ميديا وفنون

 “هند خانم” معاناة تختصر الجحيم في حياة قصور تشبه السجون

“هند خانم” ورد الخال  سيدة ذاك القصر الذي ترتفع حجارته على الظلم  والخوف، وخلف جدرانه تدور قصص المعاناة والاستبداد. يرسمها البطل أسعد رشدان، يطل قليلاً يكتب قدر الجميع ويرحل دون أسف. رشدان الملهم بالحضور، قادر أن يكون طيفاً يخيّم بأبداعه على كل ما هو قادم. ممثّل يطرق أبواب السطوة ويفتحها، يحضر وجيزاً ويتجذّر كثيراً.

نص (من كتابة رازي وردة إخراج كنان اسكندراني وإنتاج “مروى غروب”) يفتح خيالات الحياة على المال والمكانة وسكان القصور. ليتبين أن خلف القلاع القوية أرواح تعاني، وفي الجاه يكمن الخداع، وما التّرف سوى كذبةً كبيرةً عندما يتغلّف بالمال المغشوش والخيانة والظلم.

هند خانم سيدة ضعيفة منكسرة، نحيلة الى حد يمكن أن تُقصف بنسمة، وجهها بملمح واحد لا يتبدّل فيه كل أسى الكون وغمام التكدّر. ورد الخال كما عادتها قادرة أن تلبس كل الشخصيّات فهي هنا تتسربل بالضعف، تسحب المشاهد من روحه وتجرّه نحو عذاباتها وخضوعها، يشفق عليها ويقف في صفّها. يجول في أرجاء قصرها الفسيح بالوجع ، المحصّن بأعمدة شاهقة من القسوة، سلالمه المفخّمة بالسجّاد ليست سوى أرضيّة تقتل الأفراح، وأسرّته الفسيحة موطن الدمع وأرق الليل وسجن النهارات المظلمة.

ورد الخال بجسدها النحيل تقودنا في صفها إلى حدٍ نريد أن نصرخ بها قومي، انتفضي، ارمي عنك ثوب الخنوع وانهضي . ليس من السهل على صاحبة العصب القوي في الأداء أن تكون مهزومة إلى هذا الحد، سيّدة الشدَة  تطوّع حنجرتها العالية بصوت الخفوت. ورد البطلة الدائمة في أدوار كانت لها السطوة فهي هنا بطلة الانهزام والانصياع والضّعف.

ورد الخال كعادتها لا تخذلنا، فهي القويّة الشديدة والشرّيرة في “الينابيع “، وهي سيّدة الكل والدة فريد الأطرش وأسمهان المتقدّمة في العمر في “أسمهان “، وهي المرحة الكوميديّة في “بنات عمتي وبنتي وأنا ” و”المحتالة”.

ممثلة قادرة أن تلبس كل دور باحتراف المخضرمين، لا تخاف ولا تتباطىء في إبهارنا. استطاعت أن تحجز مكانة رفيعة في مهنة الإبداع والتمثيل منذ زمنٍ، وفي كل عمل تضيف على الابهار رونقاً جديداً. فهي فنانة قادرة أن تحيك كل خيوطها وتخرج ملكة بأدائها.

القصر هنا هو العنوان،  ففي أماكن الجاه والسلطة تجد أغرب أنواع البشر حيث الشر والظلم يحكم ويتحكّم. في القصور المزخرفة بالضوء تجد الأم المقهورة والمضروبة والإبنة المقموعة والإبن المضطهد. وعندما يموت صاحب القصر المتسلط، يصبح الموت نافذةً لحياة جديدة. والتَفلّت من  هذا النّير الذي شدَ الرقاب بالرهاب.

فهذا الذي يطمع وذاك الذي يريد أن يتقرّب من أصحاب المال ليأخذ حصّةً، وهناك من يريد أن يكون عاشقاً لسيّدة القصر. علاقات أهل القصور مختلفة ولها مفاهيمها حيث المال هو شعلة القلوب ومقرّب النفوس.

وسام صباغ  الشخصية  الباردة والنفسيّة المتسلقة، يلعب دوره على أكمل وجه فهو الإبن الخاضع لأمٍ تريد الاستحواذ على كل شيء فتدسّ بابنها في زواج مصلحة مع ابنة العم الثريّة.

تجيد جناح فاخوري لعبة الخسّة والملعنة وتنجح في تربية ابنها على الخبث والمكر.

في هذا القصر البديع نتابع حياة أبطال قدرهم حتى الآن عبثيّ وسوداويّ بانتظار أن ينجح ناجي “خالد القيش” في إضاءة شموع الحب في بلاط الظلم ويرسم وجهاً جديداً لهند خانم بعد حياة القهر.

وبانتظار أن نعرف ماهية جويل الفرن السيدة اللعوب التي تشد بخناق أنوثتها على مراهق بعمر ابنها وترميه في أحضان الممنوع.

جوّ العمل حتى الأن قاتم جداً، حتى الورد الذي فيه فهو رسائل مكر وغلاف لنفسيات لا نعرف قرارها السليم. وحدها شيرين “يمنى شري” تشكّل نقطة الضّوء وباحة الامل. حضورها مدعاة للفرح من كل جانب. فهي شخصية حرة  متوازنة نتأبط معها سلم الخلاص نحو أجواء سليمة معافية.

يمنى شري مذهلة إنها المفاجأة الجميلة. ففي أمكنة الدّمار تحضر كمخلص وفي حناجر البحة ترسل صوتها كصدى نجاة. هي هنا الصديقة والرفيقة والمحبة للحياة. إنها الشعلة التي تعيد كل انطفاء. هذا الدور يشبه روحها التي عرفناها سابقاً كمقدمة برامج حيث تطل يطل معها الفرح وحيث تدور تدور معها زهور عباد الشمس. يمنى هنا أجمل اكتشاف نتكأ عليها حتى ترسم خلاص هؤلاء البشر من مقتهم وحياتهم السوداء. شيرين شخصية مليئة بالحب والانطلاق.
إنها كفة الميزان لأحداث كلها مقت وهي وحدها تحمل وزنة السعادة والتفاؤل. يمنى شري “شيرين” هنا لا تمثل ولا تؤدي دوراً، إنها صوت الجمع كله، إنها البطلة التي تجز روح الباطل وتصوب نحو الخير. ويمنى تعطي قلبها كله لأننا كمشاهدين بتنا نتكأ عليها حتى تبشرنا بالخير. نجحت يمنى كثيراً في دورها وفي بث روحها لحد شعورنا اننا نعيش واقعاً نابضاً بحضورها وحركتها ومحياها. يمنى الموهبة الواعدة  دوماً التي تتخلى عن كل شيء الا عن الابداع وعن تلقائيتها التي تشبه روحنا جميعاً.

كارين سلامة لا ينقصها شيء في دورها. هي هنا تخوض تجربة ليست بسهلة كامرأة انتهازية وصولية تستعمل انوثتها للانتفاع من الرجل وسلبه المال لتنعم بحياة الرفاهية والاحذية الجميلة والمكياج الساطع. دور يحتاج جرأة. وكارين حملت سلاحها ومضت ونجحت في عفوية الدور.

 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى