المربّية مها طوق تروي لـ”أحوال” قصّة طلبها من البنك مقايضة منزلها المرهون بـ visa للهجرة
ليس سهلاً في لبنان أن تكون نقابياً وولاؤك للعامل وكرامته وحقوقه بدل أن تحول النقابة الى أداة طيّعة بيد رب العمل وتسخّر موقعك لتحقق مكاسب شخصية. فالأمر قد ينتهي بك مصروفاً من العمل في ظل دولة لا تحترم حتى قوانينها البالية التي مرّ عليها الزمن – حيث قانون العمل القائم اليوم وضع عام 1946 وآخر تعديل أدخل عليه عام 2000 – والإتحاد العمالي العام همّه الأول إرضاء السياسيين الذين أوصلوه في الإنتخابات والنقابات غارقة في زواريب السياسية.
هذه هي حال سمير طوق وزوجته المربية مها عرموني اللذان نالا نفس الجزاء – وإن خلال فترة زمنية مختلفة وفي مؤسستين مختلفتين – بسبب نضالهما النقابي ورفضهما الترغيب والترهيب للتخلي عن حقوق العمال والأساتذة وكرامتهم.
ففي أوائل عام 2012 صدر مرسوم تصحيح الأجور ولم تلتزم به شركة “سبينس”. رغم أن معاش طوق كان من الأفضل ومركزه جيد، لكنه لم يستطع السكوت عن وجع زملائه وعدم التحرك. فراجع وعدد منهم الإدارة للمطالبة بتطبيق المرسوم ولكن دون جدوى. لذا عمدوا الى تنظيم عريضة في حزيران وقع عليها 115 موظفاً، ما أثار غضب الإدارة قبل معرفة مضمونها ومن وقّع عليها وراحت تضغط على جميع العمال لسحب التواقيع. كما عمدت الى تشكيل طوق فوراً الى صيدا بلا أي بدل نقل وبعد مرور 15 يوماً أقدمت الادارة على طرد طوق تعسفياً.
منذ ذلك التاريخ، بدأ نضال سمير على خطين من جهة تأسيس نقابة للعمال مسجلة في وزارة العمل – ونجح بذلك – ومن جهة أخرى تقديم شكوى قضائية بحق الشركة ليس فقط بسبب الصرف التعسفي الذي تعرّض له بل بسبب الجرم الجزائي الذي طال حقه بتأسيس نقابة والإنتساب لها. وها نحن اليوم في العام 2021 وطوق عاطل عن العمل وما زال ينتظر أن ينصفه القضاء.
خلال هذه السنوات، كانت مها معيل العائلة حيث كانت تدرّس الأدب الفرنسي للصفوف الثانوية في مدرسة الشانفيل للأخوة المريميين – ديك المحدي ومدرسة أخرى. كما ترأست رابطة المعلمين فيها من العام 2015 حتى العام 2019 وكانت رأس حربة في النضال النقابي وحاضرة بفاعلية في كل التحركات والإعتصامات. فهي رفضت التوقيع على جداول صندوق التعويضات للاساتذة في المدرسة خلال ثلاث سنوات لأنها غير منصفة.
لكن ما أن إنتهت ولايتها حتى عمدت الادارة الى التضييق عليها وصولاً لصرفها في أيار 2020 بعد مضي 16 سنة على إنضمامها للمدرسة. رغم أن تجربة سمير مع القضاء غير مشجّعة إلا أن مها تقدمت بدورها بشكوى قضائية بحق ادارة الشانفيل وهي تؤكد لـ”احوال” أنها تملك من الأدلة والتسجيلات ما يثبت الكيدية والصرف التعسفي.
كان راتب مها قبل الأزمة 4 ملايين ليرة في الشانفيل ومليونين في المدرسة الاخرى. اليوم خسرت المعاش الأول وخفض الثاني الى مليون ونصف مليون ليرة أي أصبح مدخولها يوازي 100 دولار بعدما كان 4 الآف دولار.
لكن ثمة مشكلة إضافية، أن سمير ومها كانا إستدانا من مصرف BLC مبلغ 85 الف دولار سنة ٢٠١٣ على 18 سنة وبفائدة متحركة تقارب 6 % من أجل تسديد أقساط ولديهما في جامعة خاصة وبعض الديون. بعدها بأسبوع خسر سمير عمله ورغم ذلك استطاعت مها تسديد القسط الشهري بقيمة 800 دولار من راتبها مع رهن منزلهما مقابل القرض. أما اليوم، فإن سددته على سعر صرف 1500 ليرة يبقى لها 450 الفاً للعيش!!!
في هذا الاطار، توجهت منى في 23/3/2021 وبناء على طلب المصرف لتجديد الملف وإكتشفت أنه بعد 7 سنوات من دفع المبلغ المتوجب شهرياً يبقى عليها للدفع على مدى 11 سنة آتية مبلغ قدره 95,720 دولار.
وفي خطوة رمزية كتبت مها على صفحتها عبر فيسبوك رسالة الى رئيس مجلس إدارةBLC السيد نديم قصّار مما جاء فيها: “أتقدم من حضرتك، بما لك حتماً من صلات على أعلى مستوى، بعرضٍ مغرٍ لاستعادة أموالك: الرجاء تأمين موافقة على الهجرة على أي بلد في أقرب وقت وخذ البيت وما فيه. لا أسف على وطنٍ يأكل فيه المواطن أخيه ويستلذ بأكله. ولا أسف على مجتمع يقضي على كل من يحاول رفع كرامة الجماعة. العرض جدي والتطبيق فوري”.
مها أكدت لـ “أحوال” أن لا تدين المصرف بل تدين النظام الذي يسمح للمصارف بالتحكم برقاب الناس وللمؤسسات والمدارس بأن تفلت من العقاب خلال ممارستها الصرف التعسفي بحق العاملين لديها وقمعها آراءهم”. اردفت: “لقد إسودت الدنيا بوجهي حين خرجت من المصرف لذا كتبت هذا المدوّنة. لم يبق أمامنا انا وزوجي وولدي إلا الهجرة من هذا البلد الذي “يدعوس فينا وبكرامتنا وبنضالنا”. انها صرخة يأس ووجع ليس مني فقط بل من كل انسان مؤمن بالعمل النقابي وبكرامة العمال وحقوقهم وحريتهم، فإستفاق اليوم ليجد نفسه ممسوحاً”.
سمير ومها طوق ليسا فقط نموذجاً عما تتعرض له عائلاتنا جراء تداعيات الأزمات التي تعصف بلبنان، بل نموذج مشرّف عن نضال نقابي في سبيل الإنسان وكرامته ولا بدّ ان يزهر مهما طالت السنوات القاحلة.