مجلس القضاء الأعلى والمجلس الدستوري في دائرة الشلل!
بعد أيام قليلة تدخل المؤسسات القضائية في دائرة الفراغ، المجلس الدستوري ومجلس القضاء الأعلى على بعد خطوات من عتبة التعطيل، في بلد سمته الكبرى الشلل العام على صعيد المؤسسات، وبعد عشرة أشهر من الفراغ الحكومي ودخول الشعب والمؤسسات والنظام بأكمله في فلك الانهيار.
وفي هذه اللحظة الحرجة، من تاريخ لبنان السياسي والمالي، تنتهي ولاية مجلس القضاء الأعلى في الثامن والعشرين من الشهر الجاري وسط شكوك حول إمكانية إنجاز أعضائه الجدد وسط تمنّع رئيس حكومة تصريف الأعمال عن التوقيع على المرسوم وسقوط الاستحقاق في فخ التجاذب والخصام السياسيين الذين يتحكمان بمفاصل كافة المؤسسات والتعيينات.
وتزداد المخاوف من التعطيل في ظل عدم التفاهم السياسي بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الأعلى، إلى عدم التوقيع لتُضاف إلى أزمة التشكيلات القضائية المجمّدة بفعل استحالة التوافق على أسماء تُرضي كافة القوى السياسية.
إذاً، أتمّ المجلس سنواته الثلاث، التي تنتهي مع انصراف شهر أيّار الحالي، لتنقضي معه ولاية سبعة من أعضائه. فيما تستمرّ ولاية الأعضاء الحكميّين الثلاثة المعيّنين بمرسوم متّخذ في مجلس الوزراء، ويبقون في مواقعهم طوال مدّة تولّيهم مهمّاتهم، وهم: رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود، مدّعي عامّ التمييز غسان عويدات ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد.
الآلية التي يتم على أساسها انتخاب الأعضاء من أصل الأعضاء السبعة هي انتخاب عضوين من رؤساء غرف التمييز. وبحسب المعلومات ستلتئم الهيئة الناخبة يوم الثلاثاء بناءً على دعوة القاضي عبود لانتخاب عضوين بالاقتراع السرّي، لمدّة ثلاث سنوات. فيما يتم تعيين الأعضاء الخمسة الباقين، وفق نصّ المادّة الـ2 من قانون القضاء العدلي، بمرسوم، بناءً على اقتراح وزير العدل، لمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد.
وزيرة العدل ماري كلود نجم، تؤكد وفق العارفين أنها ستقوم بواجباتها في هذا الشأن ولن يتم تعطيل مسار التعيين. وبعد أن توقع وزيرة العدل المرسوم يُحال إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال لتوقيعه وتالياُ إلى رئيس الجمهورية.
حكومة تصريف الأعمال معنيّة ببتّ المسائل الملحّة وكل ما يرتبط بالمهل بغية انتظام عمل المؤسسات وفق اجتهاد مجلس شورى الدولة منذ عام 1969، وبما يتوافق مع رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل وفق الخبير القانوني والدستوري الوزير السابق زياد بارود، وإذا تعذّر التوقيع، فمن شأنه ضرب انتظام المرفق العام القضائي، ودور مجلس القضاء الأعلى محوريّ في إطاره.
المعنيون في السلطة التنفيذية يتوجب عليهم القيام بواجباتهم الدستوريّة وإجراء المقتضى عبر إصدار ونشر مرسوم عاديّ يُعيَّن بموجبه رؤساء أصيلون لغرف محاكم التمييز، استناداً لإقتراح مجلس القضاء الحالي، وذلك للتمكن من انتخاب العضوين المنتخبين في المجلس، وفق مصدر قضائي مطلع.
كما يتوجب إصدار ونشر مرسوم عادي آخر يُعيَّن بموجبه الأعضاء الخمسة الآخرين في مجلس القضاء الأعلى.
إذا استطاع مجلس القضاء الأعلى اجتياز استحقاق 28 أيار قد تقود التعيينات الجديدة إلى تحريك ملف التشكيلات القضائية العالقة في القصر الجمهوري بعد رفض رئيس الجمهورية التوقيع عليها لوجوب إدخال بعض التعديلات عيها الأمر الذي رفضه القاضي سهيل عبود. لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى سيجد لزاماً عليه إعادة النظر في التشكيلات لإطلاع الأعضاء الجدد عليها وإبداء الرأي فيها.
المجلس الدستوري بدوره يدخل في دائرة التعطيل، فقد ضربه سيف الشغور بعد وفاة العضو الثالث في المجلس القاضي أنطوان بريدي بعد وفاة العضوين القاضي الياس بوعيد والقاضي عبد الله الشامي، حيث كان يقتضي على الحكومة تعيين بديلَين ولكن لم يحصل. وبات عديد المجلس الدستوري يقتصر على سبعة أعضاء من أصل عشرة.
نصّت المادة 11 من قانون إنشاء المجلس الدستوري الرقم 250 /1993 المعدّل، أنّ أي إجتماع للمجلس الدستوري وحتى يكون قانونيًا، يجب أن يحضره ثمانية أعضاء على الأقلّ. وبالتالي، بات المجلس الدستوري مشلولاً، وبات التشريع مُحرّرًا من أي قيد على الإطلاق.
ووفق المعلومات فإن رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب، بصدد الإعلان عن الشغور وإبلاغ مجلس النواب وفق المادة الرابعة من القانون نفسه. ومن المفترض بعد تبليغ البرلمان نشر القرار في الجريدة الرسمية وبعد تاريخ النشر أمام المرشحين مهلة عشرة أيام لمن يريد التقدّم بطلب الترشّح. ومن تاريخ تبلّغ مجلس النواب، يجب ألّا تتجاوز مهلة 15 يوماً لانتخاب البديل.
هل يتم التوقيع على المراسيم، ويتم انتخاب أعضاء جدد لإكمال نصاب مجلس القضاء الأعلى لتمكين مرفق العدالة مِن الإستمرار في تأدية مهامه؟ وهل يكتمل نصاب المجلس الدستوري والحؤول دون الدخول في فوضى الشغور ودائرة الشلل ودق المسمار الأخير في نعش المؤسّسات الدستورية والقضائية أم تعكس إنحلال السلطة التنفيذية على السلطة القضائية؟.
المشهد ضبابي يلف بنيان العدالة وسلطة الرقابة على دستورية القوانين وفض النزاعات، بكثافة الغيمة السوداء ذاتها التي تحيط بالملفات الشائكة الأخرى في لبنان.
رانيا برو