“نهر غلبون” الموسمي.. بين مطرقة الحاجة وسندان البيئة!
أقدمت “مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان” مؤخرًا، في بلدة غلبون في قضاء جبيل، على حفر بئرٍ بهدف تأمين المياه للبلدة ولبلدات أخرى مجاورة. ولكن الغايات “النبيلة” من هذا الأمر لا يمكن تبريرها وتسويقها، بغضّ النظر عن الأخطار المحدقة والمتوقّعة، الأمر الذي يتخوّف منه ناشطون بيئيون كانوا قد حذّروا من أن تؤدي الأعمال القائمة على مقربة من نهر شتوي وفي مجراه، إلى تعريض النظام البيئي للخطر، فضلًا من إمكانية حدوث فيضانات، كون الردميات ارتفعت فوق مستوى الأراضي الزراعية.
وقد أثار ناشطون بيئيون هذه القضية كونها تمثّل تعدياً على حرم النهر، وهو أمر مخالف للقوانين المرعية الإجراء، المفترض أنّها حامية للأنهر عبر شروط واضحة وصارمة، خصوصًا أن حفر بئرٍ لتأمين المياه لـ”غلبون” و”شامات” وبلدات عدّة مجاورة، من شأنه أن يؤثّر على مصادر المياه، سواء كانت أنهرًا دائمة أو موسميّة، وتحديدًا لجهة وضع عوائق أو القيام بالإنشاءات داخلها وعلى ضفافها، كما هو الحال في نهر غلبون وأنهر أخرى في لبنان.
شلهوب: لتقييم الأثر البيئي
وفي هذا السياق، قال الاختصاصي بالهندسة المدنية وإدارة المياه، د. ميشال شلهوب لـ”أحوال”: “نتّبع الأسلوب العلمي حيال النهر ونظامه البيئي، فـ”غلبون” ليست خالية من المياه ونحن مع تأمين مياه إضافية عبر الآبار”، لافتًا إلى أنه وبحسب القوانين المرعية الإجراء بالنسبة للمجاري المائية عمومًا، فالمنشآت المقامة لا تُراعي حرم النهر، كما أنها تجاوزت الجهة المنفّذة، أي “مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان”، إلى التنظيم المدني، ليتبيّن أنّه لا يوجد أي ترخيص بإقامة مبانٍ في أرضٍ خاصّة تنازل عنها أصحابها لصالح المشروع.
من هنا، أشار د. شلهوب إلى أن الجهة المنفّذة “تزعم” أن كافة الإنشاءات أُقيمت وستُقام في العقار 513 الخاص، ولكن البناء سيُلامس الطريق العام الرئيسي، مشدّدًا على أنّه ينبغي على الجهات المعنية الكشف الميداني، خصوصًا أن البلدية ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان لا تستطيعان النيابة عن الوزارات والمكاتب الفنية، حيث أن الحائط المقام في مجرى النهر (صورة بالخط الأسود) على مقربة من الجسر، هو عبارة عن طريق عام تابع لوزارة الأشغال، ما يتطلّب الحصول على موافقة الأخيرة، مع تقييم الأثر البيئي من وزارة البيئة.
“تعدٍّ سافر وتخريبي”
في المقابل، لفت د. شلهوب إلى أنه بعد البدء بالحفريات، تم التواصل مع مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان التي تجاوبت وحدّدت تاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر موعدًا لمناقشة حلول بديلة، إلا أن الأعمال انطلقت قبل يومين من الاجتماع ولا زالت قائمة حتى اليوم، “وهم لم يتريّثوا لإبداء الرأي، ما منعنا من تقديم براءة ذمّة وعدم حضور الإجتماع”، بحسب قوله.
هذا وقد وثّق شلهوب بالفيديو أعمال الردميات على مجرى النهر على مسافة 160 و200 متر من الجسر، متخوفًا من أن تؤثر الأشغال، ليس على الطريق والسلامة العامة فحسب، إنما على “المسارب” التي تمرّ عبرها المياه، إذ يُظهر الفيديو المرفق قوّة التدفّق في مرحلة متوسطة للنهر، والتي إن اشتدّت من الممكن أن تسبّب بارتفاع الردميات الى أكثر من مترين، وبالتالي غمر الأراضي الزراعية المجاورة وضفّتي النهر.
الحركة البيئية اللبنانية
من جهتها، كانت “الحركة البيئية اللبنانية” أوّل من طالب باستثمار المياه الجوفيّة المتجدّدة، عوضاً عن السدود ذات الكلفة العالية والأثر السلبي على البيئة، حيث أكّدت في بيانها أنّها ليست ضد حفر آبار مياه جوفية، طالما هي في الأماكن السليمة ولا تتعدّى على مجاري مياه سطحية ولا تهدّد السلامة العامة، لتشدّد بالمقابل على أن حفر بئر للمياه لا يبرّر مخالفة القوانين والاعتداء على الأملاك العامة النهرية والأملاك الخاصة بالردميات وبتلويث مياه البحر بالوحول.
مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان
مصدرٌ في “مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان”، فضّل عدم ذكر اسمه، أكد في حديث لـ”أحوال” أن هذا المشروع حيوي لـ”غلبون” والقرى المجاورة، لافتًا إلى أن المؤسسة حفرت بئرًا منذ عام 2018 لتغذية كل من “غلبون” و”شامات” و”حصارات”، وحوالي سبع أو ثماني قرى أخرى، و”كانت النتيجة جيدة جدًا لجهة كمية المياه”، بحسب تعبيره.
هذا وشدّد المصدر على أن كافة الأعمال تتم ضمن العقار 513، التابع لأحد أبناء القرية الذي تنازل عنه لصالح المؤسسة، وقد تم وضع الحفريات والردم على طرف العقار، التي سيتم استخدامها لبناء الحائط الذي يحمي المنشآت ضمن العقار نفسه، بعد أن يخضع هذا الحائط لفحوصات تربة بإشراف ورقابة 3 مهندسين.
بلدية غلبون
من جهته، قال رئيس بلدية غلبون، المهندس إيلي جبرايل، لـ”أحوال”: “لدينا الكثير من المشاريع الإنمائية التي تهدف إلى جعل “غلبون” قرية نموذجية ومستدامة، بالإضافة إلى العمل على التنمية المحلية عبر خطط تركّز على السياحة البيئية والزراعة، بهدف استعادة الأشجار المثمرة مثل اللوز الذي لم ينمُ منذ أكثر من 15 سنة في البلدة”.
في المقابل، عرض جبرايل الدراسات الجيولوجية منذ عام 2012، حيث لفت إلى أنّه تمّ تحديد نقطتين لاستحداث البئر، أحدهما في العقار 513 وهو الأفضل لجهة قربه من الطريق مع العمل على صيانة المعدات والمضخّة والبناء وغيرها، في حين أن النقطة الثانية تتطلّب شق الطريق ومزيدًا من الأعمال والتكاليف المادية والبيئية.
سوزان أبوسعيد ضو