جدليّة العلاقة بين 1 آب و 4 آب
1 آب أبعد من عيد جيش ومن عرض عسكري وقبضات وأقدام مزلزلة وزمجرة، أبعد من لافتات مستنسخة من سنة الى أخرى ومزايدات في محبة المؤسسة العسكرية، أبعد من “نوستالجيا” عنفوان ووطنية وبطولة أو من عواطف صادقة وجيّاشة، 1 آب عيد “هيبة الدولة”.
فالجيش ركيزة أساسية لهذه الهيبة وأي دولة تفقد هيبتها تفقد مشروعيتها المستمدة من توافق مواطنيها على أن تكون هي الفيصل بينهم والحماية لهم.
من حيث المبدأ – وإن تطوّر مفهوم الجيش على مرّ العصور وأصبح أكثر تفاعلاً مع المواطنين في ظل تعزيز دوره الإجتماعي- فدوره الأساسي يبقى حماية الدولة من الاعتداء الخارجي والمحافظة على حدودها البرية ومياهها الإقليمية ومجالها الجوي.
أما في لبناننا – وكدول العالم الثالث – فقد أثقل الجيش منذ نشأته بمهام حفظ الأمن في الداخل والفصل في الصراعات والنزاعات التي تحوّلت مراراً الى حروب بلغت حدّ إنهيار الدولة يوم تشرذم الجيش فعجز عن القيام بمهامه.
كذلك، 4 آب أبعد من زلزال دموي في قلب العاصمة بيروت وبحر دم ودمار ودموع، أبعد من جريمة عصر أودت بحياة أكثر من 210 ضحايا وفتكت بـ6 آلف جريح، أبعد من جرح تاريخي لن يندمل يوماً في وجدان ونفوس اللبنانيين.
4 آب خير تجسيد لدولة الا دولة، المتسيبة والمتسببة بنحر أبنائها الذين لا ذنب لهم إلا انهم وثقوا بها، الراضخة والخانعة والمستسلمة أمام من يهتك بسيادتها وينتهك كرامتها ويجعل منها جسداً مشلّعاً وساحة مستباحة ويسخّرها لخدمة مشاريعه وأهدافه العابرة لحدود الوطن وللدوس على حياة المواطنين.
من بديهيات الامور، ان تكون العين ساهرة على المرافئ بوابات أي دولة الى العالم. أما في لبناننا حيث لجنة موقتة تدير مرفأ بيروت منذ 30 عاماً، فغضّ النظر عن الفلتان على المرفأ سافر ولا يقتصر الأمر على الفساد والزبائنية والتهرب الجمركي بل إن “الخط العسكري” حاضر جهاراً والمشهد لا يختلف عن الحدود السائبة بمعابرها غير الشرعية المستشرية. المرفأ صورة حية عن الموت السريري لدولة بين مطرقة الارهاب وسندان التهريب.
هنا تكمن العلاقة الجدلية بين 1 آب و 4 آب، بين “فلكلور” و”تراجيديا”، بين خياري الدولة واللا دولة. فإما نعيد لـ 1 آب جوهره أي قيام دولة لا شريك لها بالسيادة وقرار الحرب والسلم وحصرية السلاح ونطلق يد جيشها للقيام بواجباته عوض الالتفاء على دم شهدائه كما جرى مثلا في معركة نهر البارد حيث تمّ تهريب شاكر العبسي أو في معركة عرسال حيث تمّ تأمين الباصات المكيفة لنقل “الدواعش”، وإما يبقى الشعب اللبناني رهينة لـ 4 آب ما قابل للعصف به في أي وقت.