ما علاقة سفر الحريري بعائلته وعقاراته في السعودية؟
الحجار لِعون: لن تأّخُذَ الثُلث المُعطّل و"السما زرقا"
لا يُحسَد الرئيس سعد الحريري على موقعه في المعادلة الداخلية. فالرئيس المُكلّف مع وقف التنّفيذ منذُ أربعة أشهر، يشّعُر بضيق الخيارات والنفس وبات أكثر عصبية بحسب بعض السياسيّين والأصدقاء الذين يتردّدون إلى بيت الوسط بين الحين والآخر لزيارته.
فـ”الشيخ” وصل إلى موقع التكليف بشقِ النفس ويقِف عند عتبة السرايا على مرمى حجرٍ من وادي أبو جميل، لا يقوى على فعلِ أي شيئ ليقترب من قصر الرئاسة الثانية ويتسيّد على كُرسيّها.
فلا هو قادر على تحمُل وزر حكومة وفق الشروط الأميركية – السعودية فيُغّضِب حزب الله الذي سهّل له المهمة والطريق إلى السرايا الحكومية، فيما اصطدم بجدار بعبدا المُغلق في وجهه. ولا يقوى على مقارعة الممّلكة وتهميشها فيتكبد المزيد من الخسائر. فعائلته لا تزال تعيش في أرض الحجاز ولديه عقارات تُقدّر بملايين الدولارات واستعادتها تعوِّمه مالياً؛ فيرفع مستوى الخدمات لجمهوره ليسّتعيد شارعه المُشتّت بين قوى منافسة عدة على الساحة السنية بين شقيقه بهاء والرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي والوزير السابق أشرف ريفي والنائب نهاد المشنوق، فضلاً عن اللقاء التشاوري للسنة المستقلين.
وبحسب مصادر “أحوال”، فإنّ جولات الحريري الخارجية لا علاقة لها بتأليف الحكومة ولا بحشد الدعم الخارجي للبنان. فالحريري الابن يُدرِك أن مسألة الدعم المالي الدولي تُبحث بعد تأليف الحكومة، وبعد نيلها ثقة وموافقة الغرب والخليجيين سيما لجهة ملاءمتها وشروط المبادرة الفرنسية وصندوق النقد الدولي. هذا إذا لم يكن هناك شروط سياسية مخفية تتعلّق بمستقبل سلاح حزب الله وأمن “اسرائيل” والحدود البحرية واستثمار الثروة النفطية والتوطين والنازحين ومشروع التطبيع.
وكشفت المصادر أنّ الهدف من زيارة الحريري أمرين:
الأول، نقل عائلته (زوجته وابنته) من السعودية إلى الامارات لتكون بمأمنٍ عن أي خطرٍ محدقٍ بالعائلة.
والثاني، محاولة استعادة عقارات قديمة يملكها في السعودية تُقدّر بمليارات الدولار، وذلك بعد أن قرّر وزير الأوقاف السعودي عرضها في المزاد العلني للبيع؛ وطلب الحريري وساطة الإمارات في هذين الأمرين.
خيارات الحريري المُرّة
وفي ظلّ هذا الواقع يقِفُ الحريري في مواجهة ثلاثة خيارات لا ثالث لهما لكن أحلاهم مرُ. الأول، تأليف حكومة من دون رضى السعودية ما سيحوُل دون دعم حكومته مالياً نتيجة تأثير المملكة على قرار مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن أنّها مساهمة أساسية في البنك وصندوق النقد الدوليين؛ وبالتالي ترؤسه لحكومة لا تحوز الدعم المالي الخارجي والخليجي تحديداً، تشبِه “الشيك بلا رصيد” وتسّتعيد مشهد 17 تشرين 2019. إذ سينفجِر الشارع في وجه الحريري وحكومته وسيتكبد خسائر إضافية شعبياً ومعنوياً وسياسياً؛ وبالتالي سيتصدّع شارعه الذي سينقسم بين الإلتحاق بالحراك الشعبي على الأرض وبين شارعٍ آخر يواجه المحتجين كما حصل في مرحلة انتفاضة 17 تشرين. ولن يجد حينها سبيلاً سوى الإستقالة وبعدها لن يجرؤ على إعلان ترشيح نفسه مجدداً.
أما الخيار الثاني، فهو انتظار ظروف دولية – إقليمية مناسبة تُبرِد ساحات الإشتباك الإقليمية الملتهبة ومنها لبنان، وبالتالي انفراج الوضع السياسي والمالي؛ ويأتي الحريري على حصان أبيض كمُخلّص ومُنّقذ لبنان من الإنهيار. وهذا ما يفضله الحريري بحسب ما تقول مصادره لـ”موقعنا”، ولو بقي مُكلفاً لأشهر إضافية حتى لآخر عهد الرئيس ميشال عون.
وتتحدث مصادر على صلة بالحريري أنه يترقّب بفارغ الصبر تطورات المفاوضات الأميركية – الإيرانية ومدى إمكانية التوصل إلى اتفاق، علّ لبنان ينّعم بانعكاساته الايجابية التي ستعُم المنطقة من بيروت حتى اليمن مروراً بدمشق وبغداد.
الخيار الثالث، هو الإنكفاء من المشهد وتقديم اعتذاره عن متابعة تأليف الحكومة لإفساح المجال أمام تكليف شخصية سنية أخرى. لكن هذا الخيار أشبه بالإنتحار السياسي بالنسبة لسعد الحريري يقدمه على “طبقٍ من فضة وذهب” لأخصامه السياسيين داخل “البيت السني” و”البيت الحريري”. فشقيقه بهاء يتوثّب لالتقاط هكذا فرصة فضلاً عن إبن عمّته أحمد الحريري.
الحجار: الحريري يحاول ترميم العلاقات الخارجية
يوضح عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار لـ”أحوال” أن “الهدف من جولات الحريري أمرين:
الأول، إعادة ترميم العلاقات مع الدول العربية والغربية بعدما ساهم أداء الفريق الحاكم ومواقف حزب الله بضرب هذه العلاقة وقطعها مع دول عدة.
والثاني، حشد الدعم المالي العربي والدولي للبنان بعد تأليف الحكومة.
فالحريري بحسب الحجار “يحاول تعبيد الطريق نحو الحصول على المساعدات الدولية المالية في حال تألفت الحكومة”. ويؤكد الحجّار أن “العقدة تكّمن في بعبدا ومحاولة عون وصهره النائب جبران باسيل الحصول على الثُلث المعطل. وقال الحريري لعون في اللقاء الأخير: هذه اللائحة وإذا أردت التعديل في الأسماء أو الحقائب فأنا مستعد. فكان رد عون التمسك بتسمية ستة وزراء من دون وزير الطاشناق، أي الثلث المعطل مع اعتبار أن حزب الطاشناق ينضوي ضمن تكتل التيار”. ويُشدّد الحجّار على أن “الحريري متمسك بتكليفه ولن يعتذر وعلى الأطراف الأخرى تحمل مسؤولياتها”.
الحريري لم يحصل على الضوء الأخضر السعودي
ويلّفت الحجّار إلى أن “الحريري غير معتكِف كما يُشاع، بل لا معنى لزيارة بعبدا إلا إذا كان اللقاء سينتهي بتأليف الحكومة. ولن يزور بعبدا لمجرد التقاط الصورة وللسلام على عون. فالحريري أودع التشكيلة في عهدة بعبدا وينتظر الرد”.
ويُحمّل الحجار عون وحزب الله مسؤولية تعطليل تأليف الحكومة. قائلاً: “حزب الله لم يضغط على حليفه لكي يتنازل، لكنه عطّل البلد سنتين ونصف لإيصال عون إلى رئاسة الجمهورية؛ وقال السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير إنه لن يضغط على حلفائه لأنه غير مستعجل على الحكومة لكي تبقى ورقة بيد إيران في ملفها النووي”.
وفيما تُشدد مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ”أحوال” أن الحريري لم ينل حتى اللحظة الضوء الأخضر السعودي للسير بالحكومة، رد الحجار: “زركوا الحريري ومنشوف إذا العقدة عند السعودية”.
ويكرّر نائب المستقبل بأن العقدة تكّمن في سعي عون وباسيل لانتزاع الثُلث المعطل قائلاً: “لن يحصلوا عليه والسما زرقا”. فهل يبقى الحريري مكلّفاً حتى آخر العهد؟
محمد حمية