الحراك البطريركي بين نيران التيارين الأزرق والبرتقالي
لقاء آخر متوقع بين الحريري وعون في بعبدا مطلع الأسبوع والخليل يُزيل عبء الثلث الضامن
البطريرك القلق من ارتفاع منسوب الأزمة التي بلغتها الأحوال في لبنان تقدّم “سُعاة الخير” العاملين لكسر جمود الاتصالات بين المسؤولين تمهيدًا لتأليف حكومة تطلق صفارة قطار الإصلاحات ولجم التدهور على طريق الانهيار. وفيما تشهد أروقة الصرح البطريركي حركة مشاورات واتصالات حامية لإيجاد أرضية مشتركة توصل إلى تفاهم رئيسي الجمهورية والحكومة والمكلّف، تصاعدت نيران البيانات بين تياري “الوطني الحر” و”المستقبل” على خلفية تبادل الاتهامات بالعرقلة والتعطيل لتنفث الدخان الأسود في الفضاء الحكومي.
بعد لقاءات جمعته مع الرئيس ميشال عون وسعد الحريري وجبران باسيل التقى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في بكركي الوزير السابق غطاس خوري موفدًا من الحريري وذلك في إطار المساعي والاتصالات التي يقوم بها البطريرك الراعي لتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة، وقد تم خلال الاجتماع عرض لنتائج الاتصالات التي أجراها الراعي واللقاءات التي عقدها في الساعات الماضية بين بعبدا وبكركي. ونقل خوري إلى البطريرك أجواء آخر التطورات في ملف تأليف الحكومة والاتصالات التي أجراها الرئيس المكلف بعد زيارته الأخيرة إلى الصرح البطريركي.
سعاة خير كُثُر، دخلوا على خط تقريب وجهات النظر بينهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والنائب جان عبيد ومعاون الأمين العام لحزب الله حسين الخليل. وفي حين يقوم ابراهيم بجولات مكوكية بين مختلف الأطراف لفكفكة العقد، عُلِمَ أنَّ خليل أجرى لقاءات بعيدًا عن الأضواء مع كل من عون وباسيل خلال اليومين الماضيين. وأبلغ الرجلان الخليل أن ما يحكى عن تمسكهما بالثلث الضامن غير صحيح. وأنه في حال وافق الحريري على إعادة النظر في توزيع الحقائب والأسماء فلا مشكلة في التأليف. وتتوقع المصادر أن يبلغ الخليل هذا الموقف للرئيس المكلّف حتى يعود التأليف إلى مساره الطبيعي. وتؤكد مصادر مطّلعة أنّ حزب الله يحاول بدوره إصلاحَ ذات البين بين الرئيسين والعمل على خط الجهود المبذولة لمحاولة استيلاد الحكومة اللبنانية قبل انقضاء العام الحالي، وتأمينَ اللقاء المثمر بين عون والحريري، لأن لا مبرر لمزيد من التأخير في التأليف، ولا لانتظار أي متغيرات خارجية.
البطريرك الذي اطلع الحريري في اتصال هاتفي مطول ليل الجمعة على نتائج اللقاءين مع عون في بعبدا وباسيل في بكركي، كان أوفد الوزير السابق سجعان قزي إلى بيت الوسط ليطلعه على مزيد من التفاصيل التي لا تُحكى على الهاتف والوقوف على رد الحريري عليها فكان لقاء بعيدًا عن الأضواء بين الوزيرين السابقين سجعان قزي وغطاس خوري. وأشارت مصادر مطلعة أن “اللقاءات تأتي متابعةً لتقريب وجهات النظر وازالة رواسب الاشتباك السياسي وهناك مساعٍ لترتيب لقاء بين الرئيسين قريبًا”. وضمن هذا السياق ولمتابعة الاتصالات خرج قزي مع الخوري من بكركي لاستكمال الاتصالات والمشاورات.
بموازاة مساعي التلاقي تصدّر الاشتباك بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” المشهد ليُبدد أي آمال ترتقب الحلول، وتجلّى الكباش في حرب بيانات بين الطرفين المعنيين بتشكيل الحكومة وبين المستشارين تراشقا فيها الاتهامات ما يُوحي أن أجواء اللقاءات التي جرت أمس لم تحمل توافقًا يبني عليه الطرفان مادةً للتلاقي.
بعد اجتماعها الدوري إلكترونيًا برئاسة النائب جبران باسيل، رأت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر “أن التأخير الحاصل في عملية تشكيل الحكومة مردُّه، في شقه الداخلي الظاهر، إلى وجود محاولة واضحة لتجاوز الصلاحية الدستورية لرئيس الجمهورية كشريك كامل في عملية تأليف الحكومة وكرئيس للبلاد والإصرار من جانب رئيس الحكومة المُكّلف على القفز فوق الميثاقية وعلى عدم اعتماد معايير واضحة وواحدة للتعامل مع كافة اللبنانيين” ولفت البيان إلى أن الهيئة “تلمس وجود نيةٍ للقفز فوق التوازنات الوطنية وللعودة إلى زمن التهميش وقضم الحقوق، وهذا ما لا يمكن السكوت عنه”.
أمّا تيار “المستقبل”، ففي بيانه اتهم إصرار “قيادة التيار الوطني الحر على ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام والانقلاب على المعيار الوحيد لتشكيل الحكومات، والذي ينص عليه الدستور في مادته الـ 64 بأن رئيس مجلس الوزراء يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مراسيم تشكيلها، وخلاف هذا النص من دعوات يقع في خانة المعايير المركبة والمحاصصة الحزبية التي أُسقطت على الدستور وعطلت عمل السلطة التنفيذية طوال السنوات الماضية”.
ولفت التيار في بيانه إلى أن “العودة إلى نغمة المعايير الواحدة محاولة مرفوضة للالتفاف على المبادرة الفرنسية التي أكد الرئيس المكلف التزامها، قبل التكليف وبعده، معلنًا في كافة تصريحاته أنه سيعمل مع رئيس الجمهورية على تأليف حكومة من أصحاب الاختصاص وأهل النزاهة والكفاءة غير الحزبيين”. ونفى “المستقبل” ما اعتبره “الاخبار الملفقة عن إصرار الرئيس المكلف على تسمية الوزراء المسيحيين”.
حدّة البيانات التي تقف على ذات النقاط الخلافية المعطِّلة لتأليف الحكومة منذ نحو الشهرين، توحي بشكل فاقع أن المشاورات لا تزال تراوح مكانها، والأمور معقدة عند نقطة الصفر. وتزامن تراشق الاتهامات مع لقاء الراعي بموفد الحريري، وشدّد الراعي أمام ضيفه وفق مصادر مطّلعة “أنه مصرّ على تطبيق الدستور من دون اجتراح أي اجتهادات أو أعراف جديدة من قبل أي فريق سياسي بل التزام بالدستور الذي ينص على التوافق بين الرئاستين الأولى والثالثة على تأليف الحكومة”.
وفي حين أن بيت الوسط يلتزم الكتمان حول حصيلة المشاورات مع بكركي تُشير مصادر مطلعة إلى أن البطريرك الماروني وباسيل اتفقا على “وحدة المعايير والمساواة بين الأطراف السياسية، والاحتكام إلى الدستور من دون ابتداع أعراف جديدة”، مؤكدة أنّه “لا يمكن القبول بالمعاملة بمكيالين وأن شعار الصيف والشتاء تحت سقف واحد في التأليف لا يمكن الرضوخ له، أي من غير المسموح أن يتم طلب لوائح إسمية من بعض الكتل ولا نطلب من غيرها”. وتحذر المصادر من نية لدى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لتضييع الوقت إلى حين تغيير ما في المعطيات الدولية”، وتلحظ المصادر أنّ “هناك رئيس حكومة مكلف غير قادر على تخطي الضغوط الخارجية وليس بإمكانه تشكيل الحكومة”.
غرفة الاتصالات في بكركي لإنعاش الجهود الحكومية لم تُثمر حتى الآن ما يؤشر إلى تقريب ما هو بعيد المنال وفق الواقع السياسي. والمتفائلون يأملون تأسيس ما يبنى عليه إيجابًا في الأسبوع المقبل قد يقود إلى لقاءً روتيني بين عون والحريري في بعبدا. أمّا المتشائمون فيرون أن الحراك الذي يتولاه الراعي، لم يرقَ إلى مستوى المبادرة ولا الوساطة التي تنفيها بكركي. وفي ووسط هذه الأجواء سيواصل الراعي اتصالاته وسيوسع إطارها عبر موفدين من قبله إلى الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة عسى أن تخرق الاتصالات جدار التعنت الذي يعطل حياة اللبنانيين ويُمعن في تدهور المؤسسات وأحوال اللبنانيين.