مجتمع

زواج القاصرات في لبنان… الدولة تحابي الطوائف

روايات زوجات قاصرات... أوهموني أنّها ليلة العمر لكنّي لم أرَ فيها إلّا الخوف

“أوهموني أنّها “ليلة العمر”… هذا كل ما عرفته عن اللّيلة الأولى من الزواج. تخيّلتها ليلة مفعمة بالحبّ والتفاهم بين الزوجين، إلّا أنّها لم تشعرني إلّا بالخوف، ولم ألقَ من زوجي إلّا القسوة وعدم احترام رغبتي وتردّدي… لقد فعل ما فعله بالقوّة، فارتبطت فكرة العلاقة الجنسية بالخوف في ذهني واستمرّت لسنوات…”، تقول نور (اسم مستعار) لـ”أحوال”، متحدثةً عن زواجها الذي وقع عام 2018 بينما لم تكن أتمّت الـ16 سنة بعد.

نور ليست الفتاة الوحيدة ضمن بيئتها التي تزوّجت بسنّ مبكر، إناث كثيرات من حولها تزوجنّ قبل بلوغهن 18 سنة، “الكلّ يتزوّج باكرًا، تقدّم لي عريس ورأيناه مناسبًا”، تقول نور مستخدمةً صيغة الجمع، وتُضيف راويةً مأساتها التي استمرت لنحو سنتين ونصف، “الضغط الجسدي والاجتماعي كان ثقيلًا عليّ، كنت أعتقد أن تدبير أمور المنزل بسيط، لكنني أحيانًا كثيرة كنت أفقد القدرة على التحرّك لترتيب المنزل، أو أفشل في إعداد طعامًا ينال إعجاب زوجي، وحينها تقع الكارثة… لكن ما ضاعف مأساتي هو ضغط أهل زوجي عليّ لأنّني لم أحمل منذ الأشهر الأولى”.

تقول نور إن الثقافة السائدة في بيئتها تفترض حمل المرأة في الأسابيع الأولى من الزواج، وإذا لم يحصل ذلك يُلقى اللّومُ مباشرةً على المرأة، وهو تمامًا ما حصل مع نور. تقول إنّ أفراد عائلاته أصرّوا عليها للذهاب إلى طبيب مختص لمدّة عامين، بينما لم يطرحوا فكرة ذهاب زوجها إلى الطبيب مثلًا. إلى أن حملت وهي بعمر 18 سنة، إلّا أن الحمل لم يستمر سوى شهرًا واحدًا لأسبابٍ صحية، وهو ما عرّض نور لحقدٍ كبير من زوجها، انتهى بالانفصال.

تجربة نور تتقاطع مع روايات كثيرة لطفلات أصبحن زوجات على عجل، فيما لا يملكن المعرفة ولا النضوج الكامل لخوض تجربة الزواج والإنجاب. ففي دراسة ميدانية أجرتها “جمعية مساواة” و”لجنة حقوق المرأة اللّبنانية” تحت عنوان “الزواج المبكر- أسبابه وآثاره ونتائجه السلبية على القاصرات اللّبنانيات واللّاجئات السوريات والفلسطينيات”، وشملت 300 حالة من حالات الزواج المبكر تبيّن أنّ زواج القاصرات اللّبنانيات بلغ 57.3 في المئة، بينما زواج القاصرات من اللّاجئات السوريات 30.7 في المئة، وزواج القاصرات من اللّاجئات الفلسطينيات من هو 12  في المئة. فيما تبيّن أنّ عمر الـ17 سنة هو أعلى نسبة أعمار أثناء عقود الزواج، إذ بلغ عدد المتزوجات بهذا العمر 27.3 في المئة.

 

تعديل سن الزواج كخطوة استباقية لعدم تجريم زواج القاصرات؟

بينما يكثر الحديث عن زواج القاصرات، وبالتزامن مع معركة المنظمات الحقوقية في إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية في لبنان، وافق المجلس الشرعي الإسلامي بالأكثرية على تعديل نظام أحكام الأسرة رقم 46/2011 ليشمل فصلًا جديدًا في زواج القُصّار، فرفع سن الزواج إلى 15. كما سمح المجلس لمن هم بين الخامسة عشر والثامنة عشر بالزواج بعد مراجعة القاضي الشرعي وتبيُّن أنّ “حالهما الجسدي والعقلي/ النفسي يتحمّل ذلك وأَذنَ وليّهما”، مانعًا “زواج القاصرة بدون إذنها وإذن وليها”، معطيًا إيّاها حق فسخ الزواج إن تمّ دون رغبتها. علمًا أنّه كان بإمكان القاضي لدى الطائفة السنيّة أن يأذن بزواج القاصر الذي أتمّ الـ12 سنة والقاصرة التي أتمّت الـ9 سنوات “في حال بلوغها وبعد إذن وليّ الأمر”.

 

هذه ليست المرّة الأولى التي يتخّذ فيها المجلس الشرعي الإسلامي خطوةً لتثبيت أنّ قوانين الطائفة السنية تتطوّر وتواكب الاحتياجات الاجتماعية. فسبق أن ورد ذلك عندما رفع المجلس سن الحضانة إلى 12، بالتزامن مع مطالبة منظمات حقوقية بقانون يجرّم العنف الأسري. أمّا فيما يتعلّق بالتعديل الأخير، ترى المحامية في منظمة “كفى” ليلى عواضة أنّه “إلتفافًا حول القضية الأساسية” على رغم ترحيبها بأيّ مكسب تحقّقه النساء. فتقول، “اللّافت أنّ هذا التعديل أتى بينما تُكثّف المنظمات مطالبتها بقانون مُوحّد للأحوال الشخصية وقانون يُجرّم تزويج القاصرات، وهو ما يُفسّر على أنه رفض ضمني لإقرار القانونين”.

تُضيف عواضة إنّ التعديل الأخير هو “خطوة جيّدة ولكن مؤقتة”، إذ إنه “لا يرفع الظلم والتمييز الموجود في قانون الأحوال الشخصية ولا يغطّي كلّ القُصّار”، إذ إنه محصور بفئة معينة وهي الطائفة السنيّة. مؤكّدة على ضرورة توحيد قانون الأحوال الشخصية لجميع الطوائف، بحيث “يجتمع كل المواطنين تحت مظلّة الدولة وليس مظلّة الطائفة”، وفقًا لعواضة.

التعديلات التي تطرؤ على قوانين الأحوال الشخصية تؤكّد فكرة أنّ تلك القوانين هي وضعية ويمكن تعديلها أو حتى إلغاؤها واستحداث قوانين بديلة أكثر إنصافًا، لا سيّما بحقّ النساء. والأهم أنّها تؤكّد أن لا ترتبط الأمور المدنيّة البحتة بأيّ معتقد ديني.

هذا عدا استحالة أن يكون الفرد، ذكرًا أم أنثى، “مكتملًا جسديًا أو عقليًا أو نفسيًا قبل إتمامه 18 عامًا”، وفقًا لشرط المجلس لعقد الزواج. إذ تنصّ اتفاقية حقوق الطفل في مادتها الأولى باعتبار أي شخص يقلّ عمره عن 18 عامًا هو طفل، وبالتالي غير مؤهل للزواج.

هذا المكسب الذي حقّقته لبنانيات، أعاد إلى الواجهة تواني مجلس النواب في تحمّل مسؤوليته ولعب دوره بكلّ ما يتعلّق بالقوانين التي تحمي النساء، إذ إنه لا يزال يترك القرار للجهات الدينية للتحكّم بمصير النساء، بينما المئات منهن يواجهن أحكام تمييزيّة ترتبط بالظلم الواقع عليهن بقضايا النشوز والطلاق والطلاق الغيابي والحضانة وغيرها.

 

باب الاجتهاد مفتوح، فما سرّ المعضلة الشيعية؟

“بصراحة، لقد كرهتها…”، تقول ريم (اسم مستعار) واصفة تجربتها مع الزواج بعمرٍ مبكر. فريم تزوّجت منذ 8 سنوات بينما كانت تبلغ 17 سنة، وأنجبت 3 أطفالًا في السنوات الثلاث الأولى من زواجهاـ فأصبحت أمًا لثلاثة وهي في الواحدة والعشرين من عمرها.

تُضيف ريم، “هي تجربة بشعة، لا أندم لأنّ أولادي اليوم هم حياتي ولا أستطيع العيش بعيدًا عنهم، ولكن كان باستطاعتي أن أكملَ دراستي… الآن أنا تأقلمت مع واقعي، لكنّني لا أنسى الصعوبات التي مررتُ بها، المشكلة أنّني لم أكن مهيّأة لا نفسيًا ولا جسديًا”.

خوف المرأة من خسارة أطفالها واستمرارها بعلاقة زوجية لا ترغب بها، هو شعورٌ يُرافق أمهات كثيرات، لا سيّما من الطائفة الشيعية التي تحرم محاكمها الأمّ من ابنتها عند بلوغها 7 سنوات، بينما تُقصي ابنها عنها عند بلوغه السنتين. وهو ما ترفض الجهات المعنيّة تعديله على رغم مطالبات منظمات حقوقية بذلك.

أعاد تعديل سنّ الزواج الصادر عن المجلس الشرعي الإسلامي، وهو المسؤول عن المحاكم الشرعية عند الطائفة السنيّة، الحديث عن تمسّك المجلس الإسلامي الشيعي بكلّ قوانينه على رغم الظلم الكبير الواقع على نساء الطائفة، لا سيّما في ما يتعلّق بسنّ الحضانة.

المفارقة أنّ المذهب الشيعي يعتمد بابًا مفتوحًا بالاجتهاد، وعلى رغم ذلك لم يغيّر أيّ من قوانينه المرتبطة بالأحوال الشخصية حتى الآن. وفي هذا السياق، يقول الشيخ أحمد طالب لـ”أحوال”، وهو رجل دين شيعي، إن “الأمور باتت أفضل في السابق داخل المجلس الشيعي الأعلى، وعلى رغم من رفض البعض للتغيير في قوانين الأحوال الشخصية، إلّا أنّنا نملك مخارجًا فقهية عدّة”، وعند سؤاله عن غياب أيّ تعديل من المجلس حتى الآن، أعاد السبب إلى “الإرباك الإداري” الذي أدّى إلى “عدم إنتاجية تشريعية”، متذرعًا بمرض نائب رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان، وبعدم اكتمال اللّجان بسبب عدم إجراء الانتخابات في موعدها، علمًا أنّ المطالبات الحقوقية مستمرة منذ نحو 10 سنوات، بلا أيّ بوادر للتعديل.

 

ميريام سويدان

ميريام سويدان

صحافية لبنانية مجازة في الإعلام من جامعة بيروت العربية ومهتمة بالقضايا الحقوقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى