تنفّس اللّبنانييون الصّعداء مع وصول دفعات متتالية من لقاح كورونا، وبدء عمليةّ التّلقيح مباشرة في بلد يعاني نظامه الصّحي من ضغوط شديدة بفعل الوباء.
وفي وقت يسعى المجتمع اللّبناني للوصول إلى المناعة المجتمعيّة، تسير عمليّة التلقيح بمرحلتها الأولى ببطء كبير، ما يشير إلى أنّ المناعة لن تتشكّل قبل أربع سنوات، ما إن استمرّ اللقّاح محصورا ً بوزارة الصّحة، ما دفع بعض اللّبنانيين إلى البحث عن أساليب ملتوية بهدف الحصول على اللّقاح من الخارج، معتمدين مبدأ “سياحة اللقاح”.
جاذبيّة سياحيّة لدبي
مجموعة من رجال الأعمال يؤكدون لـ “أحوال” أنهّم يجرون اتصالاتهم كي يأتوا بواسطة تمكّنهم الحصول على تأشيرة للذّهاب إلى دبي، علّهم يحظون بفرصة تلقي اللّقاح هناك، بعد أن أصبحت الإمارات الوجهة السّياحيّة التي يقصدها أشهر شخصيّات العالم من نجوم ولاعبي كرة قدم ومؤثّرين وغيرهم.
حصانة سياسيّة
أمّا بالنّسبة لسياسيي لبنان، فغالبيتهم حصّنوا أنفسهم وعائلاتهم من المرض، عبر تلقّيهم اللّقاح في الخارج كلّ حسب راعيه الإقليمي، كي لا يفوّتوا فرصة التّفنن في السّيطرة على الدّولة واستكمال ممارساتهم الفاسدة.
إذاّ، المقتدرون والنّافذون حصّنوا أنفسهم أو أقلّه أمّنوا طريق الحصول على اللّقاح، في حين لا يزال العاملون في القطاع الطّبي وكبار السّنّ ينتظرون دورهم.
وبما أن الدّولة اللّبنانية على ما يبدو غير قادرة في الالتزام بضمان وصول اللّقاح، وتوزيعه بشكل متكافىء على كلّ المواطنين، وبعد المطالبة بالسّماح للشّركات الخاصّة بإستيراده علّ ذلك يسرّع بتلقيح أكبر شريحة من المواطنين لتشكيل المناعة المجتمعيّة. أين أصبحت أذونات الشّركات الطّبيّة التي تسعى إلى استيراد اللّقاح؟
تسليم اللّقاحات مشروط
مصدر من وزارة الصّحة يؤكد لـ “أحوال” أنّ الوزارة أعطت الموافقة لأكثر من 20 شركة طبيّة متخصّصة باستيراد اللّقاحات، ولكن المشكلة مرتبطة بالشّركات المصنّعة، فهي لا تسلّم إلّا كمّيّات محدودة من اللّقاحات، شرط أن تكون حصراً للدّولة، باعتبار أن الأولويّة للدّول لا للشّركات، خصوصاً وأنّ الطّلب على اللّقاح يفوق القدرة الانتاجيّة للشّركات المصنّعة.
ويتابع، اليوم على الصّعيد العالمي، نلاحظ أنه حتّى السّاعة لم تحصل أي شركة خاصّة على اللّقاحات، وليس فقط الشّركات اللّبنانية.
وتمنى المصدر إمكانيّة تصنيع اللّقاح محليّاً كي تستفيد منه أكبر شريحة من المجتمع.
بدوره، يؤكّد رئيس لجنة الصّحة النّيابيّة عاصم عراجي، أنّ القانون الذي عملت عليه لجنة الصّحة النّيابيّة، بخصوص الاستخدام الطارئ للّقاح وتم إقراره في المجلس النّيابي، يسمح للشّركات الخاصّة بالاستيراد بناءً على موافقة وزارة الصّحة، والوزارة سهّلت هذا الأمر لأنّها تعلم مدى حيويّة القطاع الخاص في لبنان.
ويقول، المشكلة ليست بالوزارة بل في الشركات المُصنّعة التي تفضّل التّعامل مع الدّول وليس مع الشّركات.
الطّريق طويل
فهل تنجح الاتّفاقات التي يجريها المستوردون لشراء اللّقاحات عبر القطاع الخاصّ مباشرة؟
نقيب مستوردي شركات الأدوية، كريم جبارة، يقول إنّ وزارة الصّحة منحت بعض الشّركات الطّبية أذونات لاستيراد لقاح كورونا، إلّا أنّ شركات الأدوية العالميّة مثل أسترازينيكا وفايزر، التي تواصل بعض المستوردين معهما، طلبت أن يكون المستفيد الأخير من هذه اللّقاحات هي الدّولة اللّبنانية فقط.
أمّا الشّركات الأخرى مثل سبوتنينك وسينوفارم، فلم ترفض تسليم اللّقاح للشّركات الخاصّة اللّبنانيّة، والمفاوضات معها أصبحت في مراحل متقدّمة، لكن لا معلومات حتى السّاعة عن إمكانيّة الشّركات من الاستيراد قريباً.
ويشير جبارة إلى أن بعض المستوردين اللبّنانيين يحاولون التّواصل مع تجّار عالميين للحصول على اللّقاح، وفي هذه الحالة تشترط وزارة الصّحة حصولها على مستندات تضمن صحة و سلامة اللّقاحات واحترامها كل معايير التّخزين والنّقل، إذ أنّه لا يتمّ شرائها مباشرة من المصانع، بل عبر وسطاء وتجّار عالميين.
تصنيع محلّي
وعلى خطّ الانتاج المحلي، تؤكد نائبة الرّئيس والمدير العامّ لشركة أروان، الدكتورة رويدا دهام، جهوزية المصنع لتصنيع لقاح سبوتنيك بنوعيه السّائل والمجمّد (البودرة) وهي تقنيّة ينفرد أروان مع مصنّعين آخرين في الشّرق الأوسط بامتلاكها.
وتتابع، شركتنا تجري مفاوضاتها مع الشّركة الروسية للحصول على الحق القانوني بتصنيع اللقّاح.
وتشير دهام إلى وجود طاقة إنتاجيّة متاحة في المصنع، إذ يستطيع تصنيع الى حدود 50 مليون وحدة سنوياً.
وتأمل أن يتم تحقيق هذه الخطوة في القريب العاجل بعد إتمام معظم الإجراءات اللّازمة. وتشدّد على أن هدف “أروان” الأوّل هو تغطية حاجة لبنان المحليّة للوصول إلى مناعة القطيع، في وقت قريب، خصوصاً وأن عمليّة إستيراد اللّقاحات الأخرى تسير ببطء شديد؛ أمّا في المراحل المقبلة فبإمكاننا تصدير اللّقاح إلى الدّول المجاورة.
وتختم، في حال تمّت الموافقة الروسيّة، يحتاج مصنعنا إلى دعم من الدّولة اللبّنانية، ومساعدتنا في تأمين الدّولار من خلال حثّ مصرف لبنان للموافقة على فواتير المصنع لشراء المواد الأوّليّة.
لبنان اليوم أمام فرصة ذهبيّة من شأنها إعادة الدّور الرّيادي للمصانع الإنتاجية المهمّشة والمهلة، فهل تنجح المفاوضات وتتمكن “أروان” من إيصال البلاد إلى الحصانة المجتمعيّة؟
ناديا الحلاق