حقوق

“الطفل المكبّل” يطعن بعدالة القانون اللّبناني

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام  بصورة  “الطفل المكبل” في قصر العدل في بيروت، حيث أٌخذت صورة لأفراد قوى الأمن تقوم بسوق طفل مكبل اليدين  للاستماع إليه من قبل القضاء. وهو مواليد 2010 مكتوم القيد، مشتبه بارتكابه العديد من الجرائم وآخرها سرقة دراجة آلية.

يعتبر جنوح الأحداث ظاهرة اجتماعية مؤثرة في نظام المجتمع الأخلاقي والقانوني. سابقًا كان الحدث (وهو تعبير قانوني للدلالة على القاصر) يعاقب بنفس الإجراءات العقابية لغير الحدث أي أؤلائك الذين يبلغون السن القانوني، وتجمع معظم الدول والمجتمعات حديثًا على اعتبار الحدث كل من هو/هي دون عمر الـ18.

وبحسب دراسة نشرت في مجلة الجيش تحت عنوان “جنوح الأحداث الاعراض المبكرة والأسباب والعلاج”، يعرّف “جنوح الحدث لغويًا بأنّه الفشل في أداء الواجب، أو أنّه ارتكاب الخطأ أو العمل السيّئ، أو العمل الخاطئ، أو خرق القانون من قبل الصغار. أمّا علم النفس فينظر إليه على أنّه انتهاك بسيط للقاعدة القانونية أو الأخلاقية وخصوصًا لدى الأطفال والمراهقين”.

وفي حالة الطفل المكبّل في عدلية بيروت، ما الذي قد يدفع طفل في الحادية عشر من عمره إلى سرقة درّاجة نارية وهل دور القضاء فقط منحصر بالدور العقابي؟ أليس الهدف الأبعد من نظام الثواب والعقاب إصلاح المجتمع وإحقاق العدالة! مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المرافقة للفعل الجرمي والحالات التي يجب أن يمارس فيها القضاء دوره الإصلاحي في المجتمع وبين أبنائه.

اعترف لبنان بمواثيق الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، واعتمد نظامًا قانونيًا خاصًا لمحاكمة الأحداث على أفعالهم الجرمية باعتبارهم ضحايا يستحقون معاملة خاصة ترتبط بإعادة تأهيلهم كأفراد سليمين كلّ بحسب حالته.

ففي لبنان، صدر المرسوم الاشتراعي رقم 119/83 بالتاريخ 16\9\1983 الذي وضع قانون حماية الأحداث المنحرفين ثم ألغي بموجب القانون رقم 422\2002 تاريخ 6\6\2002 وهو قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر.

 

تعريف للأحداث المخالفين للقانون

عرف قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر على أنهم “الأشخاص الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره، إذا ارتكب جرمًا معاقبًا عليه في القانون أو ان كان معرّضًا للخطر في الأحوال المحدّدة لاحقًا في هذا القانون، يجري التثبّت من السن بالقيود الرسمية المختصة وإلا بالاستناد إلى خبرة طبية يلجأ إليها المرجع القضائي الواضع يده على القضية…”.

( المادة الاولى)

ويعتبر المشرع اللّبناني أنّ الحدث حالة خاصة تحتاج إلى التعامل معه بهدف إعادة تأهيله وإعادة دمجه بالمجتمع، وهو ما عبّر عنه في المادة الثانية من القانون المذكور “الحدث بحاجة إلى مساعدة خاصة تؤهله ليلعب دوره في المجتمع، في كلّ الأحوال يجب مراعاة صالح الحدث لحمايته من الانحراف…”.

ومعظم الدراسات الاجتماعية تؤكد أنّ الحدث الجانح مصنوع، وليس مولودًا وهو في طبيعة الحال ضحية وسط اجتماعي، ومن أهم اسباب جنوح الأحداث نحو الجريمة التفكك الأسري والفقر وتزمت النظام القانوني بحيث لا يجاري مشاكل المراهقين وصغار السن، مما يؤدي إلى تنامي مشاعر الغضب لدى الحدث وإلى حدّ قد يُعتبر فيه  التفلّت من القانون إنجازًا وليس جريمة.

وبحيث ورد في الفقرة الأولى من المادة الثانية  من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون الأحداث (قواعد بكين): “الحدث هو طفل أو شخص صغير السن يجوز بموجب النظم القانونية ذات العلاقة، مساءلته عن جرم بطريقة تختلف عن طريقة مساءلة البالغ”.
وهو ما تبناه المشرّع اللّبناني في المادة الخامسة من قانون حماية الاحداث، بحيث تكون الأصول المعتمدة لمحاسبة المجرم الحدث مختلفة عن تلك المتعلقة بالحدث.

التدابير والعقوبات

التدابير والعقوبات التي تفرض على الحدث هي تدابير غير مانعة للحرية بمعنى لا تتضمن عقوبة السجن. وتكون التدابير المعتمدة بحسب المادة الخامسة من القانون 422\ :

  • اللّوم
  • الوضع قيد الاختبار
  • لحماية
  • الحرية المراقبة
  • العمل للمنفعة العامة أو العمل تعويضًا للضحية.

وتأتي المادة نفسها لتذكر العقوبات المانعة للحرية، وهي الإصلاح، التأديب العقوبات المخفضة.

ويعود المشرّع في المادة السادسة – وهي ما يجب تطبيقه في حالة الطفل المكبّل البالغ من العمر 11 عامًا فقط- ليوضح:

“إذا أتمّ الحدث السابعة ولم يتمّ الثانية عشرة بتاريخ ارتكاب الجرم، تُفرض عليه أي من التدابير المنصوص عليها في المادة الخامسة ما عدا التأديب والعقوبة المخفضة. ولا يُكتفى باللّوم في الجنايات”.

فإذن، تكون التدابير المفروضة بموجب القانون محصورة باللّوم أو الحماية مثلًا، وفي حالة الجناية التي اقترفها الطفل المكبّل في عدلية بيروت، لا يكتفى بلومه بل يمكن للقاضي أن يحكم بوضعه تحت الحرية المراقبة أو العمل للمنفعة العامة أو تعويضًا للضحية. ولم يذكر القانون إتاحة المجال للقاضي أو المدعي العام أن يصدر مذكرة توقيف بحقّه وأن يساق مكبّلًا إلى الجلسة، حتى ولو كان السبب أنّه هدّد بالفرار كما ادعت المديرية العامة للأمن الداخلي!

وتجدر الإشارة إلى أنّ قانون حماية الأحداث المعرّضين للخطر والمجرمين قد ذكر في كلّ مرّة وجوب وجود المندوب الاجتماعي فيما يتعلّق بمراقبة حالته وتوجيهه وإرشاده  ليكون الجانب المكلّف من قبل الدولة لتوجيه الطفل كونه ابن الدولة في حال كان مشرّدًا أو مكتوم القيد وليس له أسرة أو هويّة.

وهو الأمر الذي يغيب عنه القضاء في هذه الحالة، كما في الكثير من الحالات التي نرى فيها تعاطيًا غير قانونيّ مع الحالات المشابهة، دون وجود المندوب الاجتماعي، ويساق طفل مكبّل اليدين كمجرم بالغ، ويتم توقيفه ووضعه في الزنزانة مع مجرمين بالغين.

وفي هذا الإطار نصّت المادة 15 على أن يتم تنفيذ العقوبة بوضع الحدث في معهد التأديب أو في سجن خاص بالأحداث، وفقًا لما يقرره القاضي.

وتوجد اصلاحيتان في الفنار (المتن) وبعاصير (الشوف) تهتمان بقضايا الأحداث، وجناح خاص للأحداث في سجن رومية يطالب المهتمون بإلغائه وإنشاء إصلاحية متخصّصة.

بعد أن أدلى الطفل بأقواله أمام القاضي، أخلي سبيله ليعود ويكمل محاكمته أمام القضاء، على جرم السرقة حيث كان قد عبّر عن عدم وجود من يرعى عائلته… وهو لأمر محزن أن يتحوّل طفل نحو السرقة في عمر يجب أن يكون مشغولًا فيه بتحصيله العلمي واللّعب على غرار غيره من أولاد سنّه.

ويأتي القضاء في بعض الحالات ليمعن في اللاعدالة ويتورّط مع المجتمع والأهل في ارؤتكاب ذنبهم بحق الحدث، فيتعامل مع طفل تمامًا كما يتعامل مع مجرمين بالغين، وكأنّه بذلك يحكم عليه أن يتحوّل إلى مجرم مع سابق الإصرار والتصميم نتيجة غياب عدالة الأرض عن حقوقه بطفولة يتمتع فيها بالرعاية وإن كان الحد الأدنى منها.

 

حنان جواد

حنان جواد

محامية وكاتبة لبنانية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان والعدالة واستقلال القضاء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى