفقاً للمعايير الدولية.
ويعتبر المهندس الزراعي سليم مراد أن “منشأ شجرة الزيتون يرتبط بتاريخ بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث تمّ التعرّف على هذه الشجرة في مدينة صور وإنتشرت لتغطي الساحل الفينيقي سنة 4000 ق.م، ثم إنطلقت الزراعة مع حضارة الفينقيين من شواطئ لبنان لتتخطى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط”.
وتشير المصادر المختلفة إن 99 % من إنتاج زيت الزيتون عالمياً مصدره حوض البحر الأبيض المتوسط، كما تشير إحصائيات المجلس الدولي للزيتون أن متوسط إستهلاك الفرد لزيت الزيتون في لبنان هي 6.3 كلغ/فرد/عام، مقابل 17.9/كلغ/فرد/عام في اليونان وهي أعلى نسبة إستهلاك عالمياً.


وتُشكلّ زراعة الزيتون في لبنان 21% من كافة الأراضي الزراعية وهي بأغلبها أراضي بعلية تعتمد أشجارها على مياه الأمطار فقط، وتُشكّل محافظتي الجنوب والنبطية 40 % من مجموع الأراضي المزروعة زيتون في لبنان.
ويعتبر زيت الزيتون من أهم الزيوت السائلة القابلة للأكل، ويحتل المركز الخامس بين الزيوت النباتية المُستخدمة في الطعام في العالم. ومن أهم الصفات الغذائية والصحية لزيت الزيتون البكر الممتاز إحتوائه على 77 % من الزيوت الأحادية الغير المُشبعة التي ترفع من نسبة الكوليسترول الحميد (HDL) وتُخفضّ من نسبة الكوليسترول الضار (LDL)، اضافة الى محاربته للخلايا السرطانية، وغناه بمضادات الأكسدة والفيتامين E و B1، وإقلاله من خطر الإصابة بأمراض القلب.

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى