مجتمع

أين أصبحت الشرطة المجتمعية اليوم؟

لا شكّ أنّ التعاون بين المواطن في لبنان، والقوى المولجة بالمحافظة على النظام، وتطبيق القانون على مكافحة الجريمة أمر شبه مفقود؛ والسبب هو شعور بعض المواطنين بأنّ جهاز الشرطة في لبنان هو جهاز قمعي أكثر منه جهاز مهمته مساعدة المواطن في الحفاظ على سلامته وأمنه الاجتماعي.

تنامي هذه الظاهرة السلبية في المجتمع اللبناني دفع بالقادة الأمنيين إلى التفكير بإعادة صياغة جديدة لعمل قوى الأمن الداخلي في لبنان تقوم على كسر حاجز اللاثقة بين رجال الشرطة والمواطنيين، وذلك من خلال إيجاد الطرق التي من شأنها دفع فئات المجتمع بكامل أطيافها الى مساعدة قوى الأمن في تأدية مهمتها في أجواء من التعاون الإيجابي.

من هنا جاء إطلاق مشروع الشرطة المجتمعية عام 2013، والذي شكّل مقاربة جديدة للسلامة العامة، ومفهوماً جديداً لإيجاد حلول لمختلف المشاكل المتعلّقة بالجريمة في لبنان. واليوم، وبعد مضي سبع سنوات على إنطلاق الشرطة المجتمعية، والتي سبقتها ورشة عمل ضخمة على صعيد تأهيل العناصر وتدريبها وتجهيز مراكز قوى الأمن الداخلي بما يتناسب وتطبيقات الشرطة المجتمعية؛ أين أصبح المشروع؟ لماذا خفّت وتيرته بشكل كبير؟

لا ثقة… لا أمن

انطلق المشروع خلال توليّ العميد مروان شربل وزارة الداخلية؛ ويقول شربل في حديث لـ “أحوال”:  “إنّ الوصول إلى مجتمع آمن ومستقر تنخفض فيه معدلات الجريمة على اختلاف أنواعها لا بدّ وأن يمرّ عبر تحقيق مرتكزات مادية ومعنوية، يشعر من خلالها المواطن بأنّه يعيش في بيئة تحترم حقوقه وتحفظ كرامته. من هنا، كانت فكرة إيجاد آلية جديدة لتعامل عناصر قوى الأمن مع المواطنين، وذلك بمعايير أخلاقية ومهنية عالية المستوى”.

من جهته، يرى العميد المتقاعد “ديب طبيلي”، والذي واكب إنطلاقة الشرطة المجتمعية منذ بدايتها بصفته قائداً لشرطة بيروت في ذلك الوقت، “إنّ الهدف من المشروع كان إتاحة المجال لرجل الشرطة للعمل مع كل فئات المجتمع، وذلك من أجل إيجاد حلول لمختلف المشاكل المتعلّقة بالجرائم التي تحدث وبكافة أشكالها”. ويتابع في حديثه لـ “أحوال”، في ظل الشرطة المجتمعية تقوم العناصر المولجة بتطبيق القانون ببناء علاقات طيبة بينها وبين المجتمع المدني، وذلك من خلال الاختلاط بأفراد المجتمع بطريقة محترمة ومتعاطفة وودية. لذلك جرى العمل على تغيير أسلوب الشرطة في تعاملها مع المواطن بحيث يصبح أسلوباً لائقاً الى أبعد الحدود؛ الأمر الذي ينعكس ارتياحاً لدى المواطن، فيجد نفسه مندفعاً تلقائياً لمساعدة الشرطة في أدائها لواجباتها.

وتابع، “البداية كانت مع ستين عنصراً من عناصر قوى الأمن الداخلي، جرى اختيارهم من بين حملة الشهادات، والذين يتقنون لغات أجنبية. هؤلاء خضعوا لدورة تدريبية تعلّموا من خلالها أنظمة جديدة غير معهودة من قبل في لبنان، الهدف منها نشر ثقافة الوعي والأمني والتوجيه والإرشاد التي يجب أن يتحلّى بها عنصر قوى الأمن الداخلي في الدرجة الاولى.

تأهيل المراكز لإزالة حاجز الخوف

في المقابل، يقول العميد طبيلي لـ “أحوال”: “قبل إطلاق دورة الشرطة المجتمعية، لم يتم تطبيق هذا المفهوم في أي مراكز قوى الأمن الداخلي في لبنان، وكان الأمر يقتصر على إعطاء فكرة موجزة حول مفهوم الشرطة المجتعية، وتنظيم محاضرات حولها ضمن المنهاج التثقيفي للضباط على كافة المستويات”.

فيما البداية كانت من فصيلة حبيش، الذي جرى تأهيل مبناها ليكون مركز شرطة نموذجياً لناحية جعله أكثر انفتاحا أمام المواطنين، بحيث يشعرون بالراحة سواء لجهة الهندسة الداخلية للمبنى أو لجهة المعاملة والتفاعل مع عناصر الشرطة في المركز. وتابع طبيلي، كان لاختيار فصيلة حبيش كمركز إنطلاقة بعداً آخراً، كونه يقع في منطقة رأس بيروت، والتي تشكّل صورة مصغّرة عن المجتمع اللبناني بكل أطيافة ومكوّناته.”

أين أصبح المشروع؟

اليوم، وبعد سبعة سنوات على انطلاق مشروع الشرطة المجتمعية أين أصبح هذا المشروع؟ هل نجح  في تحقيق الهدف المرسوم له؟ خاصة لجهة رفع معدل رفع ثقة المواطن بمؤسسة قوى الأمن؟ أم أنّه سقط لينضم إلى مشاريع أخرى طموحة سبقته لم يتم مواكبتها بطريقة فعالة وجدية فاندثر مفعولها وغابت في النسيان؟

في هذا الإطار، قال الوزير السابق مروان شربل لـ “أحوال”: “المشروع في بدايته حقق نتائج إيجابية لجهة الأهداف المرسومة له، وبدأنا نلمس تغيّراً نحو الأحسن في أسلوب التعاطي بين رجال الشرطة والمواطنين، الأمر الذي نتج عنه انخفاض في معدلات الجريمة؛ وذلك نتيجة احساس المواطن بأنّه معني هو أيضا في تطبيق النظام والإبلاغ عن الجريمة.”

وتابع شربل، من الأمور الأساسية التي قمنا بها في تلك الفترة تنظيم زيارات إلى المواطنين في منازلهم أو مراكز عملهم، وذلك بهدف الإستماع منهم عن كثب إلى الأمور التي تزعجهم في تعاملات رجال الشرطة معهم، “بحيث كنا نعمل على معالجتها وتلافي أي خطأ قد يحصل مستقبلاً. حتى أنّنا دربناهم على كيفية الدفاع عن أنفسهم في مواجهة أي شرطي يحاول الإعتداء على حقوقهم كمواطنين.”

وأردف شربل، “المشروع الذي بدأ قوياً وناجحاً راح يخبو وهجه مع الوقت؛ والتراجع كان مع تفاقم الأحداث في سوريا بحيث انقسم الشعب بين مؤيد للنظام ومعارض له. هذا الانقسام شتت ذهن الشعب اللبناني بحيث أصبح مشغولاً بمتابعة قضايا أخرى لها علاقة بأمنه واقتصاده، فيما لم يعد مهتماً كثيراً بمناخ التعاون بينه وبين المولجين بحفظ القانون والنظام”.

وأضاف شربل، بالرغم من ذلك فانّ الشرطة المجتمعية تابعت عملها، وان كان زخمها قد خف بعض الشيئ نتيجة تسارع الأحداث في لبنان؛ لكنها في الفترة الأخيرة وصلت إلى مرحلة أصبح فيها نشاطها شبه معدوم، وذلك مع تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بعد أحداث السابع عشر تشرين أول الماضي، وبروز جائجة “كورونا؛ ذلك أنّ عمل الشرطة المجمعية يلزمه مجتمعاً يعيش أفراده في حالة من الهدوء والطمأنينة، وفي حالة انسجام بين الأشخاص والمجموعات وبعيداً عن العنف والانشقاق.”

وتابع وزير الداخلية السابق، “فالأمن المجتمعي ليس الأمن الشخصي فقط، بل هو الأمن الاقتصادي والأمن الصحي والأمن السياسي أيضاً؛ وأضاف، قد يكون الشيئ الباقي من الشرطة المجتمعية اليوم هو التعاون بين الأجهزة الأمنية والمواطنين في الإبلاغ عن الخلايا الإرهابية، والتي يشعر حيالها المواطن بخطر داهم على مصيره.

من ناحيته، شبّه العميد طبيلي مشروع الشرطة المجتمعية الذي أُنشئ في لبنان بجسر تم تشييده على أسس متنية، ولكن مع الوقت بدأت تظهر عليه التشققات نتيجة عدم الصيانة والمراقبة. “فالمشروع الذي انطلق بفعالية وزخم لم تتم متابعته كما يجب وخاصة لناحية عمليات التدريب والتطوير”.

ويعزو طبيلي عدم نجاح مشروع بالشكل الذي كان متوقعاً إلى عدم المتابعة والمراقبة من قبل المعنيين لمجريات الامور. ويضيف: “بعد أن تم إنشاء فصائل نموذجية تابعة لشرطة بيروت في كل من مخافر الروشة والرملة البيضاء والأشرفية، إضافة إلى الفصيلة الأم في منطقة راس بيروت، والتي كانت نقطة الانطلاق، توقف العمل في جميع هذه المراكز فيما يتعلّق بمشروع الشرطة المجتمعية باستثناء مركز فصيلة رأس بيروت، الوحيدة التي مازالت تعمل اليوم ضمن مشروع الشرطة المجتمعية، وان كان بالحد الادنى”.

وقال قائد شرطة بيروت السابق: المشروع كان واعداً نظراً لتوفر كل مقوّمات نجاحه، وخاصة لجهة توفّر العناصر الأمنية والبشرية المؤهلة، والتي جرى تدريبها على أرقى نظم الشرطة المجتمعية، والتي يتم تطبيقها في كل من بريطانيا، وفرنسا، وإيرلندا، والولايات المتحدة؛ ولكن للأسف الذي حصل كان غير متوقع”.

وختم طبيلي: إنّ نجاح الشرطة المجمتعية لا يتوقف عند حدود الضابط العدلية؛ فهو يحتاج إلى مجتمع سليم وقضاء نزيه وأحزاب حضارية؛ وهذه الأمور غير متوفرة في لبنان حتى الساعة.

نبيل المقدم

 

 

نبيل المقدم

كاتب وصحافي وباحث سياسي لبناني. صدر له العديد من المقالات والمؤلفات ابرزها "وجوه واسرار من الحرب اللبنانية".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى