يوم طار لبنان الى النجوم كان هناك سفيرة حملت اسمه حريةً وتاجاً وصوراً ذهبية.
يوم خسفت الحياة في لبنان وساد النسيان والهجران وصارت الصفحات البيضاء سوداء بقي بيت محجة للكبار.
من المطار الى الرابية مباشرة انتقل رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون ليلتقي السيدة فيروز. تاركاً كل البروتوكولات وكل القضايا وتنحى من كل لقاء وذهب حيث تتوحد القضية، حيث الرمز الذي لا يخون، حيث الصوت الذي صار قيمةً.
ماكرون اتى الى لبنان ليقف على ارقى مساحته وما وجد ارقى من حضورها، فاختصر مئوية لبنان بظاهرة حضارية اسمها فيروز، شأنها شأن غابات الارز رمزاً وصموداً وخلوداً.
امام بيتها في الرابية اجتمع حشد قليل يريد ان يوصل رسالة الى الرئيس الفرنسي يصرخ حرية ويحتج على تكليف مصطفى أديب رئيساً للحكومة. ماكرون قال لهم :”بأن لقاءه بالسيدة كان استثنائياً وانه يعد بأن يكون لبنان أفضل مما هو عليه وأن السيدة فيروز أيقونة ولها مكانة بقلوب الفرنسيين.”
ماكرون في الرابية عند السيدة يتناول العشاء ويمكث ساعة وربع من الزمن له اكثر من معنى فلبنان الذي يعيش اجتياح الهبوط هناك صوت يرفعه. هناك ايقونة باقية هي التي تمثل سحر هذا الوطن وثقافته، هي عماد النضرة. والوطن الذي أنجب فيروز لا تزول خضرته.
ماكرون الذي قلد فيروز وسام قائد جوقة الشرف وهو أرفع وسام فرنسي. وخرج من منزلها وهو يحمل لوحة مغلّفة لم يكشف عنها, لكن على الارجح هي هدية فيروز للرئيس.
فيروز التي تلوذ بالصمت والعزلة ما عساها قالت للرئيس؟ هل دلته على راجح؟
هل قالت له ان جبال الصوان لا تتكسر؟ وان درب القمر تمر من لبنان؟ او قالت له: انا فزعانة ؟ وايماني ساطع؟ او اخبرته عن بلدها الاول وعن بيروت التي ذرفت؟
هناك من فهم زيارة ماكرون لفيروز على انها تحية للبنان المشتهى ولبنان الجمال ولبنان الذي لا يزول. وبأنها الصورة التي تجسد مئة عام مضت ومئة عام قادمة. وهناك من انتقد هذه الزيارة وهم اللاعبون في الحسابات السياسية وفي قطاف الانتهازية وتسجيل المواقف التي تخدم مأربهم.
عندما طلب الرئيس لقاء فيروز في قصر الصنوبر في بيروت. اعتذرت منه ودعته الى العشاء معها في بيتها. دون اعلام ودون صور وكان لها ما تريد. لقاء ساعة اختصر دولة واختصر تاريخ مئة عام واختصر ثقافة واختصر ان الامم تبقى بمبدعيها والأوطان لا يمثلها الا الذين اخلصوا لها. ومن أخلص ل لبنان اكثر من فيروز ومن أجمع على حبه الناس اكثر من فيروز. انها ممثلة الوطن والشعب والحب والإخلاص . لهذا يزورها الكبار. فالقادة يجيدون التعامل معا بتكافؤٍ وتساوٍ.
كمال طنوس