هل يملك مشروع “الفدرالية” فرص التطبيق في لبنان؟
سكرية: جعجع قد يسيطر على "المنطقة المسيحية" إن أراد الأميركيون
عند كل حدث أمني يضع البلاد على حافة خطر الفتنة الطائفية أو المذهبية، تعود المشاريع العسكرية والسياسية كالحرب الأهلية والتقسيم بأشكاله المختلفة “الفدرالية السياسية” أو “الاقتصادية” أو “اللامركزية” إلى الواجهة، وتُستحضر حادثة “بوسطة عين الرمانة” شُعلة اندلاع أحداث 1975 التي استمرت حتى اتفاق الطائف 1990.
لكن مع تكرار الحوادث الطائفية والإنهيارات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، وتفسخ المجتمع اللبناني والانقسام السياسي وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت واضمحلال الدولة وترهّل السلطة المركزية وتدخّل دولي لدعم طوائف معينة، عاد مشروع التقسيم ليدغدغ مشاعر المسيحيين ويسيل لعاب بعض قياداتهم، فجاءت “حادثة الطيونة” لترسم علامات استفهام حول مدى علاقتها بهذه المشاريع، ما دفع بجهات معنية بالإستقرار والأمن الداخلي لقراءة هذا “الكمين” والتحقّق من أبعاده السياسية لتحديد طبيعة التحرّك المستجد للقوات اللبنانية بهذا الزخم والمستوى، لتحديد بالتالي طبيعة المواجهة، سيما بعد اعتراف رئيس “القوات” سمير جعجع في أحد مقابلاته بمسؤولية حزبه عن الحادث تحت عنوان حماية “المناطق المسيحية” من “المكون الشيعي”، وما استتبع ذلك من توترات في الحدث والتسويق الإعلامي لخيار “التقسيم”.
فهل نحن أمام مخاض أمني – سياسي لتنفيذ مشروع “الفدرلة” بقوة السلاح؟ هل سنشهد حوادث شبيهة بـ”الطيونة” لتبرير التقسيم في الساحة المسيحية؟ وهل تملك هذه المشاريع فرصة النجاح في الواقع؟
لم يكن عضو اللقاء التشاوري، النائب العميد الوليد سكرية، قلقاً من “الفدرالية” أكثر من الوقت الراهن، لكنه يوضح في حديث لـ”أحوال” أن “انزلاق الوضع الأمني في لبنان باتجاه خطر الحرب الأهلية والتقسيم رهن الوضع الاقليمي والدولي”. ويشير إلى هدفين يتم العمل على تنفيذهما:
–الأول: محلّي “الفدرالية”، ويتطلّع جعجع إلى فرضه بقوة السلاح والفتنة تحت عنوان حفظ الكيان المسيحي بشخصيته وخصوصيته، وإذ تلاقى ذلك مع القرار الخارجي فيبدأ تنفيذه على الأرض.
–الثاني: حلّ لقضية سلاح المقاومة، تسليم السلاح أو احتوائه وتقييد حركته الإقليمية، ولذلك تمّ إشعال “الثورة” في كل من لبنان والعراق في الوقت نفسه في تشرين الـ2019، مذكّرًا، أي سكرية، بما حذّر منه الروس قبل أحداث تشرين بأن “الوضع في لبنان سيندفع نحو الفوضى والتفكك”.
ويرسم العميد سكرية السيناريو العسكري لتنفيذ هذا المشروع الذي سيؤدي إلى سيطرة “القوات” على “الجبل المسيحي” من المتن الى بشري وسحق “التيار الوطني الحر”، وتنتشر بعدها قوات أميركية عسكرية في المنطقة لإطباق الحصار على المقاومة في البقاع وفصلها عن الجنوب الذي يوضع بين فكي الكماشة الإسرائيلية والأميركية لتقييد حركة المقاومة، تمهيداً لشن حرب عسكرية عليها.
ويتوقّع سكرية تفاقم الأزمة حتى تستطيع واشنطن تكوين سلطة جديدة معادية للمقاومة في استحقاقات الانتخابات النيابية والرئاسية وتأليف الحكومة، لوضع “حزب الله” بين خيارين: تسليم السلاح أو قرار دولي تحت الفصل السابع، يطلب من الشرعية اللبنانية (الحكومة) تنفيذ القرار.
ويبدو أن “القوات” هي الحصان الذي سينفذ المشروع، بحسب سكرية، لا سيما وأن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد حنبلاط كشف العام الماضي عن كلام سمعه من جعجع، قال فيه “إنّ لديه 15 ألف مقاتل لمواجهة “حزب الله”، وبأنه مدعوم من أميركا والسعودية، وأنه سيذهب في مواجهة الحزب حتى النهاية”، ما دفع جنبلاط للاعتقاد بوجود “مخطط خطير يحضر للبنان”.
وفي السياق، كان موقع “ويكيليكس” كشف عن إحدى برقيّات السّفارة الأميركية في بيروت في العام 2011، ذكرت فيها السفيرة الأميركية السابقة ميشيل سيسون، عن لقاء جمعها بجعجع عام 2008 ، تحدّث فيه “عن 7000 إلى 10000 مقاتل من “القوات” جاهزين للتحرّك ضدّ حزب الله”.
من جهته، يشير عميد كلية العلوم الاجتماعية والباحث السياسي، د. طلال عتريسي، في هذا الصدد إلى أن “مشاريع الحرب والتقسيم والفدرالية، هي قرارات خارجية منذ إنشاء لبنان، وليست قرار داخلي”، مضيفًا: “ثانياً، هناك عوامل جغرافية تحول دون تمرير هذه المشاريع.. فكيف يمكن مثلاً خلق مناطق مسيحية صافية مقابل مناطق إسلامية صافية؟ ما يجعل تنفيذ الفدرالية صعب على أرض الواقع، ما سيؤدي إلى حرب تزيد من هجرة المسيحيين فضلاً عن موازين القوى الديموغرافية والعسكرية والاقليمية التي تميل لصالح القوى المسلمة”.
ويخلص عتريسي في حديث لموقعنا إلى القول إن “المزاج الاجتماعي والسياسي المسيحي لن ينجر وراء جعجع إلى هذا المشروع، في ظل وجود قوى أخرى كالتيار العوني والمردة وغيرها، وبالتالي لا أعتقد أنه ناضج في المدى المنظور، لكن المشروع البديل المطروح هو”اللامركزية الإدارية الموسعة”، ومنح سلطات إضافية أكثر للمناطق المسيحية للبلديات، وهذا ممكن حصوله تحت سلطة دولة مركزية”.
فهل تكون “الفدرالية الاقتصادية” هي البديل للمسيحيين أو لطوائف أخرى في ظل ضعف الدولة المركزية وتخليها عن دورها، مقابل توجه دول خارجية لدعم طوائف معينة ترتبط بها دينياً بموازاة تحرك أحزاب وطوائف لتوفير مقومات العيش لبيئاتها الطائفية والمذهبية؟
يجيب عتريسي: “هناك مأزق حقيقي في طرح الفدرالية الاقتصادية، يتمثّل بقدرة المسيحيين على حصر النشاط الاقتصادي في مناطقهم والانغلاق على البيئات المسلمة”، خاتمًا كلامه لـ”أحوال” بالإشارة إلى أن “هجرة المسحيين الاحتمال الأقوى، مع المعلومات عن هجرة آلاف العائلات إلى قبرص لمتابعة العام الدراسي بسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وقد ينتقل هؤلاء إلى أوروبا وهذا الأمر قد يقلص الوجود المسيحي في لبنان إذا استمر الإستنزاف”.
محمد حمية