رياضة
أخر الأخبار

مافيا الرياضة اللّبنانية أخطر من الـ “كورونا”

على مدى 55 عاماً أمضيتها في عالم الرياضة اللبنانية (إعلامياً وإدارياً)، عاصرت من خلالها معظم الزملاء والاداريين واللاعبين والمدربين، كنت دائماً أبحث عن مستقبل أفضل لرياضة لبنانية نظيفة ومتطورة تحدث نقلة نوعية تضع لبنان على الخارطة العربية أولاً، ومن بعدها الأسيوية والعالمية، فكتبت مئات الأعمدة والتحقيقات إلى سلسلة متواصلة من الحوارات لوضع حجر الأساس، لكن للأسف لم أنجح (ولم ينجحوا) في تحقيق ذلك حتى الآن.

قد يبدو الأمر غريباً للوهلة الأولى نظراً للفترة الطويلة، لكن شرح أسباب ذلك قد يتطلب مجلّدات عدة، إلّا أنني سأكتفي بعرض موجز لبعض المشكلات التي ما تزال إلى الآن حائلة دون النظافة والتطور.

ـ منذ بداية مشواري الإعلامي في العام 1965 اكتشفت أن من يتحكم بالإدارة الرياضية في كل الألعاب هي مافيات الطوائف والمذاهب والسياسة، وجاء ذلك من خلال طريقة انتخابات الاتحادات واللّجنة الأولمبية، حيث كانت الرئاسات و أمانات السر والأعضاء  توزع حسب ما أسلفت.

مثالاً على ذلك، فإنّ اتحاد كرة القدم كانت رئاسته لحسين بك سجعان  عندما تأسس في العام 1933، وفي العام 1937 خلفه الشيخ بيار الجميل واستمرت الرئاسة للمسيحيين وأكثرية الأعضاء إلى ان حصل خرق استثنائي لهذه المعادلة في العام 1985 فآلت الرئاسة ومعها أكثرية الأعضاء إلى المسلمين، وما يزال هذا الوضع قائماً حتى الآن، مع الإشارة إلى أنّ التدخلات السياسية والطائفية هي التي أحدثت هذا التغيير.

وفي اتحادات الكرة الطائرة وكرة السلّة وكرة المضرب وألعاب القوى والسباحة والرماية كانت الرئاسة وأكثرية الأعضاء للمسيحيين وما تزال، يقابلها اتحادات المصارعة والملاكمة ورفع الأثقال…الخ… ولم يحصل أي خرق حتى الآن.

وأدّت المعادلات المذكورة إلى استبعاد مجموعة كبيرة من الإداريين الشبان من الطوائف كافة، وهم كانوا أصحاب كفاءة عالية فهاجر معظمهم ومنهم من أبدع.

ـ للأسف، طوال السنوات الـ 55 لم يكن هناك رؤية واضحة للمستقبل أو خطط علمية حديثة للتطوير، فكانت المبادرات الفردية هي الطاغية، ناهيك عن الغياب الكلّي للدولة اللّبنانية التي لم تقم يوماً بواجبها، وتفاءلنا خيراً عندما قررت الدولة استحداث وزارة للشباب والرياضة في مطلع الألفية الثانية، لكن هذه الوزارة لم تحقق أي تقدم نظراً للشكوى الدائمة من شح ميزانيتها.

ـ بعد انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990 ارتفعت حدّة المعادلات الطائفية والسياسية بشكل لافت حيث بات أي تغيير في الهوية  الإدارية في كلّ الاتحادات ممنوعا، و أصبحت الانتخابات شكلية حيث يتم توزيع الرئاسات والمناصب قبل موعد الانتخابات بفترة زمنية، ولم ينجح أحد بكسر المعادلات إلى الآن.

ـ في العام الماضي، حل خطر الكورونا في جميع أنحاء العالم وما يزال يتفشى بشكل واسع محدثاً دماراً شاملاً في كل القطاعات، والضرر الذي أحدثه في القطاع الرياضي كبيراً جداً، وقد وجدت دول كثيرة حلولاً آنية للمعالجة نظراً الى الإمكانات البشرية والمادية التي تمتلكها، لكن في لبنان لم نجد أي طرح للمعالجة حتى ولو كان بسيطاً جداً، ما يعني أنّ دوران العجلة الرياضية سيظل متوقفاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، علماً بأن المهيمين على الحركة الرياضية يعملون ليل نهار على تركيب لوائح انتخابات الاتحادات التي ستنطلق من تشرين الأول المقبل إلى ما قبل نهاية العام.

كنا نأمل أن تكون انتخابات عصر الكورونا ليس كما قبلها، إلّا أنّ المافيات الإدارية استغلّت الفرصة لتكريس وجودها و تثبيت سيطرتها بحجة أن الأوضاع لا تسمح بأي تغيير، ما يجعلها أشد خطراً من الكورونا.

يبقى، أنّ الرياضة اللّبنانية ستدفع ثمناً كبيراً قد يبقيها في غرفة العناية الفائقة لسنوات خمس مقبلة على الأقل في ظل وجود المافيات، إلّا إذا حصلت صحوة ضمير تأتي باداريين قادرين على الاستنهاض عبر رؤى واضحة وخطط تؤسس لمستقبل جديد، مستقبل رياضة ما بعد الكورونا.

يوسف برجاوي

يوسف برجاوي

عميد الصحافة الرياضية العربية والآسيوية. الرئيس الفخري لجمعية الاعلاميين الرياضيين اللبنانيين. مدير تحرير الرياضة في جريدة السفير من العام 1974 الى حين توقفها عن الصدور في العام 2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى