نصر الله حسمها.. لا انتخابات مبكّرة ولا مزيد من “اللوفكة” في ملف الحكومة ولنبدأ بالاقتصاد
من الخلاف حول شكل الحكومة، وعدد وزرائها، وتوزيع أثلاثها، إلى العقدة الأجدّ المتمثلة بتسمية “الوزيرين المسيحيين”، ومن مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووساطات المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وجهود حزب الله، واقتراحات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الرّاعي، وتدخّلاتٍ محليةٍ وخارجيةٍ، وصولاً إلى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الأخيرة، يدور ملف تشكيل الحكومة في دائرةٍ مفرغةٍ، تارةً باتجاه عقارب الساعة وتارةً أخرى في الإتجاه المعاكس، بدفعٍ من القطبين المعنيّين مباشرةً بالتشكيل: الرئيس المكلّف سعد الحريري، ورئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل.
اللبنانيون ملّوا، لا بل أجهدهم الدوران الذي لا طائل منه. الدول العربية والأجنبيّة فقدت الامل في لبنان وسياسييه منذ زمن. وعلى الرغم من مرور ما يزيد عن ثمانية أشهرٍ على تكليف الحريري، ما زال التّعنت سيد الموقف، ومبادرة الرئيس برّي الأخيرة لم تلقَ حتى اللحظة مصيراً مخالفاً لمصير سابقاتها، مع تلويح التيار الوطني الحر بالاستقالة من مجلس النواب لتليها استقالة نواب حزب القوات اللبنانية من جهة، وتلويح كتلة المستقبل بالاستقالة أيضاً، ما يضعنا في الحالتين أمام مجلسٍ أعرج فاقدٍ للميثاقية، وأمام انتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكّرة بالإكراه لا بالاختيار.
قاطعاً الطريق أمام المزيد من الدلع السياسي والرّهانات الفارغة في وقتٍ يعاني فيه لبنان واللبنانيون من أصعب أزمةٍ ماليةٍ إقتصاديةٍ في تاريخه، جاء موقف الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله واضحاً وصريحاً: ” نحن ضد الانتخابات النيابية المبكرة واللجوء اليها هو مضيعة للوقت وهو إلهاء للناس”، و”أغلب الذين يدعون إلى انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرةٍ، حساباتهم حزبية فئوية، لا علاقة لها بوطنٍ وشعبٍ”، مضيفاً: “حزب الله لم يخطر في باله أصلاً تأجيل الانتخابات النيابية ولم نناقش ذلك مع حلفائنا”.
في كلام الأمين العام لحزب الله، إقرارٌ ضمنيّ بألّا حكومة الآن، كون التسوية لم تنضج، والأطراف المعنية لم تتخذ قراراً بالتّسهيل، ولكنّه بسحب بطاقة التهديد بالإستقالة والتوجّه نحو إنتخابات نيابية مبكّرة، حدّ من سبل التهرّب و”اللوفكة”، أيّ أنه لا تأجيل ولا تقريب لموعد الإنتخابات النيابية وفق أهواء الأطراف السياسية، وعوضاً عن التلهّي بهذه المناكفات، الأحرى أن يتحمّل هؤلاء المسؤولية ويشكلوا الحكومة.
وحين فرُغ من هؤلاء، استدار السّيد نصر الله بخطابه نحو حكومة تصريف الأعمال، وعرض على الطاولة مآسي اللبنانيين من الانتظار في الطوابير أمام محطات الوقود وانقطاع الكهرباء وفقدان الدواء والعديد من المواد الغذائية الاساسية. نعم، هذه نتائج أزمةٍ مزمنةٍ لا يقلُّ عمرها عن 30 سنة من التراكمات، ولكن لهذه الأزمة أسباب وعوراض يمكن معالجتها بالمفرّق، عوضاً عن انتظار “حل الجملة” الذي سيأتي به صندوق النقد الدولي بعد الطوفان.
وهنا، أكّد السيد نصر الله وجوب وضع حدٍّ لتهرّب حكومة حسان دياب، وإن كانت حكومة تصريف أعمال، من واجباتها بانتظار حكومةٍ جديدة مجهولة المصير، مشيراً إلى الأداء الرّسمي الضعيف في كل الملفات، وقائلاً: “على الحكومة والوزراء والمدراء والموظفين تحمّل المسؤولية، خاصةً أن الازمة طالت وقد تطول.”
في خطابه الأخير، قال السيد نصر الله “كفى” بصوتٍ واضحٍ وعالٍ، وذهب إلى حدّ طرح حلول عملية لا تقتصر على تقديم حزب الله 20 ألف متطوع لدعم الدولة في الحرب على الاحتكار والمحتكرين الذين يسرحون ويمرحون، وهم معروفون، ولكنهم يحتمون بقوى سياسية ومرجعيات دينية طائفية ومسؤولين في الدولة.
وفي كلامه، كان إنذارٌ بدا وكأنّه الأخير: “إذا استمر هذا الوضع، سنذهب الى إيران ونحصل على النفط بالليرة اللبنانية، ونأتي به إلى ميناء بيروت ولتمنعنا الدولة اللبنانية”. وكأنّه بذلك يقول للمعنيّين، لا يمكنكم أخذ الشعب اللبناني رهينةً لأطماعكم ومصالحكم وأنانياتكم. كما أعلن الامين العام لحزب الله تأييد مشروع البطاقة التمويلية التي في حال أقرّت في مجلس النواب، ستساعد 750 ألف عائلة، ولا سيما أن ترشيد الدعم لن يحصل.
إذن، حالياً لا ملامح حكومية تلوح في الأفق قبل أن تنضج التسوية، والانتخابات النيابية لم تعد بطاقةً تفاوضيةً تُستغل في البازارات السياسية. وبانتظار الفرج، على حكومة تصريف الأعمال ووزرائها وإداراتها أن تتحمّل مسؤولياتها وتبدأ بمعالجة عوارض الأزمة الاقتصادية، وإلّا سنكون أمام خيارات مفصلية لن تعجب كثيرين.
آلاء ترشيشي