منوعات

“أحوال” يكشف مجازر وفضائح الصيد البري

لولا عددٌ قليل من الصيادين المحترفين، ولولا بعض الجمعيات القليلة الناشطة في مجال الصيد المستدام، لكان افتتاح موسم 2020 – 2021 مجرَّد مزحة سمجة. فالصيد البرِّي في دولة شبه معطّلة، لا يمكن أن يكون منفصلاً عن تفلُّتٍ قِـيَمي وأخلاقي، وفوضى متجذِّرة في تربة الفساد، ولا نأتي بجديد من عندياتنا، فالوقائع تؤكد، والفضائح تتوالى.

“هذه أسوأ سنة واكبْتُها في حياتي لجهة المخالفات، وأحمّل المسؤولية مباشرة لوزير البيئة الذي يبدو في حالة غيبوبة أو أنه مخطوف. وأهم إنجازاته تهريب قرار فتح موسم الصيد في وقت البلد (فارط) إقتصادياً وبيئياً”، هذا ما قالته الناشطة في مجال الرفق بالحيوان غنى نحفاوي، وهي تكاد تكون المرجع الأهم في توثيق وعرض المخالفات، ومتابعتها اليومية النشطة مع الجهات الأمنية والقضائية.

اختفاء الطيور

لم تتوقف المجازر بحق الطيور في “عزِّ الموسم”، الأمر الذي بدأ يطرح إشكالية متصلة بـ “أخلاقيات الصيد”، خصوصاً وأن ثمة “لوبيَّات” متمثلة بتجار الأسلحة وذخائرها، قادرة على “تزيين” المجازر بشعارات تُسوِّغ القتل، رغم انقراض طيور مستوطنة، كـ “الحجل” “الترغل” “الدرُّب” “بو بليق”. هذه الطيور التي تحلِّق فقط، في تراث الأخوين رحباني وفيروز ونصري شمس الدين.

ونستند إلى ما قاله “صياد عتيق” لـ “أحوال”: “حالياً لا أذهب للصيد مع اختفاء الطيور، بل للمشي في البرية. فعدد الصيادين كبير فيما الطيور قليلة، والمشكلة بأولئك غير الشرعيين ولا القانونيين، الذين يجتذبون الطيور الوافدة بطريقة غير قانونية، كالإضاءة والليزر والشبك وغيرها”. شهادة من أهل البيت ساقها خليل أبو خليل، وهو صياد ينتمي لرعيل مارس الصيد بفروسية وأَنَفة وكِبَر.

وإلى الآن وزارة البيئة غائبة، والبلديات شبه مستقيلة من دورها كسلطات محلية، وحدها القوى الأمنية تلاحق وتتابع، ولا من بادر إلى الآن لتقييم الموسم، من حيث الإلتزام بالقوانين، ورصد المخالفات وإجراء المقتضى القانوني.

سعد: التعديات كبيرة

مع بداية الموسم، ولا سيما في مطلع تشرين الأول، تعرّض عصفور “الصلنج” لمجازر موصوفة. وبحسب الناشط البيئي في مجال المحافظة على الطيور روجيه سعد، فإنّ “(الصلنج) طريدة مسموح صيدها بمعدل 25 عصفور في الرحلة الواحدة”، واستدرك أن “(الصلنج) يتعرّض للإبادة عن طريق الشبك والدبق والإضاءة الليلية وبكميات كبيرة، وقد طالبنا كجمعيات ألا يُدرج ضمن لائحة الطرائد، كون أعداده انخفضت بصورة كبيرة وفقاً لإحصائيات أوروبية”.

وأشار إلى أن “هناك تحايلاً على القانون، والصيد يتم بأعداد كبيرة وطرق غير مستدامة ولا قانونية”، مضيفاً: “على الرغم من الشكاوى العديدة وملاحقة قوى الأمن الداخلي للمخالفين والقبض على بعضهم، لكن يُطلق سراحهم بسبب (كورونا)، مع التوقيع على تعهد بعدم تكرار المخالفة، ودفع غرامة الـ 50 ألف ليرة”. وأشار إلى “أننا تمكننا من الوصول في بعض الحالات إلى المحاكم، إلا أن التعديات كبيرة ولا مجال لملاحقتها جميعها، لذا على البلديات التشدد في منع التجاوزات”. وأكد أنه بالنسبة لـ “(المطوق) و(السمن) و(الحجل) وغيرها، فهي تتعرض للإبادة حالياً، اذ نرى (الأشجار) المضاءة على سطوح البيوت، ونسمع أصوات ماكنات جذب الطيور، حتى أننا نشاهد طيوراً مهاجرة معروضة للبيع كاللقلق والصقور والبجع”.

وأشار سعد إلى أن “المشكلة متمثلة اليوم في الإتجار بالطيور المصطادة بطريقة غير قانونية، فهناك قانون يمنع صيد (التيَّان) مثلا،ولكن لم يحظر بيع هذه الأنواع في المطاعم والسوبرماركت، وحتى هناك من يعرض بيعها جهاراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، لافتاً إلى أن “معظم هذه التجاوزات تُسجل شمالاً وبقاعا”، ورأى أن “الطيور في لبنان مهددة بالصيد الجائر والإمساك بها وببعها في المحال حيَّة، فضلاً عن الإتجار بها وبيعها في المطاعم والسوبرماركت، وكل ذلك مخالف لقانون الصيد البري 580”.

أبو خليل: لا دولة تحمينا

وبالعودة إلى الصياد أبو خليل، فقد أكد أن “تغيّر المناخ أدى إلى تغيّر مواعيد مرور الطيور، فضلاً عن أنها أصبحت لا تطير على ارتفاع منخفض بسبب تعرضها للقتل واستشعارها الخطر من أجل البقاء”. واشتكى من أن “لا دولة تحمينا، فقد قمنا بإصدار رخص صيد لتمنع الدولة الصيادين غير المسؤولين، لا بل هناك مناطق تطلب منا بدلاً مالياً لنصطاد فيها”، لافتاً إلى أنّ “بنادق الصيد أصبحت رخيصة، مع استيراد سلاح الصيد التركي، ما سمح لأي كان أن يقتني بندقية، ويهدد سلامته وسلامة الآخرين”.

وقال أبو خليل: “لم يعد الصيد هذه الهواية النبيلة، وما عاد الصياد إنساناً يتحلى بأخلاق عالية، يحترم البيئة والطبيعة والأملاك العامة والخاصة، لا بل نشهد من يصطاد كل ما يطير من مثل (البوم) و(الباشق) و(الصفراية) التي تقضي على دود الصندل. أحاول أن أنصح غيري، بأن يحافظ على البيئة والطيور، خصوصاً المفيدة منها، وألا يظلم الطبيعة بممارسات غير مستدامة”.

ورأى أبو خليل أن “على الصياد أن يتثقف، ويتابع البرامج العلمية التي تُظهر أهمية الطيور وطرق الصيد المثلى”، داعياً إلى “عدم شراء الطيور المعروضة للبيع في المحلات الكبيرة أو في المطاعم، فهي أولاً غير رخيصة، وثانياً لا أحد يعلم كيف تم اصطيادها، وهل تم قتلها بطريقة غير صحيحة، وكيفية حفظها”.

نحفاوي: مجزرة الفلامنغو

ورأت نحفاوي أن “الوضع مرعب والمجلس الأعلى للصيد البري هو المتحكم بهذا الموضوع”، وأشارت إلى أن “الصيد مستمر سواء في الموسم أو خارجه”. وقالت: “كلنا نشهد المجازر بحق الطيور المقيمة والمهاجرة، المسموح والممنوع صيدها، الجارحة والمفيدة للبيئة، وآخرها مجزرة طاولت أجمل هذه الطيور (الفلامينغو)”.

وأضافت نحفاوي: “(التيّان) يباع جهاراً في السوبرماركت، وعبر وسائل التواصل الإجتماعي، وهنا أحمّل المسؤولية لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، دون أن ننكر جهود عناصره في ملاحقة العديد من القضايا، لكن يمكن فرز عنصر أو عنصرين لمراقبة مجموعات الصيد والبيع والشراء عبر الإنترنت، وهناك مخالفات غير محدودة ولا معقولة، وثمة مطاعم في العديد من المناطق تعرض عصفور (التيّان)، ومنها مثلا (لقمة أمي) في جونيه (يضع رقم هاتفه). لدي هنا عتب وبمحبة على قوى الأمن، ولكن ضميرياً، أقول (ما عم يلحقوا) يتابعوا الشكاوى التي نتقدّم بها”.

وعرضت نحفاوي لمخالفات طاولت طائر البوم، وقالت: “منذ فترة قرأت أن وزارة الزراعة قررت مكافحة فأر الحقل برش المبيدات، وقد توجهت عبر تغريدة لوزير الزراعة عباس مرتضى، أشرت فيها إلى أن هذه الظاهرة كافية لترينا حجم الإنتهاكات بحق طائر البوم والطيور الجارحة الأخرى، وهي العدو الأول للقوارض، ووجودها يغنينا عن المبيدات وتأثيرها على الطبيعة والزراعة والتربة والمياه”.

 

إنتهاكات بالجملة

وأشارت نحفاوي إلى التقدم بحوالي 20 قضية وإخبار، و”يتولى الناشط روجيه سعد معظمها، ويتابعها لدى الجهات المعنية، وقد تم تهديده في مناطق مختلفة في لبنان، والمخالفات أكثر بكثير من هذا العدد، ويرسل لنا العديد من الناشطين صوراً وفيديوهات، ولكننا لا نستطيع القيام بكل هذا العمل أمام الإنتهاكات المخيفة وعددها الكبير”.

وقالت: “على الرغم من تغريم البعض وتوقيعهم على تعهدات، إلا أن ذلك غير كافٍ، ويجب أن تكون العقوبات قاسية وموجعة، إن لم يعاقبوا بالسجن فلن يرتدعوا. نحن نتكلم بالقانون، وفي حال تكرر المخالفات هناك عقوبة السجن، ولكنها حاليا لا تطبق”.

وأبدت نحفاوي عتباً “على المدعين العامين البيئيين الذين يغضون الطرف أحيانا عن بعض المخالفات، على الرغم من الأدلة الدامغة، خصوصاً في مجال تعنيف الحيوانات الشاردة والأليفة”، وقالت: هناك أمثلة عدة، ولكن هذه القضايا التي خطرت ببالي، ولكن بالمقارنة مع وزير البيئة السابق فادي جريصاتي، فإنّ الوضع حالياً سيء للغاية، فحينها كانت المخالفات تتابع، ومن قبل الوزير شخصياً، خصوصاً في موضوع الطيور، وكل يوم ثمة مخالفات جديدة ومستمرة، والكلام عنها لا ينتهي”.

أنور عقل ضو

 

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى