أخبار زائفة

ما حقيقة السقوف المالية في وزارة الصحة اللبنانية؟

تُثير وزارة الصحة حساسيات مختلفة لأنّها وزارة الصحة؛ وكذلك تُثير الحساسيّات منذ بدء استشارات تسمية الوزير حتى انتهاء ولايته الإدارية، لأنّها الوزارة المشرفة على قطاع شديد الأهميّة، وصاحبة إحدى الموازنات المالية الكبيرة، ما يجعلها في خانة التصنيف اللبناني “خدماتيّة”، و”زبائنيّة” لاحقاً.

مناسبة الكلام على الصحّة وشؤونها إثارةُ بعضِ المواقع الإعلامية ضجّةً حول قراراتٍ صحيّةٍ اتّخذتها الحكومة اللبنانية في آخر اجتماع لها قبل استقالتها، وتزعم المواقع المذكورة أنّها حابت مؤسّسات طبيّة على حساب أخرى، ومؤسسات مذهبيّة على حساب أخرى، على الرّغم من أنّ القرارات اتّخذت في اجتماع حكومة لبنان، فيما التصويب تركّز على الوزير حمد حسن وعلى مستشفى الرسول الأعظم تحديداً.

والمثير للاهتمام أن بعضَ مَن شنّ الهجوم تفاجأ “بأنّ معظم الزيادات على سقوف المبالغ المالية أتت لصالح مستشفيات تدور في فلك “حزب الله” ومؤسسات تابعة له لم تكن على خريطة التوزيعات المالية في المرسوم الأخير الذي صدر عام 2016″.

ويعترف المهاجم بأن “مستشفيات (غير مستشفى الرسول الأعظم) فئة أولى أخرى مثل “البتول” و”بنت جبيل” و”البقاع الغربي” ومستشفيات فئة ثانية وثالثة ومختبرات لم تكن مدرجة حتى في مرسوم 2016 وصلت قيمة الأموال المرصودة لها إلى 30 مليار ليرة بزيادة 14 مليار ليرة لبنانية عن مرسوم 2016″.
لكن المهاجم لم يتساءل عن السبب الذي يمنع مستشفيات من الحصول على سقف ماليّ لها كغيرها من المستشفيات التي تقدّم خدمات للمواطنين اللبنانيين على امتداد الأراضي اللبنانية!

ثمّ يكتشف هذا المهاجم “أن مستشفى الرسول الأعظم بلغت موازنتها من وزارة الصحّة 14.7 مليار ليرة لبنانية، بينما موازنات مستشفيات بيروت الجامعية الكبرى، أي الجامعة الأميركية والروم وأوتيل ديو مجتمعة، لا تتعدى 16.4 مليار ليرة”.

الهجوم عُدّتُه شخصيّةٌ، ولا مصادر أو مراقبين أو أهل اختصاص يشهدون في خلاله، بل لم يُستصرح أصحاب المصلحة في التظلّم، فوجد “أحوال” في القضية ما يستحق المتابعة، وسعى إلى وضع رواية أخرى للحقيقة في خدمة الجمهور، فتبيّنَ…

مصادر الصحة تؤكّد أن الحقوق في نصابها

مسؤولة في وزارة الصحة راجعها “أحوال” بشأن مرسوم السقوف المالية الذي أقرّته الحكومة، ففضّلت عدم “الدخول في سجالٍ لا فائدة منه”، لأن البعض يريده لأسباب خاصّة غير علميّة، معتبرةً ملف السقوف محلّ اتفاق بين جميع الأطراف الفاعلة في لبنان منذ فترة.

لكنّها أوضحت نقطة تتعلّق بالمساعدات المقدّمة إلى المؤسسات الصحيّة والطبيّة التي طالها التدمير بفعل انفجار 4 آب في مرفأ بيروت، فذكرت أن المانحين تواصلوا مباشرة مع الجهات المعنيّة، وأن المساعدات التي تقدّمت بها جهات معيّنة ذهبت إلى مؤسسات المجتمع المدني التي أصرّت على استبعاد مؤسسات الدولة عن التوسّط في العملية….

بشير: مستشفى الرسول لم تنلْ حقها

اتّجهنا إلى “المتّهم” الرئيس مستشفى الرسول الأعظم ومديره العام الدكتور محمد بشير، فاعتبر الكلام المثار لا واقع له، وحقيقة الأمر يعلمها أبناء القطاع الصحيّ، وقال: “في الواقع، ومنذ سنوات عديدة، يتمّ تحديد السقوف المالية وفق مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، كما هو حال البلد، إلى جانب مراعاة التقسيم الإداري في لبنان على مستوى المحافظات التي تختلف من حيث كثافتها السكانيّة وضعفها، وحيث تقوم المستشفيات بتقديم خدماتها”.

وأضاف د. بشير: “دأب الوزراء منذ سنوات خلت على توزيع السقوف وفق المعايير التي أشرنا إلى اثنين منها بما يُلبّي حاجات الناس التي تتزايد أعدادها، وبما يواكب الغلاء وأعداد الفقراء، ما يستلزم – تالياً – زيادة السقوف المالية سنوياً، بناء على طلبات الوزارء المتتابعة إلى مجلس الوزراء؛ وأي زيادة كانت تتحقّق كان الوزراء يعملون على الموازنة فيها بين المستشفيات”.

مركز بيروت للقلب مستشفى مرجعيّة في لبنان

ويعتبر د. بشير أن “الزيادة الأخيرة في حصة مستشفى الرسول تُعتبر سقفاً مالياً لـ “مركز بيروت للقلب”، التابع للمستشفى الأم والمصنّف مستشفى مرجعيّة في لبنان، والذي يستقبل مرضاه من كلّ المناطق اللبنانيّة، ومن كلّ المستشفيات أيضاً، وسعته تبلغ 100 سرير، ولم يكن قد حُدّد له سقف ماليّ من قبل، على الرّغم من كلّ المطالبات بالزيادات. وكان الوزراء – على اختلافهم – من الوزير وائل ابو فاعور إلى الوزير علي حسن خليل والوزير غسان حاصباني يحاولون زيادة سقف المستشفى بما تيسّر”.

وأشار د. بشير إلى أن من جملة مهمّات المركز “تنفيذ عمليات قلب مفتوح وروسور وبالون وكهرباء قلب وزراعة قلب صناعيّ وطبيعيّ، وعمله يوازي ¾ الأعمال الإجمالية للمستشفيات المشابهة والكبيرة في لبنان بل يوازيها. ومن المنطقيّ والبديهيّ أن يُلحظ سقفٌ لمركز القلب والرسول الأعظم يُناسب أعمالهما، وقد دعم الوزير الحاصباني فعليّاً مستشفى القلب في ظلّ الظروف السابقة”.

كذلك أوضح د. بشير أن مستشفى الرسول الأعظم: “افتتحت من حوالى 3 سنوات مركزَ زراعة الكبد والأعضاء، ولا مركز مماثلاً له في لبنان، ويستقبل المرضى الذين كانوا مضطرين إلى السّفر خارجاً، ويتكلّفون ما يقرب من 300 مليون ليرة للسفر، فبات بإمكانهم الحصول على خدماته على نفقة وزارة الصحة”.

وشدّد د. بشير على أن “المستشفيات التي يُذكر اسمها في معرض التعرّض لمستشفى الرسول الأعظم لا تستقبل في العادة ما تستقبله مستشفى الرسول، وهي تعتبر أن مريض الوزارة لا يَلزَمها، والسَّقف الذي حدّدته لهم الوزارة لا يستهلكونه، وهم يعترفون بأن مريض الوزارة “بيخسّر” ويستقبلون مرضى التأمين والضّمان فيما تقوم مستشفانا باستقبال شرائح الناس كافة، مهما كانت جهة ضمانهم…”.

وختم بشير بالقول: “نحن نعمل ونخدم الناس، والوزراء الذين يرون هذا الأمر يتعاطون بما يُمليه الواقع، ولا نتوقّف عند الاعتبارات السياسية ولا الخلفيّات المذهبيّة”.

سكّرية: السقوف المالية استنسابية وتوظيفات سياسية

من جهته، تحدّث الدكتور إسماعيل سكّرية إلى “أحوال” حول سياسة السقوف المالية فأوضح أنها “سياسة اعتمدتها الحكومات المتعاقبة منذ العام 2000، وحلّت مكان السياسة أو الآلية السّابقة القائمة على التعاقد وفقاً لعدد معيّن من الأسرّة لكلّ مستشفى، وهي تقضي بتحديد مبلغ كسقفٍ تتكفّل وزارة الصحة بتغطية الأعمال الطبيّة المنفّذة ضمن حدوده، وهي سياسة تقوم على الاستنسابيّة، حيث تُحدّد سقوفٌ، وتتولى المستشفى صرف المبلغ في تطبيب المرضى غير المضمونين”.

وسجّل د. سكّرية على سياسة السقوف المالية “أن كلّ مستشفى في شهر حزيران تعلو صرختها بأنّ المبلغ انتهى، ويبدؤون بالتطبيب على نفقة المريض، ويجهّزون فواتير، أغلبها وهمّية، ومنفوخة، سواء تلك المدرجة تحت السّقف والأخرى المنفّذة خارج السّقف، ثمّ يطالبون بمستحقاتٍ ما يعني مقداراً كبيراً من الفساد”.

واقترح د. سكّرية معايير تؤمّن عدالة التوزيع، وتأخذ بالاعتبار “حجم المستشفى، وطاقتها على العمل، وتغطيتها لحاجات الجمهور صحيّاً في المجتمع المحليّ على اختلاف شرائحه، من دون عوائق تمنع الوصول إلى الخدمات الطبيّة”.

السقوف المالية وسيلة لشراء الولاء السياسيّ

وفي وقتٍ ينتقد د. سكّرية غياب المؤسسات الاستشفائيّة الرسمية، يسخر من “كثيرٍ من النواب والسياسيين الذين يبذلون جهوداً لنيل سقفٍ من 200 مليون ليرة مثلاً، ثمّ يُكيلون المديح للقطاع الصحيّ اللبناني ويتغاضون عن الواقع المرّ في البلاد”.

ويشرح كيفية “توظيف السقف المالي من قبل النائب أو الزعيم في المجال السياسي” فيقول: “التوظيف السياسي للسقوف على  نوعين: النوع الأول هو التقليديّ الذي يقوم على إدخال مريض إلى المستشفى على حساب وزارة الصحة بتوصية من السياسيّ النافذ؛ والنوع الثاني: يقوم على دفع المستشفى خوّة للسياسيين من قبيل القيام بأعباء احتفال أو مناسبة أو تكريم ….لصالح شخصيّة أو حزب….وبالتالي تستوفي المستشفى الأموال المنفقة – بالطبع – من الفواتير التي تقدّم إلى السلطات الصحية”.

وكيف يتمّ ذلك؟

“عبر رفع المبالغ المسجّلة في الإنفاق، وعبر الأعمال الطّبية غير الواقعيّة التي لم تنفّذ، والأمثلة في هذا المجال كثيرة”.

يبقى أن السياسة الصحية الرديئة في لبنان قضيّة أبعد من وزارة، وإصلاحها أولى من حسابات شخصيّة، وليس الافتئات على شخص أو مؤسسة سبيلاً إلى الترشيد والتقدّم، خصوصاً حين يأتي من أوساط النّخبة التي تضطلع بدورٍ رياديّ في مسيرة الوطن.

طارق قبلان

 

طارق قبلان

مجازٌ في الصحافة واللغة العربيّة. كاتب في السياسة والثقافة، وباحث في اللهجات والجماعات الإسلامية والحوار الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى