أخبار زائفة

خبراء وحقوقيون: مواقع التواصل مرتع المعلومات الكاذبة

يدخل أيّ موضوعٍ في لبنان “مزاد’ الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدأ الناشطون بطرح نظرياتهم وأفكارهم ورؤيتهم؛ بنظرهم، فهم كلهم أطباء ومهندسون وخبراء عسكريون وأمنيون وأساتذة في الدستور والقوانين، يفقهون بكل شيء؛ فيما  يتلقطون بمعلوماتهم من الإعلام والناشطين المعروفين ويبنون أراءهم عليها. وقد تكون العملية في بعض الأحيان مسلّية، ولكن هناك خطورة كبيرة مترتبة على المعلومات غير الصحيحة في الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً عندما يتعلّق الأمر بالصحة أو الأمن أو العدالة.

حدود الإعلام

رأى مدعي عام التمييز الأسبق القاضي حاتم ماضي في حديث لـ “أحوال”، أنّه رغم قدسية العمل الإعلامي إلا أنّه لا يجب أن يتعدى على عمل القوى الأمنية والعدلية. وإنَّ هدف الصحافي أو الإعلامي عند وقوع جريمة ما، يجب أن يُختصر بإعلام الناس عن جوانب القضية فقط، مثلاً فلان فُقد من منزله لعدة أيام، مما دعى أهله إلى التبليغ عن اختفائه وبعدها بأيام وُجدت جثته وتبين أنه مصاب بعدة طلقات نارية وكذا وكذا؛ لا أنّ يقوم الإعلامي بتحقيقاته الخاصة ويبدأ باستصراح الناس وأخذ إفاداتهم وعرض استننتاتجاته على الوسائل الإعلامية.

السكوب يعرقل العدالة

عندما يتسلّم محقق تحقيقاً في جريمة ما، يرسم خطة عمل معينة خاصة وسريّة حسب ما يقول ماضي، وذلك كي يفاجئ الأشخاص الذين يحقق معهم بوقائع وأدلة والحصول على معطياتٍ جديدة. لذلك عندما يقوم الإعلام بنشر تفاصيل التحقيقات فإنّه يضر بعمل العدالة. ويشير ماضي هنا، إلى نموذجيين للإعلاميين في هذه الحالات: الأول هدفه الحصول على الحصرية والريتينغ، أمّا الثاني، فلديه هوى سياسي معين وينشر الوقائع التي تتناسب مع أهوائه. ويلفت ماضي أنّه مهما كانت الأسباب لنشر التحقيقات قبل انتهائها، فهي تصب بخانة عرقلة عمل العدالة.

تأثير مواقع التواصل بعدم تقبل الجمهور لنتائج التحقيق

يضجّ الجمهور عند وقوع جريمة معينة ويتعطشون لمعرفة الحقائق تحديداً في أغلب التحقيقات التي  تتسم بالسرية وفقاً لماضي. ويعطي مثالاً على ذلك، قضية انفجار مرفأ بيروت، ويقارن بين تكتم  المحقق ونشر الإعلام للتفاصيل؛ لافتاً إلى عدم الدقة بنشر التفاصيل، “فلا نعلم صحة هذه التفاصيل، لكن الناس تتبنى ما يُنشر في الإعلام ومواقع التواصل على أنّه حقيقة مثبتة. وإذا أظهرت نتائج التحقيقات لاحقاً حقائق مغايرة سيُتهم المحقق بعدم المهنية أو التحريف أو خضوعه للضغوطات؛ وهذا أمر حصل سابقاً في قضايا عديدة، حيث أنَّ الإعلام ومواقع التواصل ضخموا قضية ما وأعطوها أبعاداً وتكلموا بها بما يغاير التحقيق الحقيقي، وعندما أراد القاضي أن يقوم بعمله ويبرز النتائج تعرّض للمهاجمة، لأن الناس زُرعت برأسها أفكار معينة، رغم أنَّ نتائج التحقيقات كانت تدعمها أدلة وبراهين حقيقية وليس سيناريوهات ابتدعها الإعلام، والذي قد يكون أصلاً هدفه التوجيه لخدمة أفكارة الخاصة.”

التشريع ضرورة للجم التفلت الإعلامي

أكدّ القاضي ماضي أنّه أثناء تبوئه منصب مدعي عام التمييز، اقترح أن يتم تشريع قانون يمنع الإعلام من وضع سيناريوهاته الخاصة في التحقيقات، ويتأمل ماضي أن يكون هدف الإعلامي هو العدالة وليس “السكوب”. وبحال حصول إعلامي ما على معلومات خاصة تتعلّق بتحقيق ما عليه أن يقدمها للمسؤولين عن الملف، وليس نشرها فوراً، وإلا تضيع العدالة وحقوق الناس وقد يُظلم أناسٌ بهذه الطريقة.

متاهة التواصل الاجتماعي

أطلقت الاستاذة الباحثة في الجامعة اللبنانية ورئيسة الرابطة العربية لعلوم الاعلام والاتصال د. مي عبدالله، نظرية متاهة التواصل الاجتماعي، حيث أنَّ الجمهور اليوم يضيع في هذه المواقع من كمية المعلومات التي يتلقاها منها. وفي هذا السياق أكدّت عبد الله لـ “أحوال”،  أنَّ الخطورة تكمن في المعلومات الخاطئة التي يقع فيها مستخدمو هذه المواقع، وبالتالي يصبحون في متاهةٍ حقيقة من الصعب جداً الخروج منها.

تأثير المعلومات الخاطئة

العالم كلّه اليوم يتصل ببعضه عبر مواقع التواصل، ولكل إنسان رأيه وفكرته التي ينشرها، ولكن الاستخدام الخاطئ هو عندما ينشر معلومات مغلوطة تؤثر على الناس والمجتمع؛ وهي تنقسم إلى قسمين، إمّا تضليل مقصود، وذلك عبر الشائعات المستهدفة، أو عن جهلٍ بسبب تناقل المعلومات بدون التأكد من مصادرها.  ولعلّ أخطرها ما يتعلق بالصحة والطب، وهذا يحصل اليوم بموضوع كورونا، حيث يتم تناقل معلومات متناقضة ومغلوطة عن العلاج واللقاح من مصادر غير معروف مصداقيتها؛ مّما يعرّض حياة الناس والمجتمع للخطر. الأمر نفسه ينطبق على المعلومات المتعلقة بالأمن إن كانت عبر أخبارٍ غير دقيقة عن عمل أمني ما، أو صراعٍ عسكري ما، أو عن أزمة معينة، أو عبر التدخل بعمل القوى الأمنية بالتحقيقات في جريمة ما. وتقول عبدالله، إذا تناقلنا معلومات وبراهين مزيّفة حول الجريمة، أو مثلاً أجرينا مقابلة مع مجرمٍ هارب وللأسف هذا حصل مؤخراً، حيث تم تداول مقابلات ومقاطع فيديو وصور لمجرمٍ ارتكب جريمته وهرب، كل هذا يُضيّع الحقيقة ويؤثر على مسار التحقيقات، وبالتالي يعرّض الأمن المجتمعي للخطر.

تطبيقات مؤذية

مظاهر الحركات الجنونية المبالغ فيها من أجل التسلية كانت موجودة قبل التواصل الاجتماعي وفق عبد الله، ولكنها كانت محصورة بمجتمعات ضيقة، أمّا اليوم فهي أصبحت على صعيد العالم بسبب تطبيقات مثل تيك توك وأشباهه؛ حيث يقوم الناشط بالمبالغة بأفعاله لكسب المزيد من المتابعين والمعجبين، وللأسف يكون لديه تأثير كبير على متابعيه الذين يبلغ عددهم  بالألاف، في ظلّ انتشار ظاهرة تجميع أعدادٍ كبيرة من المعجبين، حيث هدف الأغلب أن يصبحوا مؤثرين  “influencers” . ويتم ممارسة هذه التحديات والحركات بطريقة غير مسؤولة تؤدي في كثيرمن الأحيان إلى تعرّض بعض الناس للأذى.

 

الرقابة الذاتية هي الحل الأفضل

لا يجب أن يتم ضبط مواقع التواصل الاجتماعي من المتحكمين بالعقول والمهيمنين على المواقع، ولا من الشركات الكبرى مثل آبل وغوغل وغيرهم برأي عبدالله؛ حيث أنّهم اليوم يسمحون لأنفسهم بالتوجيه المباشر، عبر إغلاق حسابات معينة والترويج لأخرى مثل ما حصل في الانتخابات الرئاسية في أميركا، وهنا تسقط الحرية والديمقراطية في هذا الفضاء الكبير. وتضيف، أصبح للمتاهة مهيمنون يتحكمون بالناس.

كما يجب أن لا يكون ضبط مواقع التواصل من قبل الحكام أو الدولة، ويتم نقل الأجندة المطبقة على الإعلام التقليدي إلى الفضاء الافتراضي، حيث يكون الضبط من قبل هؤلاء ضرباً لحرية التعبير وتحكم بالناس. وتؤكد على أنّ هذا الفضاء، ورغم أنّه متاهة، يجب أن يبقى حرًا ولكن يجب أن تُنشأ برامج توعوية للمستخدمين كي يحسنوا استعمال هذه المواقع، ووضعهم تحت مجهر المسؤولية الذاتية عما ينشرونه، ويجب تحسين قدرتهم على التأكد من مصادر المعلومات التي يتناقلونها، وتحذيرهم من وجود متلاعبين بالعقول عليها. هنا، برأي عبد الله تسمو المصلحة العامة، وليس عبر رقابة من أصحاب المصالح الذين قد يستخدمون السياسة بخلفياتٍ اقتصادية.

 

ثورة المعلومات في عصرنا مهمةٌ جداً، إذ أصبح باستطاعة الناس الوصول إلى معلوماتٍ لم تكن متاحةً من قبل، ولكن يجب على كل فردٍ التحلّي بالمسؤولية كي لا يشوّه الحقائق في أي مجال، وتحديداً في الصحة والعدالة. وما يحصل اليوم وتحديداً في لبنان، البلد ذو الشعب المختلف على كل شيء مضراً جداً، إن في المعلومات الصحية المغلوطة، أو في استباق التحقيقات الأمنية وخلق سيناريوهات مسبقة.

في نهاية الأمر، كل مواطنٍ مسؤول أن لا يقع ضحية أصحاب الأجندات المشبوهة.

محمد شمس الدين

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى