مسلّم لـ”أحوال”: الفقراء لا يسرقون وارتفاع نسبة السّرقة سببه مدمنو المخدّرات
ارتفاع نسبة السرقة وجرائم القتل وانخفاض نسبة الانتحار وحوادث السير في 2020
هل هناك علاقة سببية بين الفقر والعوز وبين ارتفاع نسب الجرائم والسرقات؟ المنطق يقول نعم. لكن ما يفصح عنه مرجع أمني لبناني، يشير إلى أن هذه العلاقة تتداخل فيها عوامل كثيرة قد لا تجعلها مسلّمة دائمة.
بعد سنة على بدء الانتفاضة الشعبية وما تلاها من أحداث أسفرت عن تدهور الحالة الإقتصادية والإجتماعية، فضلاً عن التأزم السياسي وانعكاساته الأمنية، وضع لبنانيون كثر أيديهم على قلوبهم خوفاً على أمنهم الشخصي وأموالهم وممتلكاتهم.
إذ من الطبيعي أن تتبادر إلى الأذهان مشاهد متخيلة لأناس لجأوا إلى القتل والإعتداء بدافع السرقة، بعدما فقدوا وظائفهم، أو آخرين بسبب فقدان رواتبهم لقدرتها الشرائية بشكل كارثي.
إلا أن رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزف مسلم يقدم لنا قراءة أخرى ليس بالإستناد إلى الأرقام التي بحوزة قوى الأمن الداخلي فحسب، بل إلى تحليلها وفقاً لواقع إجتماعي وسياسي أوسع، يجعل قراءتها أكثر منطقية.
إذ يقول في مقابلة مع “أحوال”، إن “الفقراء لا يسرقون”، ويقدم مسوّغاته شارحاً أن “النظرية التي تقول إن الفقير يلجأ للسرقة تجانب الحقيقة والواقع بعض الشيء. إذ ليس بالضرورة أن يندفع كل فقير إلى السرقة. فهو بالعادة لا يقدم على أذية غيره. وما يفعله أحياناً قد لا يصب في خانة السرقة الصريحة”، بقدر ما يندرج في سياق “الحربقة” اللبنانية للحصول على بضعة آلاف من الليرات، لأنه “يواصل مقاومته للفقر بنفس مستوى خوفه من الوقوع في عمل جرمي”.
وعليه فإن الأوضاع الإقتصادية ليست دائماً دافعة للفقراء للشروع في السرقة، ذلك أن الأمر “يستلزم وجود بيئة اجتماعية واسعة يتحول معها كل فقير ومعوز إلى مشروع سارق، وتؤمن له الظروف الملائمة والغطاء الإجتماعي لارتكاب الجرم”.
لكن على الرغم من ذلك، يقرّ مسلم بأن نسبة الجريمة “مرتفعة بشكل عام”، إلا “أننا في ذات الوقت جهدنا منصب على توقيف العصابات”، علماً أن من يرتكبون أفعالاً جرمية اليوم هم في معظمهم من أصحاب السوابق، وليسوا مجرد فقراء أو عائلات أضحت فجأة تحت خط الفقر.
وفي هذا السياق أظهرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ارتفاعاً في نسبة السرقات وجرائم القتل بين العامين 2019 و 2020.
فيما أظهرت الأرقام نفسها انخفاضاً في معدلات الإنتحار وحوادث السير.
وبحسب البيانات نفسها فإن حوادث السرقة ارتفعت بنسبة 53% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019، وكذلك جرائم القتل التي ارتفعت نسبتها لتصل إلى 100% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
لكن اللافت كان تراجع نسبة الإنتحار وحوادث السير قياساً بالعام الماضي، إذ بيّنت الأرقام تراجعاً في حالات الإنتحار بنسبة 18.8% وكذلك حوادث السير التي انخفضت لتصل إلى ما نسبته 35.7% عن العام 2019. فكيف تقرأ القوى الأمنية هذه النسب؟
يجيب مسلم أن عمليات النشل متواصلة، لكن تفشي كورونا وما رافقه من إجراءات وقائية كالعزل المنزلي ومنع التجول، أسفر عن انخفاض في جرائم السلب بالقوة، وكذلك حوادث السير.
وبينما يؤكد مسلم متابعة القوى الأمنية للوضع على الأرض حيث “الوضع ممسوك وتحت السيطرة”، يشير إلى أن جزء من الجرائم له خلفيات إقتصادية، لكن المشكلة اليوم تتلخص في الفوضى السياسية وعدم الإستقرار التي تمهد الأرضية لأصحاب السوابق والميول الإجرامية لارتكاب أفعالهم.
ويقول: “عدم الإستقرار يدفع أصحاب السوابق والعصابات الى الإطمئنان إلى أن الوضع يسمح لهم بالتحرك، لاعتقادهم بأن القوى الأمنية مشغولة بضبط الشارع وبالتالي ليس لها المقدرة على ملاحقتهم كما في حالة الإستقرار الأمني والسياسي”.
وتتكبد القوى الأمنية مخاطر كبيرة أهمها حياة عناصرها، عند ملاحقة العصابات خلال هذه الفترة، إذ يقول مسلم إن “كل شخص نقوم بملاحقته بغية توقيفه يكون على درجة عالية من الشراسة والخطورة، حيث أن بعضهم يكون خارجاً للتو من السجن، فيواجهنا بخيار من اثنين لا ثالث لهما بالنسبة له وهو “يا قاتل يا مقتول”، لعلمه أن توقيفه يعني عدم خروجه من السجن”.
ويشير مسلم في هذا الاتجاه إلى أن معظم السيارات المسروقة يتم تهريبها إلى سوريا بطريقة غير شرعية.
أما العوامل الأخرى التي أدت إلى ارتفاع نسبة الجريمة، فإنها وفق تصريحات مسلم، تعود بالدرجة الأولى إلى مدمني المخدرات، حيث أن “المدمن العاطل من العمل، يجد نفسه مجبراً على تأمين المال لشراء حاجته من المخدرات، وهو ينتظر أي فرصة للسرقة والسلب وأحياناً القتل”.
وفيما لا يستطيع مسلم الجزم باحتمالات ارتفاع أو انخفاض نسب الإجرام والسرقة وغيرها، يرى أن هذه الحوادث “ما خلقت اليوم، نحن على هذه الحال منذ سنوات طويلة، لكنها عادت للإرتفاع نتيجة الظروف الحالية، إلا أن الناس لا يرون أننا نجحنا سابقاً في خفض نسب السرقة وحوادث السير عما كانت عليه في الماضي”.
أما العامل الأكثر أهمية في عمليات القتل فيرجع إلى الضغوط النفسية التي تتراوح أسبابها بين العزل المنزلي والخوف من “كورونا”، فضلاً عن التوتر والقلق من الآتي نتيجة تلاحق الأزمات والكوارث في البلاد.