الكيد السياسي والقبض على العملة الصعبة يفرضان الظلام على لبنان
حاكم مصرف لبنان يحتجز الدولارات وفتح الاعتمادات لا يحل أزمة الكهرباء
من قلب العتمة الجاثمة على قلوب اللّبنانيين وأعينهم، مع غياب الكهرباء لأكثر من 10 ساعات متواصلة عن مناطق عديدة في لبنان ولا سيّما العاصمة بيروت، يتمّ استيلاد أزمات الطاقة الواحدة تلو الأخرى. مشاكل يومية وسوء أداء وتواصل متقطع بين المؤسسات والإدارات المختلفة تُعيق الوصول إلى النور. والكيد السياسي اللّبناني المتواصل دون انقضاء يُعمّق كل المشاكل اللّبنانية، وبسود كلّ القضايا حتى تلك التي تمس معيشة اللّبنانيين.
ظلم وظلام، منذ ما بعد اتفاق الطائف، لم يجد وطن النهب والسرقات حلًا لمشكلة الكهرباء ولم يتم التوصل إلى الآلية التي تنتج الكهرباء وتنير بيوت اللّبنانيين حتى بات لديهم نظام كهربائي بديل ثابت وراسخ في استنزاف جيوب اللّبنانيين وأموالهم.
تتوالد المشاكل بعد نقص الفيول في محطات التوليد وبغياب الأموال، تطالع وزارة الطاقة اللّبنانيين بفرمانات اليأس اليومي. تأخر شحنات الفيول وعدم فتح الاعتمادات وتشدّد المصارف المراسلة في معايير تحويلات العملة الصعبة بغياب الثقة في القطاع المصرفي اللّبناني. واستمرار مصرف لبنان في اتخاذ القطاع رهينة لحث الحكومة على ترشيد الدعم.
كل ما تقدّم يشير إلى أن اللّبنانيين أمام واقع لا تغيير فيه التعايش مع التقنين إلى أبد الآبدين والعيش على حافة العتمة التي ستبقى تهدّد يومياتهم بسبب سوء الإدارة والتخطيط وسوء القدر.
لا كهرباء 24 على 24 ساعة، لم يعد اللبنانيون يصدّقون هذه الكذبة الخادعة، وتعايشوا بناءّ على ذلك مع عالم المولدات وكل ما يرجونه أن تتأمن كهرباء الدولة بالمناصفة لتخفيف الأعباء المالية عن كاهلهم.
تقنين قاسٍ في الكهرباء حاليًا يتحسن في اليومين المقبلين، يقول وزير الطاقة ريمون غجر، الذي كان يناقش في السرايا الحكومية، لسخرية القدر، في مشروع بناء مركز لتوليد الطاقة الخضراء “البديلة” في لبنان يعمل على الطاقة الشمسية وفق نظام B.O.T بسعة 400 ميغاوات. وأبلغ وزير الطاقة المهندس ريمون غجر “أحوال” ردًا على سؤال حول أسباب انقطاع الكهرباء، بشكل شبه كلّي، أن هناك تقنينًا قاسيًا في كلّ المناطق اللّبنانية لأنّ كمية الإنتاج في لبنان لم تصل إلى 900 ميغا.
مؤسسة كهرباء لبنان تكرّمت على اللّبنانيين ببيان تتوقع فيه تحسّن التغذية تدريجيًا، فور المباشرة بتفريغ حمولتي شحنتي الفيول اللّتين وصلتا إلى المياه الإقليمية. وأن الحمولتين تنتظران فتح الاعتمادات حتى يتم تفريغهما.
هذا التأخير خفض منسوب انتاج الكهرباء من 1400 ميغاواط إلى 1030 وهي تزيد عن التي صرّح بها وزير الطاقة، فيما يحتاج لبنان إلى في مثل هذا الموسم إلى 3000 ميغاواط، أي أنّ النسبة هي أصلًا منخفضة عن المطلوب. وزاد الطين بلّة، عدم قدرة معملي الجية والذوق الجديدين على تأمين الإنتاج المطلوب بسبب غياب الصيانة.
كل ذلك أدّى بحسب شركة كهرباء لبنان إلى العتمة، بالإضافة إلى شحّ الفيول كشفت أن إنتاج البواخر التركية انخفضت وكذلك انتاج معملي دير الزهراني ودير عمار. وأعلنت المؤسسة أنّه ورغم وصول الناقلتين البحريتين المحملتين بمادتي الفيول إلى المياه الإقليمية اللّبنانية ورسوهما قبالة الشاطئ اللّبناني تعذّر تفريغ حمولتيهما بسبب عدم فتح الاعتمادات المستندية اللّازمة وصعوبة استكمال الإجراءات المصرفية.
وتوقعت المؤسسة أن تتحسن التغذية تدريجيًا فور المباشرة بتفريغ حمولتي الناقلتين البحريتين، لافتةً إلى أنّه من المرتقب وصول شحنة محملّة بمادة الغاز أويل مساء السبت المقبل بما سيساهم بتحسن إضافي للتغذية بالتيار الكهربائي في حال جرى استكمال الإجراءات المصرفية وصدور موافقة المورد لتفريغ حمولتها.
واليوم وقّع وزير المال غازي وزني على فتح الاعتمادات لصالح مؤسسة كهرباء لبنان لزوم شحنة الفيول أويل. وأفادت وزارة المالية بأنها وقّعت على جميع الاعتمادات الواردة وليس لديها أي اعتمادات معلّقة. لكن ذلك لا يحل المشكلة!
وزارة المالية وقعت فتح اعتمادات شهر آذار لكن من أين تأتي الدولارات المطلوبة في الوقت الذي يشكو فيه الجميع من فقدان العملة الصعبة؟.
مصادر في وزارة الطاقة تكشف أن صيغة تأمين الدولارات الطازجة لم يتم الاتفاق عليها بعد مع مصرف لبنان.
وفي حصيلة الاجتماعين الأخيرين للمجلس المركزي لمصرف لبنان، فإنّ النتيجة هي “صفر” بحسب مطلعين. والجداول التي قدّمتها مؤسسة كهرباء لبنان وفيها بيانات تفصيلية لأرقام الدولارات المطلوبة لتسديد حاجات الشركة من الفيول خلال العام 2021، لم يبت فيها مصرف لبنان حتى الآن.
حتى الآن، حاكم مصرف لبنان يرفض دفع قسم من أموال مستحقات المورّدين اللّبنانيين بالدولار، فيما أعطى موافقته على الدفع للمورّدين الدوليين.
في المحصّلة، فإنّ الاتفاق الذي تمّ في السرايا الحكومية حول تأمين الأموال المطلوبة لتجديد عقد الشركة المشغّلة لمعملي دير عمار والزهراني لم يتم العمل به وبالتالي المشكلة لم تُحَل.
تمنّع حاكم المصرف المركزي عن الدفع أرهق القطاع الكهربائي المنهار أصلًا، ويرى مطّلعون أنّ الحاكم يضغط على الحكومة، من خلال تمسّكه بالعملة الصعبة، لدفع الحكومة على إقرار ترشيد الدعم، الأمر الذي يتجنّب تداعياته رئيس الحكومة حسّان دياب. بين مطرقة الكيد وسندان الجذب المتبادل.
ولا يتوقف اليأس من إصلاح قطاع الكهرباء عند هذا الأمر، فتأمين الطاقة لن يكون يسيرًا رغم فتح الاعتمادات. الشركات والمصارف المتعاقدة تعاني من صعوبات التعامل مع المصارف الخارجية، الأمر الذي أشارت إليه مؤسسة كهرباء لبنان حول صعوبة استكمال الإجراءات المصرفية.
ومن المعلوم أنّ المصارف الخارجية تتشدّد على أنّ المصارف المراسلة تتشدّد في التعاملات المتعلقة بلبنان، وهي مع فقدان الثقة بعمل المصارف اللّبنانية، قامت بتحديد آليات جديدة خاصة بالمصارف اللّبنانية. ومع صعوبة تأمين التحويلات المالية اللّازمة فإنّ المورّدين يرفضون تفريغ حمولات الوقود قبل حصولهم على الأموال.
حلقة مقفلة بالتعقيدات غير القابلة للحل في زمن منظور، والحقيقية الواقعية أنّ اللّبنانيين محكومون بظلام سوء الإدارة والاهتراء المؤسساتي والانهيار المالي والاقتصادي.
رانيا برو