The voice senior بدّل مفاهيم الشاشة لا وجوه براقة ولا أجسام منحوتة والبقاء للأصيل
الأضواء ساطعة، لجنة حكام مقطوفة من أهم القامات الفنيّة، مشتركون يغرونك بالدهشة. والبرنامج فريد “ذا فويس سينيور”، فكرة جديدة لم نشهدها من قبل. كبار السن فوق الستّين يعتلون مسرح الضوء وينشرون أصواتهم أمام العالم كلّه في فرصة ربما يجدها بعضهم ذهبية أو استعادة لما فاتهم من العمر النّير.
المفاجأة الكبرى تقطن في وجود هؤلاء المشتركين، وجوه غيّبها العمر، وأثقل خطواتها الزمن وجاءت لتفرد أصواتها الجميلة التي كان لها حلم وكان لها شباب وكان لها طموح يغازلها، الى أن وصلت مرحلة الخريف وفتحت أمامها استديوهات الضوء فغنت بقريحة تعيدنا الى الزمن الجميل.
هذا الخريف وهذا الغروب مغرٍ في أمسيات برنامج “ذا فويس سينيور”،MBC تعرف كيف تقطف ثمارها وتحشد العيون أمام شاشتها. ففي زمن الناس منهكة من حجرها وقلقة لما ينتظرها ونحن هنا في لبنان نعيش المرَ مرارات والعالم العربي كله ليس بأفضل حال، أطلّ علينا برنامج لا يوجد فيه سوى الفن. برنامج ليس كسوالفه، فلا جمال خارج الحنجرة ولا إغراء خارج الصوت. كل الدلالات التي كانت تصنع نجماً مختصرة هنا. فالأنوثة ذبلت والوسامة غطست شمسها في بحر الأفول. ولا يبقى سوى الأصيل. ونحن أمام هذه الأصالة متسمّرين.
نحن على همّنا وتعبنا بحاجة الى جرعة شافية، إلى من يكافئنا في عز كهولتنا، إلى من يقول لنا كل شيء ممكن مهما طال الزمن، إلى من يقدر ما هو أبعد من الشكل ومن الفتوة. “ذا فويس سينير” أعطى كل هذا، وبدّل مفاهيم الشاشة التي ما كانت تفتح الا للوجوه البراقة والأجسام المنحوتة، فكان برنامجاً مختلفاً بكل المقاييس، وهذا الاختلاف هو نجوميته.
ربما هناك من يسأل ماذا سيضيف هذا البرنامج الى هؤلاء المشتركين؟ الجواب ماذا أضافت هذه النوعية من البرامج الى مشتركين شباب عدوا بالمئات أو الألوف ولم يسطع منهم سوى عدد لا يتجاوز أصابع الأيدي؟ وملحم زين واحد من هؤلاء الكثرة الذي حالفهم الحظ وكان فناناً كبيراً لمعت مكانته وصار في لجنة حكم يقيّم الفن والفنانين.
إذاً هذه البرامج ليست سوى منصة تعرض وتبرز لكن لا تصنع الكثير من الفن. إنّها برامج آنيّة استهلاكية تنشر بريقاً سرعان ما يخفت. وإلا فأين كل الذين ظهروا وتوّجوا ولم نسمع عنهم شيئاً؟ عشرات البرامج الفنية خرّجت الكثير من المواهب وكلّلتها بالميداليات الفضية والذهبية بدءاً من استديو الفن وصولاً مروراً بـ”ستار أكاديمي” و”سوبر ستار” وصولاً إلى “ذا فويس” و”اكس فاكتور” و”أراب أيدل” وغيره الكثير في كل فضائيات الوطن العربي لكن لم تترك أثراً ولم تبدل طقساً.
ففي خضم هذا الاستهلاك لا ضير في أن يكون لكبار السن مكانة، فهؤلاء يستحقون أيضا التكريم والإضاءة على مواهبهم. فربما هؤلاء أجدر من سواهم وحملهم أنضج وأصواتهم تحمل شجناً أكبر. أصوات لها مكانة وقيمة وجمالية تتفوق أحياناً على الحكام أنفسهم.
“ذا فويس سينيور” لا يحمل فقط صوتاً أو فناً فحسب بل أيضاً عاطفة. فأن ترى عبدو ياغي أو صفوان عابد أو ميرفت كامل أو سعاد حسن أو أي من المشتركين الأخرين، أصوات تنبىء بحكايات ومواهب وكل حكاية خلفها عمر وكانت تستحق نجومية لكنها لم تسطع، فجاء الوقت لأن تكرّم ولو بموسمٍ فني أو برنامج ينقلهم الى أسماع وعيون المشاهدين. هذا التأخير في الوصول يحمل الكثير من العاطفة والحماس. يداوي الحسرة ويرمّم الأسف. ويعطي حقاً ولو جاء متأخراً الى أشخاص كان بالإمكان أن يكون لهم شأن في الفن.
قد لا يضيف هذا الظهور للمشترك أو المتوّج أي أمل في السّطوع الدائم أو بمستقبل أتى متأخراً+، لكنه يعطي إكرامية أستحقّها بعد عمرٍ وحقّق شيئاً من الظّهور تنصف موهبته. وبالتالي تكون المحطة كعادتها حققت ربحها المعهود والتّجاري ويكون المشاهد استمتع بأصواتٍ تحمل فناً خمرياً ويكون هذا الفنان المتقدّم في السّن عقد أملاً مع الوعد. ونحن بشر نعيش مجمل حياتنا على الوعد وقلما يتحقّق منها الكثير.
كمال طنوس