القضاء الأعرج: نصف أحكام لا تنصف ضحايا 4 آب
جريمة المرفأ: الادعاء على دياب يثير بلبلة سياسية وقانونية
الشرنقة القضائية التي دخلها ملف أضخم جريمة ارتكبت بحق الشعب اللبناني في 4 آب 2020 والتفسيرات الدستورية المتضاربة لصحة الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وايذاء مئات الأشخاص، جعلت من قرار القاضي العدلي مادةً للتجاذب والجدل المفتوح على جروح ضحايا الانفجار كما التضحية بالقوانين والعدالة الكاملة.
في الشهرِ الخامسِ على مُهلةِ الأيامِ الخمسةِ لتقديمِ المسؤولينَ عن جريمةِ المرفأ، كان يُمكن أن يُثلج قرار الادعاء في جريمة المرفأ قلوب اللبنانيين وبخاصةٍ أهالي الضحايا والمتضررين على طول خط الانفجار الكبير بأنّ العدالة قد تحققت ولو متأخرةـ، لكن الادعاء على رئيس حكومة دون وزراء عهده وعلى وزراء دون رؤساء حكوماتهم ودون مسؤولي الأجهزة الأمنية والقضائية التي كانت تعلم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، جعل من الخطوة القضائية قفزة عرجاء في فضاء العدل والقانون.
عدم الادعاء على سعد الحريري وتمام سلام ونجيب ميقاتي ولا حتى الاستماع لإفاداتهم على الأقل، علماً أن شحنة الموت دخلت في عهد ميقاتي وظلت ٦ سنوات خلال عهود الحريري وسلام، بدا بالنسبة لمصادر مراقبة تنفيس احتقان الناس ومخاطبة الخارج لا سيّما الأميركي والفرنسي. واعتبرت أن استسهال اتهام دياب بـ”الإهمال” باعتباره أول رئيس حكومة من الشعب وليس من البيوت السياسية المحتكرة للحكم ولا من منظومات الأثرياء الذين جمعوا ثرواتهم على حساب لبنان.
ما مدى التطورات الجديدة في ملف انفجار المرفأ بالادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، وإلى أين يمكن أن تصل الأمور؟
صدر الادعاء، بحسب مصادر حقوقية بعد استماع القاضي صوان لمدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، فيما تركز المصادر القضائية على ضرورة أن تذهب التحقيقات إلى النهاية، لإجراء تحقيق حقيقي وتوجيه الاتهامات بشكل مباشر وهو ما برز في بيان مجلس القضاء الأعلى الذي دعم قرار المحقق العدلي. واتهم قاضي التحقيق العدلي في القضية فادي صوان، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزراء السابقين علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ويوسف فنيانوس؛ بالإهمال والتقصير والتسبب في وفاة وجرح مئات الأشخاص في قضية انفجار مرفأ بيروت. فيما تتوقع مصادر مطلعة أن الادعاء العام على المسؤولين الأربعة لن ينحصر عند هذا الحد. وتضيف أن “القاضي صوان اتخذ قراره بالمضي في هذا القرار واستجواب من يراه تباعاً. وهو سيحدد مَن المسؤولين اللاحقين الذين يحتمل أن يستدعيهم”.
رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الواثق من “نظافة كفه”، أكد أنه لن يسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة من أي جهة كانت. وقال مكتبه في بيان “رئيس الحكومة مرتاح الضمير وواثق بنظافة كفه وتعامله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار مرفأ بيروت”. إلّا أنه استغرب هذا الاستهداف الذي يتجاوز الشخص إلى الموقع. وأُبلِغ المحقق العدلي جواب رئيس حكومة تصريف الأعمال على طلب الاستماع إلى إفادته”، مؤكدًا أنه “رجل مؤسسات ويحترم القانون ويلتزم الدستور الذي خرقه صوان وتجاوز مجلس النواب، وأن الرئيس دياب قال ما عنده في هذا الملف”.
والمفارقة أنّ صوان طلب الشهر الماضي من مجلس النواب التحقيق مع وزراء حاليين وسابقين للاشتباه بارتكابهم مخالفات أو جرائم على صلة بالانفجار، بعد مطالعة أعدّتها النيابة العامة التمييزية ورأت فيها أنّ ملاحقة الوزراء على مخالفات أو جرائم محتملة ارتكبوها خلال تولّيهم مهامهم الوزارية تقع ضمن اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وأوضح مصدر قضائي أن صوان، وبعدما لم يستجب المجلس النيابي “ادعى على دياب والوزراء الثلاثة، بجرائم جزائية تقع ضمن صلاحيته واختصاصه، ومنفصلة عن المسؤولية السياسية التي طلب من مجلس النواب التحقيق بشأنها”. وقد حدّد القاضي صوان أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل، مواعيد لاستجوابهم كمدعى عليهم، على أن ينتقل الاثنين المقبل إلى السرايا الحكومية لاستجواب رئيس حكومة تصريف الاعمال، وفقاً لما ينص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك بعد إبلاغه مضمون الادعاء، فيما يستجوب الوزراء في مكتبه في قصر العدل.
قانونياً، سلطات المجلس العدلي واسعة وهو أعلى محكمة جزائية استثنائية ويعزو القاضي قراره إلى أن الجريمة موضوع الأحكام تندرج ضمن الجرائم العادية بالتالي فإنه يحق له استدعاء أي كان إذا وجد أدنى مسؤولية. لكنّه لم يُشرْ قرار القاضي الى المادةِ التي استند الادعاء عليها لصياغة اتهاماتِه بوجودِ شُبُهاتٍ ومراسلات. الوزير السابق زياد بارود رأى أن ما حصل سابقة بالنسبة الى رئيس حكومة معتبراً أن “الاشكالية الأساسية هي في تخطي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي لا يعمل أصلاً”. ويوضح أنه عندما يستجوب “المدعى عليهم” بهذه الصفة وليس صفة الشهود يكون تخطى المادة 70 من الدستور أي اعتبر أن هذه إما جرائم عادية أو بمعرض ممارسة الوزير لمهامه وتخضع للمحاكم العادية ومنها المجلس العدلي”.
وبدا أن هذه الخطوة القضائية فاجأت رئيس حكومة تصريف الاعمال التي أدرجها في إطار استهداف موقع رئاسة الحكومة وخصوصاً أن الدستور ينص على آلية لملاحقة رؤساء الحكومات والوزراء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في حال إخلالهم بواجباتهم الوظيفية، رد رئيس مجلس النواب نبيه بري على كتاب صوان الذي يطلب فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة لوجود شبهة. كان هجومياً بحيث ردّ بعد اجتماع لهيئة مكتب المجلس، مبدياً انزعاجه من “قضاة لا يقرأون القانون ولا يعلمون المواد الأساسية التي على أساسها يتحرّك المجلس الأعلى لمحاسبة الرؤساء والوزراء، ولا يراعون الأصول المنصوص عنها في الدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء”، وأن المحقق العدلي لم يكتف بعدم مراعاة الأصول إنما خالفها.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن صوان عندما أرسل كتابه إلى البرلمان ضمّنه أيضاً إسمي الوزيرين ميشال نجار وغازي العريضي، إلا أنه في الادعاء لم يدعي عليهما، بعدما تبين أن لا علم لنجار بالأمر، فيما العريضي كان قد نفى علاقته بالباخرة لأنه استقال قبل رسوها في مرفأ بيروت، وقبل إفراغ حمولتها. وتبين أن بعض الوزراء الذين شملهم صوان في كتابه إلى المجلس النيابي، كوزيرة العدل ماري كلود نجم، وأشرف ريفي وسليم جريصاتي لم يكونوا على علم بهذا الأمر.
وفي حال ثبوت التهم، يتم تحويل هذه الاتهامات إلى المجلس النيابي للتصويت عليها. وهذا التصويت سيكون بحاجة إلى ثلثي أصوات المجلس ليتبنى البرلمان إجراء التحقيق اللازم وتحويله الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وفي هذا السياق يوضح بارود، أن “المادة 40 من الدستور ستطرح اشكالية الادعاء على وزراء هم في نفس الوقت نواب”، لافتاً إلى أنه “عندما يكون المجلس بحالة انعقاد لا يمكن اتخاذ أي تدبير جزائي إلّا بإذن من المجلس”، مضيفاً “المدعى عليهم يدلون بدفوع شكلية لعدم اختصاص أو أنّ أحد الأشخاص يتمتع بحصانة نيابية، لذلك نميز بين النائب والوزير لأن الوزير لا يتمتع بحصانة مطلقة وإذا الجرائم لها علاقة بواجبات وظيفية يمكن الذهاب الى مجلس النواب لاتهامهم بأكثرية الثلثين”.
الصاعق القضائي الذي فجره المحقق العدلي بين يدي رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، غير معروف النتائج وما ستحمله خواتيم التحقيق في هذه القضية الكبرى التي لا تزال جروحها تنزف في قلوب اللبنانيين وبخاصة أهالي الضحايا والمنكوبين والجرحى أمر غير محسوم بعد أن ماتت العدالة في زمننا. وقد اعتاد اللبنانيون على السياسات الانتقائية والإنتقامية التي تشوبها الافتراءات وتعتريها جملة الوقائع غير الواقعية. الشهداء وأهلهم ينتظرون العدالة والحقيقة حول من فجّر ومن خطّط وليس من أهمل فقط، ولا يتمنّون أبداً توقيف أبرياء لمدة تفوق المنصوص عليها في القانون لإرضاء البعض، فلتأتِ العدالة غير منقوصة.
رانيا برو