منوعات

بين لبنان وسوريا: تعاونٌ اقتصاديٌّ ببعدٍ سياسيٍّ

هي أول زيارةٍ لوفدٍ حكوميٍّ لبناني بهذا المستوى إلى سوريا منذ اندلاع الحرب فيها عام 2011، واعتماد الجانب الرّسمي اللّبناني بدعة “النأي بالنفس” أمام خطرٍ إرهابي هدّد البلدين على حدٍّ سواء. منذ ذلك الحين، اقتصرت العلاقات بين البلدين على تلك الدبلوماسية ومشاركة وفدٍ لبنانيٍّ مصغّرٍ في “المؤتمر الدولي حول عودة اللّاجئين والمهجّرين السوريين” في تشرين الثاني الماضي وزيارات ذات طابعٍ فرديٍّ قامت بها شخصيات تمثل أحزاباً مؤيّدة لسوريا، وفي مقدمتها حزب الله، وهو ما أثار حفيظة الأحزاب اللّبنانية التي تلتزم بالتوجيهات الأميركية في ما يخص الحرب في سوريا.

إذن، زار وفد لبناني رسمي دمشق لاستجرار الطاقة والغاز عبر سوريا، تمّ استقبال الوفد اللبناني في منطقة جديدة يابوس الحدودية، من قِبل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني نصري خوري، كان اجتماعٌ في وزارة الخارجية في دمشق لساعتين ضمّ وزراء الخارجية والطاقة والمالية من البلدين. المحادثات ركّزت على موضوع استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا. وهو ما لقي ترحيباً من الجانب السوري الذي أكّد استعداده لتأمين ذلك، كما اتفق الجانبان على متابعة الجوانب الفنية التفصيلية من خلال فريقٍ مشتركٍ لمناقشة القضايا المتعلقة بالأمور الفنية في كلٍّ من البلدين، وفق ما أعلن خوري.

الترحيب السوري تجلّى أيضاً خلال استقبال الرئيس السوري بشار الأسد وفداً من القيادات الدرزية اللبنانيةـ إذ أكّد الرئيس الأسد خلال اللّقاء العلاقة اللبنانية – السورية وضرورة انتقالها ممّا كانت عليه إلى علاقة مؤسساتٍ وعلاقة مصالح مشتركة لافتاً إلى أنّ سوريا ستسهّل كلّ ما يخدم الأشقاء اللبنانيين وطارحاً فكرة إقامة مشاريع إنتاجية مشتركة على صعيد الطاقة البديلة واستعداد سوريا لوضع بعض أراضيها الشاسعة في خدمة مشاريع مشتركة ومشاريع إنتاجية.

 

اجتماعٌ رباعيٌّ في عمّان الأربعاء المقبل

في إطار متابعة نتائج اجتماع دمشق وبحث الخطوات اللّازمة لتفعيل الاتفاقيات المعلّقة بتمرير الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا، يستضيف الأردن الأربعاء المقبل، بدعوةٍ من وزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي، وزراء: النفط والثروة المعدنية السوري، الطاقة والمياه اللبناني، والبترول والثروة المعدنية المصري.

وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر لفت إلى أنّ الاجتماع المقبل في الأردن سيهدف إلى “التعرف على الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بين الدول الأربع، والبحث في المواضيع الفنية والتقنية والمالية، ووضع برنامج عملٍ وجدولٍ زمنيٍّ، وتفعيل فريق عمل تقنيٍّ فنيٍّ للكشف على كل المواقع في لبنان وسوريا ومصر والأردن، للتأكد من سلامة استثماراتها، حتى يتم تشغيلها بشكل آمن، وهذا يمكن أن يبدأ بين لبنان وسوريا، لانهما مترابطان فوراً وبين سوريا والأردن ومصر”.

 

لولا النفط الإيراني لما تسامحت أميركا في حصارها

زيارة الوفد اللّبناني إلى سوريا، ذات الطابع الاقتصادي، والهادفة إلى استجرار الطاقة والغاز، تحمل بعداً سياسياً لا يخفى على أحد. في سردٍ مختصرٍ للأحداث يمكن استخلاص أهمّيتها السياسية وأيّ خرقٍ تُحدثه في مسار الحرب الاقتصادية على سوريا ولبنان. فالعقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الأفراد والكيانات التي تتعامل مع سوريا، وفي مقدمتها قانون قيصر، أرخت بظلالها على الواقع الاقتصادي اللّبناني في فرض حصارٍ أنهك بنيته الاقتصادية، ليأتي إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن استيراد المشتقات النفطية من إيران في مقاومةٍ واضحةٍ للعدوان الاقتصادي الذي أذلّ اللّبنانيّين.

خطوة الأمين العام دقّت ناقوس الخطر في واشنطن، فتلاها بعد ساعاتٍ قليلةٍ، اتصال السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا برئيس الجمهورية ميشال عون لتبشره أن الولايات المتحدة تسمح للبنان باستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا. بالطبع، هذا الكرم الأميركي ما كان ليظهر لولا كسر حزب الله للحصار الاقتصادي ولهيبة أميركا أمام العالم عبر ناقلات النفط الإيرانية، وما إذنها هذا إلّا محاولة لحفظ ماء الوجه والإبقاء على بعضٍ من قدرتها على التّحكم بمجريات الأمور.

بين سوريا ولبنان علاقةٌ مصيريةٌ، يدركها الأبعدون كما الأقربون. البلدان اللّذان يتشاركان في الحدود والجغرافيا والمقاومة والشعب والاقتصاد، يرزحان معاً تحت وطأة الحصار الأميركي، ومعاً ومن خلال تفعيل العلاقات بينهما، إنّ تحلّى الجانب اللّبناني بالشجاعة، يستطيعان كسر الحصار وكسب المعركة اقتصادياً كما كسباها عسكرياً خلال العقد الماضي.

 

آلاء ترشيشي

 

 

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى