واشنطن تطالب بتأليف حكومة سريعة ولو كانت “عرجاء”
الأميركيون يخشون من سيطرة حزب الله إذا انهار لبنان
لم يكُن الحراك الدبلوماسي عادياً هذا الأسبوع. فقد أتى مباشرة بعد اللقاء العاصف بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري والحديث عن انهيار تدريجي وصولاً إلى زوال لبنان الكيان.
فمقابل الزيارة اللافتة للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى بعبدا ولقائه عون، برزت بالتوازي حركة السفيرة الأميركية دوروثي شيا باتجاه بعبدا وبيت الوسط.
إلا أنّ السؤال الذي ختمت فيه شيا تصريحها من بعبدا يحمل في طياته رسائل باتجاه تغيير ما في الموقف الأميركي. فسألت: “الآن بعد مرور ثمانية أشهر تقريباً من دون حكومة بسلطات كاملة، ألم يحن الوقت للتخلي عن تلك الشروط والبدء بالتسوية؟”
الأميركيون يسعون لتنفيذ وثيقة بومبيو في لبنان
ليس خافياً أن الأميركيين يسعون إلى تنفيذ وثيقة وزير الخارجية السابق مايك بومبيو بمراحلها الأربعة لتعميم الفوضى والفراغ في لبنان لشد الخناق على حزب الله وتفجيره من داخله بحسب ما تقول لـ”أحوال” مصادر مطلعة على موقف الحزب.
وقد حاولت الإدارة السابقة دفع لبنان للتنازل بجملة ملفات أبرزها قضية السلاح الإستراتيجي لحزب الله، وترسيم الحدود. وقد أبلغ المبعوثون الديبلوماسيون الأميركيون والأمميون لبنان علناً بأنه إذا لم تبادر الحكومة اللبنانية إلى ترسيم الحدود البحرية وفق “خط هوف” فإنّ الوضع في لبنان لن يستقر. وأحد الشروط الأميركية لتسهيل تأليف الحكومة هو عدم تمثيل حزب الله فيها وتلقيص نفوذ عون لئلا يعطلان أي قرار حكومي يصبّ في مصلحة واشنطن و”إسرائيل” كملف الترسيم والعلاقات مع سورية وأزمة النازحين وقضية اللاجئين الفلسطينيين وصفقة القرن.
واشنطن تؤيد “التسوية” بعد يأسها من تنازل حزب الله
وعقب رحيل إدارة ترامب بقي الوضع على حاله. ومنذ تسلّم إدارة الرئيس الجديد جو بايدن دفة الحكم في أميركا، لم يُعيّن أي مبعوثاً خاصاً مكلّفاً بالملف اللبناني؛ ما يعني أن لبنان ليس أولوية أميركية في ظل تزاحم الملفات على طاولة بايدن. وهذا يطرح التساؤل التالي: هل لا تزال سياسات الإدارة السابقة سارية المفعول طالما لم تتبنَ الإدارة العتيدة سياسات جديدة؟
بحسب معلومات “أحوال”، فإنّ السفيرة الأميركية وقائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي أبلغا المسؤولين اللبنانيين خلال جولتهما الأخيرة منذ أيام ضرورة تأليف حكومة بأسرع وقت ولو كانت “حكومة عرجاء”.
استعجال واشنطن لتأليف حكومة وفق أي مواصفات تثير التساؤلات والشكوك. ووفق مطلعين على الحركة الأميركية، فإنّ الأميركيين وصلوا إلى درجة اليأس من تنازل رئيس الجمهورية وحزب الله لشروط الحريري وذلك بعد استعمال كافة الأوراق منذ تشرين 2019 حتى الآن؛ كالتلاعب بالنقد الوطني وإشعال الأزمات الحياتية والاقتصادية وتأجيج الشارع واللعب بالأمن والإستقرار. لكن عون وحزب الله أظهراً صموداً دفع بالأميركيين لإدخال بعض التعديلات التكتيكية على سياساتهم في لبنان تظهّرت بحديث شيا حول “التسوية”، أي تنازل الطرفين عن شروطهما والإلتقاء في منتصف الطريق.
فما هي المصلحة الأميركية بتأليف حكومة جديدة؟
حكومة لبنانية حاجة أميركية وإسرائيليةّ
بحسب المطلعين، فإنّ الموقف الأميركي ثابت تجاه تأليف حكومة، لمراعاة مصالحها. لكن مع تعذّر ذلك، تغيّر الإتجاه نحو تأليف حكومة بتوافق ومصلحة الجميع. أما السبب فهو أنّ وجود حكومة وفق النظرة الأميركية هي حاجة لواشنطن ومصلحة إسرائيلية في مرحلة تحضير لبنان والمنطقة لصفقة القرن، إضافة إلى أنّ حل الملفات العالقة بين لبنان وإسرائيل كترسيم الحدود البحرية تحتاج إلى حكومة لتوقّع على أي اتفاق بين الجانبين.
خطوط حمر تلجم الإندفاعة الأميركية الغربية
وعلى رغم تمادي الأميركيين وحلفائهم في حصار لبنان وخنقه اقتصادياً، إلا أنّ هناك خطوطاً حمر وضوابط تقف عندها كما وتُقيّد الدول الأوروبية، أبرزها التهديد الذي يمثلّه حزب الله على الكيان الإسرائيلي إذا ما انهار الوضع في لبنان اقتصادياً وأمنياً؛ الأمر الذي قد يدفع الحزب إلى إشعال حرب مع إسرائيل لتخفيف الضغط عليه في الداخل؛ إضافة إلى ملف النزوح السوري. فوجود مليون ونصف نازح في لبنان قنبلة موقوتة بالنسبة للأوروبيين. وإنّ أي خضة أمنية قد تدفع إلى موجات نزوح واسعة إلى شواطئ أوروبا ما يشكّل خطراً كبيراً عليها. وعلاوة على ذلك، فإنّ هذا الواقع سيدفع حزب الله وحلفاؤه للسيطرة على لبنان وتهديد المصالح الغربية فيه وبالتالي سقوط لبنان كلياً في دائرة النفوذ الإيراني السوري الروسي، وما يرتبه من سيطرة على آبار النفط والغاز والمنفذ البحري وربط لبنان بسورية وبالعراق وإيران”.
السياسة الأميركية ثابتة تجاه لبنان والمنطقة
إلا أنّ وزير الخارجية الأسبق الدكتور عدنان منصور يشير لـ”أحوال” إلى أن “كلام السفيرة الأميركي تكرّر على لسان معظم سفراء الدول الأجنبية في لبنان ويبقى في إطار الكلام ولا ترجمة عملية له على أرض الواقع لجهة تغطية حكومة برئاسة الحريري. فأي حكومة ستولد ستكون تسوية بين فريقين سياسيين وبالتالي لا جديد في الموقف الأميركي”.
ويشدد منصور على أنّ “الأميركيين يطرحون شروطاً في اللقاءات المغلقة مع المسؤولين اللبنانيين لتسهيل تأليف الحكومة ومنها عدم مشاركة حزب الله وثانياً الإبتعاد عن سوريا وإيران وتقليص حركة حزب الله ونفوذه في لبنان والمنطقة ووضع سلاحه على طاولة البحث والتفاوض”. ويوضح أن “التوجهات والسياسات الأميركية هي نفسها تجاه المنطقة ولبنان وقد تختلف في التكتيك بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الجديد جو بايدن لكنها ثابتة تجاه دعم إسرائيل والضغط على محور المقاومة. وبالتالي المواجهة مستمرة والصراع محتدم بين المحورين ومن المبكر الحديث عن تسويات سيّما في ظل الضربات الأميركية على سوريا والعراق وإعادة تنظيم فصائل الإرهاب ونقل إرهابيين من ليبيا الى سورية”.
ويشير منصور إلى أنّ “الموقف السعودي والأوروبي ملحق بالسياسة الأميركية، فيما الفرنسيون لا يخطون خطوة تتعارض والسياسات الأميركية، وبالتالي لا حكومة في الأمد القريب”.
محمّد حمية