منوعات

العدواد الاسرائيلي يتصاعد: هل يتدخّل “محور المقاومة”؟

مطالب فلسطينية للبنانيين: ساعدوا الانتفاضة عبر منع التوطين

قد يكون من السابق لأوانه تأريخها كونها الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثالثة بعد انتفاضتي العامين 1987 و2000، لكنها بالتأكيد هبّة فلسطينية عارمة تتخطى أحداث الأعوام 2008 و2012 و2014، وتتصاعد كل يوم جامعة المقاومة المسلّحة مع الثورة الشعبية وأهم مغازيها حراك فلسطينيي الأراضي المحتلّة في العام 1948.

ربما لم يتوقع أحد، وبينهم الحكومة الاسرائيلية، ما آلت إليه التطورات على رغم الآلة العسكرية الاسرائيلية هائلة التدمير والتصريحات التي تتوعد بالمزيد، ومع التسليم بأنّ المسار العدواني سيكون متصاعدًا، فإنّ حكومة بينيامين نتنياهو تبحث منذ الآن عن مخرج للنزول عن الشجرة  وتحقيق ثمن ما بمساعدة الراعي الأميركي الذي تدخل مباشرة للتوسط وإن في شكل متدرّج، وهو سمح لبعض الأطراف المعهودة بالتدخل مؤخرًا مثل الجانب المصري.

من الواضح حسب قيادي في”محور المقاومة” أن الاسرائيلي يحتاج إلى إخراج يحفظ ماء الوجه بعدما صُدم من حجم الرد عليه بعد تقدير خاطىء للموقف ما أدّى إلى إرباك تُرجم بتخبط لم يتمكن من الخروج منه على وجه السرعة ولا يزال يعاني منه حتى اللّحظة. ومردّ ذلك كما اعترف قادة اسرائيليون سابقون خرجوا من الخدمة وبات في إمكانهم التصريح بحرية، وكما أقرّ بعض الكتّاب والصحافة الاسرائيلية، أنّ اسرائيل باتت في مأزق وجودي غير مسبوق بعد أن أعادت القدس التي يُعمل على تهويدها الصراع إلى وجهته الحقيقية.

فقد وصلت الأمور إلى الخطوط الحمراء حتى بات تنفيذ التهجير والتهويد قاب قوسين أو أدنى وكانت مسألة ساعات حتى إطلاق شرارة البداية مع احتفال عارم لنتنياهو مع آلاف المستوطنين، في عزّ شهر رمضان، بتهجير سكان شرقي القدس كان مقررًا في العاشر من أيار الحالي في ساحات المسجد الأقصى، لوهمه بأنّ الظرف مؤات، حتى أنّه لم يفهم الرسالة الصاروخية الأولى للفصائل في اتجاه القدس نفسها، بل اعتقد أنّ غزّة ضعيفة بحصارها وغارقة في وباء كورونا والضفة تم تحييدها بالاحتلال والتنسيق الأمني، أمّا أراضي العام 1948 فلم تتحرك منذ 73 سنة!

ثمّة من يقول إن نتنياهو أراد الكسب داخليًا في مجتمع ينحو في اتجاه اليمين المتطرف سياسيًا ودينيًا، فعزّز سياسته القديمة لمحاولة استعادة المبادرة وتأخير دخوله السجن في القضايا التي أثيرت ضدّه، وربّما دفع الأمور نحو انتخابات خامسة تعيد تعويمه!

في كل الأحوال قابل الشعب الفلسطيني التخبط الاسرائيلي حافظًا لعناصر القوة ومراهنًا على عناصر الضعف الاسرائيلية، وضربه في مقتل حتى بات الشلل يحيق بمظاهر الحياة الاقتصادية في الأراضي المحتلّة ومنها المطارات ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية، والأهم، الضربة المعنوية التي وجّهت إلى حكومة نتنياهو بعد أن فشلت القبة الحديدية في تمنيع المجتمع الاسرائيلي من الصواريخ.

 

“محور المقاومة”: تمهيد لمعركة التحرير

تعدّ المواجهة في فلسطين حربًا مباشرة مع “محور المقاومة” الذي يقدّم الدعم المادي واللّوجستي والعسكري والمعنوي لا بل أنّه الراعي الأساس لتطور أساليب المقاومة، حسب القيادي.

إلّا أنّه من المستبعد أن تتدحرج كرة الثلج لتؤدي إلى حرب كبرى وحتى صدام عسكري خارج الأراضي المحتلّة. ويعلّق البعض بكون المحور غير جاهز لذلك في ظل الوضع الحالي ووسط حصار غير مسبوق على إيران، بينما لم تخرج دمشق كليًّا من حربها الداخلية. ويعتبر البعض في المحور أنً الفرصة مع ذلك سانحة كون الحكومة الاسرائيلية تعتبر نفسها مواجهة لجبهتين، غزّة وأراضي الـ 48 ناهيك عن الضفة. فكيف إذا فتحت أي جبهة جديدة بوجهها؟ وماذا لو لجأ الاسرائيلي إلى دعسة ناقصة وشنّ معركة في وجه سوريا أو حتى لبنان؟ علمًا أنّه طالما لم يشعر الاسرائيلي بالضغط فإنّه سيستمر في المبادرة العسكرية براحة سواء في فلسطين أو خارجها.

لذا فالمعركة بالنسبة إلى هذا المحور هي أكبر برمزيتها من انتفاضة، هي تمهيد لمعركة التحرير بعد أن كشفت الضعف الاسرائيلي في وجه صواريخ غالبها محلي، بينما سيواجه في حال حرب كبرى صناعة حربية مدمّرة بتوقيع إيراني أكبر وسوري و روسي وربّما كورية..

ثمّة تعويل على الوعي الجماعي الفلسطيني خاصة عند من كانوا يسمون بـ”عرب الداخل” في أراضي العام 48، الذين هبّوا بانتفاضة شعبية دفعت بإخوانهم في الضفة وحتى من داخل السلطة الفلسطينية إلى المشاركة في الانتفاضة حتى عبر السلاح وهو ما يشكل مفاجأة سارة كبيرة كونه يحصل بعلم رأس تلك السلطة وقيادتها.

في كلّ الأحوال يرفع الفلسطينيون مطالبهم بوقف العدوان وإطلاق المعتقلين ووقف القرار الاسرائيلي بالتهجير، في مقابل مسعى أميركي لوقف الهبّة الفلسطينية مع إقرار بحقّ قضيتهم في القدس التي تحركوا من أجلها. لكن لا تزال الأمور غير ناضجة وسط مجازر اسرائيلية مستمرة وعدم ضغط الإدارة الأميركية بقوّة، بينما يتعنّت نتنياهو في وجه مسعى مصري مستجد دفع بالقاهرة إلى فتح معبر رفح إنسانيا محذّرة من عدم معالجة لبّ المشكلة وإعادة الكرّة في المستقبل.

يبدو أنّ الأيام المقبلة ستكشف مدى انسداد الأفق في وجه نتنياهو فهو قام بكلّ شيء ولم يعد في مقدوره التحرّك، وسيحين الوقت بالنسبة إلى واشنطن المتململة من العدوان وخاصة ضرب إعلامها في غزة والرافضة، في العلن أقلّه، قتل المدنيين والأطفال، لمعاودة الضغط مباشرة كما عبّر الوسطاء.

 

لا تصعيد جنوباً

أمّا في لبنان، فإنّ كلّ ما يحدث يطرح السؤال حول مدى توسع المعركة نحوه. ولا يبدو الآن أنّ ما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية سيسقط نفسه على لبنان غير المعني بالتصعيد. لكنّ المقاومة غير معنية أيضًا بتطمين الاسرائيلي، وكل ما يتحقق في الداخل الفلسطيني يمثّل زادًا لها وسط معركة لبنانية آتية لا محالة تحضّر لها لحفظ ثروة لبنان النفطية والغازية.

كما أنّ المقاومة متيقظة لأيّة محاولة لإيقاظ الفتنة في الداخل وخاصة من باب المخيّمات حيث الخلايا التكفيرية النائمة التي تنتظر فرصتها للانقضاض على الأمن اللّبناني.

والواقع أنّ لبنان مطالب بمساعدة انتفاضة الفلسطينيين وذلك عبر حماية قضية اللّاجئين على أراضيه.

هنا تحضر قضايا كثيرة بات من الواجب بعد سنوات ماضية طويلة أن تنتقل من الوعود الكلامية إلى التنفيذ وأهمّها الحقوق الفلسطينية الانسانية في لبنان وعدم مقاربة الموضوع الفلسطيني من زاوية أمنية بحتة. ذلك أنّ معالجة الأزمة الاجتماعية للفلسطينيين يتطلّب حوارًا صادقًا من قبل لبنان الرسمي بعد ما قدّمته الفصائل في مواجهات مباشرة مع الخلايا الإرهابية، بدعم لبناني أمني، في المخيّمات.

في الماضي كان المطلب اللّبناني للفلسطينيين توحيد الموقف والجهود فكانت اللّجنة التي شكّلت للحوار مع لبنان ومعها هيئة العمل الفلسطيني المشترك في المخيمات وقوامها فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” و”تحالف القوى الفلسطينية”، وأضيفت إلى الهيئة “أنصار الله” و”عصبة الأنصار” و”الحركة المجاهدة” لتسوية الأمور في المخيمات.

وقد نجح ذلك في إنجازات عملية داخل المخيمات عبر مبادرات أمنية دقيقة دفعت الفلسطينيين بعدها إلى إعادة التأكيد للبنان على الثوابت: عدم التدخل في الشأن اللّبناني، حماية الوجود الفلسطيني، تعزيز العلاقات مع لبنان والتعاون مع السلطات إلى إقصى الحدود حتى التكامل على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية كون أمن الشعبين متكامل، وحدة الفلسطينيين وراء عنوان حفظ الأمن والاستقرار، والأهم طبعًا رفض التوطين وحق العودة.

لكنّ الكثير من الفلسطينيين يعبرون عن خيبة أملهم من الردّ اللّبناني غير المكترِث، وقلقهم من تطورات داخلية لم تساعد حتى بات الحوار مجمّدًا منذ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في تشرين الأول من العام 2019.

لكن لا يمكن التعويل على عمل مشترك جدّي من دون مرجعية لبنانية موحدة بينما باتت لجنة الحوار صُورية وثمة انتقادات فلسطينية من عدم جدواها وتلميحات لتركيزها على أمور تهمّ القائمين عليها فقط، وهي في الأصل لم تكن ذات جدوى وغابت أمنيًا وسياسيًا.

على أنّ المطلوب هو تفعيل العمل المشترك مع لبنان ما سيفيد الجانبين ومقاربة مشاكل الفلسطينيين إنسانيًا ما يشكّل السلاح الأوّل في وجه من يسعون إلى توريط الفلسطينيين في الأمن اللّبناني وتصفية قضية اللّاجئين بالكامل.

 

عمار نعمة

 

 

 

 

 

 

عمار نعمة

كاتب سياسي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى