عقد العمل الجديد للعاملات المنزليات خطوة حضارية مهدّدة بالطعن
مكاتب استقدام العاملات ترفع الصّوت عالياً
لطالما شكّل نظام الكفالة المعمول به لإستقدام العاملات في الخدمة المنزلية وصمة عار بحق لبنان، وعبودية مقنعة في القرن الواحد والعشرين لما تضمن من انتهاكات للكرامة البشرية، ولأبسط مضامين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتغنى اللبنانيون بالمشاركة بصياغته وإعداده عام 1948 بشخص المفكر شارل مالك.
فرغم علاقات المودة والعطف التي جمعت في كثير من الاحيان المستخدِمين والمستخدَمين، الا أنّ معظم اللبنانيين لم يكن يقدمون لتلك الخادمات حقوقهن المتعارف عليها دولياً اما عن جهل وأما عن انانية، اكان من حيث خلق مناخ سليم لإقامتهن او من حيث ساعات العمل وايام العطل ومنعهن من الخروج من المنزل او احترام الخصوصية الشخصية والثقافية والدينية او من حيث حجز اوراقهن وجوازات السفر ومنعهن من امتلاك هاتف خلوي.
كما أن قلة قليلة من اللبنانيين كانت تمارس العنف المعنوي او الجسدي او الاستغلال او التحرش او الالتفاف على الحقوق المادية لهذه العاملات، وهذا ما زاد من تشويه صورة لبنان على هذا الصعيد.
في المقابل، كان اللبناني ايضاً عرضة في بعض الأحيان لأعمال عنفية من قبل الخادمات وصولاً الى حد القتل او الى عمليات سلب او فرار، ما قد يكبده خسائر مادية ومعنوية وحتى خسائر في الأرواح احياناً.
نظام الكفالة
كانت عملية استقدام عاملة للخدمة المنزلية التي تدرج ضمن “الفئة الرابعة” في وزارة العمل، تتضمن بعض الاوراق والمستندات الروتينية بالاضافة الى بوليصة تأمين وعقد عمل، لا يتضمن اي تنظيم دقيق للعلاقة بين صاحب العمل او العاملة او اي ضمانات لحقوقها وواجباتها.
لا بل كان صاحب العمل يتحكم بها عبر ادراجها على اسمه من دون اي حق لها بفسخ ذلك.
مع الاشارة الى انه في حال استقدام العاملة مباشرة من قبل صاحب العمل من دون المرور بمكتب استقدام، او في حال انتقالها الى كفيل ثانٍ بعد موافقة الكفيل الاول واجراء تنازل وقبول عند كاتب العدل، يتم وضع كفالة بقيمة مليون ونصف مليون ليرة لبنانية في مصرف الاسكان لمصلحة وزارة العمل. وقد عرف هذا الامر بـ “نظام الكفالة”.
وخلال حفل تسلم الوزير السابق كميل ابو سليمان حقيبة العمل في 5 شباط 2019، اعلن ان من ضمن اولوياته في الوزارة فرض التعامل مع اليد العاملة الاجنبية باحترام وانسانية، ما يعكس صورة لبنان الحضارية.
فسارع الى حمل لواء الغاء نظام الكفالة الذي وصفه مراراً بنظام العبودية، وشكّل فريق عمل لهذه الغاية يجمع بين القطاع العام والمنظمات الدولية المعنية والمنظمات غير الحكومية الفاعلة في هذا الاطار.
وضمّ الى جانب رؤساء المصالح المعنية في الوزارة ممثلين عن منظمة العمل الدولية ومنظمة العفو الدولية وجمعيات: كاريتاس، هيومن رايتس ووتش، كفى والمفكرة القانونية.
إلا أنّ قصر عمر حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة لم يسمح بانهاء فريق العمل مهمته، فحمّل ابو سليمان خليفته الوزيرة لميا يمين في حفل التسلم والتسليم في 24 كانون الثاني 2020 أمانة الغاء نظام الكفالة وانشاء عقد عمل موحد.
وفي 8 ايلول 2020، اصدرت يمين قراراً بعقد العمل الموحد الخاص بالعاملات الاجنبيات في الخدمة المنزلية، ويسجل لها اعتمادها مبدأ الحكم استمرارية اذ عمدت الى التعاون مع فريق العمل الذي كان موجوداً، ولم تعد الى نقطة الصفر كما اعتدنا في لبنان حيث كل وزير جديد يرمي عمل من سبقه والجهد والوقت الذي صرف وينطلق من جديد.
ولكن هل يمكن وصف العقد بالانجاز للبنان اولاً للوزيرين ابو سليمان ويمين؟ وما مدى قابليته للتطبيق على ارض الواقع؟ وهل من ثغرات في مضمونه؟
عقد العمل الموحد الخاص بالعاملات والعمال في الخدمة المنزلية
العقد يقوم بين الفريق الاول (صاحب العمل) والفريق الثاني ( عاملة /عامل في الخدمة المنزلية) ووكالة الاستقدام (إن وجد)، ويهدف الى تنظيم علاقة العمل بينهما وفقا للقوانين اللبنانية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان.
أ- من ابرز النقاط المترتبة على صاحب العمل:
* عدم تشغيل العاملة / العامل بمهام تؤدي إلى تحقيق مكاسب مالية شخصية او استخدامه في أي عمل أو مكان آخر يختلف عن مكان العمل الأساسي ( كان بعضهم يعمد الى تشغيل العاملة في منزله ومنازل الاهل وفي عمله اليومي ان كان صاحب فرن او مطعم على سبيل المثال).
* يتم دفع الأجر وفق آلية يتفق عليها الفريقان وبالعملة المتفق عليها ومن دون أي تأخير. على أن لا يقل عن الحد الأدنى الرسمي للأجور، محسوما منه نسبة التقديمات العينية التي يقوم بها صاحب العمل (بدل المأكل والسكن والملبس…) على أن تحدد نسبة الحسم من قبل وزارة العمل.
* تأمين غرفة خاصة منفصلة ومستوفية الشروط الصحية ومجهزة بقفل، يحوز الفريق الثاني مفتاحه وحده، تراعى فيها خصوصية العاملة.
* تأمين بيئة عمل لائقة وآمنة وصحية وظروف معيشية تتماشى مع الظروف الموجودة في المنزل.
* عدم حجز الفريق الثاني داخل المنزل بل احترام حقه بحرية التنقل والتواصل مع الآخرين وحق مغادرة المنزل والتصرف بحرية خلال العطل.
* احترام حق الفريق الثاني بممارسة شعائره الدينية والعادات الثقافية على أن لا يتعارض ذلك مع أوقات العمل المحددة وحرمة المنزل.
* ضمان حق العاملة / العامل في إجراء الاتصالات وفي امتلاك الهاتف المحمول، وبتلقي الاتصالات الهاتفية من أفراد أسرته على هاتف المنزل وبالوصول المجاني إلى الاتصال بالإنترنت ضمن الحدود المعقولة إذا كان ذلك متاحا.
* تأمين بوليصة تأمين تغطي الرعاية الصحية والحوادث وفقا لشروط وزارة العمل.
ب- من ابرز النقاط المترتبة على العاملة /العامل في الخدمة المنزلية:
* تأدية العمل على أفضل وجه وبتنفيذ التوجيهات الصادرة عن الفريق الأول بما يتوافق مع عقد العمل.
* الاحتفاظ بالوثائق بما في ذلك جواز السفر أو الهوية وإجازة العمل وجواز الإقامة وبطاقة التأمين، على أن يتحمل المسؤولية في حال فقدان هذه المستندات أو تعرضها للتلف. (في معظم الأحيان في السابق، كان صاحب العمل يحجز الأوراق وجواز السفر).
* احترام خصوصية وحرمة وسلامة المنزل.
ومن اهم البنود، انه يجوز للفريق الثاني فسخ العقد من دون إشعار في حال خرق الفريق الأول أي بند من بنوده.
كما حدد العقد الحد الأقصى لساعات العمل الأسبوعية بثمانية وأربعين ساعة وبمعدل ثماني ساعات يوميا، واي ساعات إضافية يدفع بدلا عنها بزيادة قدرها 50% عن الساعة العادية شرط أن لا تتجاوز ساعات العمل اليومية بعد الزيادة اثنتي عشرة ساعة.
ويستفيد الفريق الثاني من ساعة واحدة للراحة بعد كل خمس ساعات عمل متواصلة وكذلك من تسع ساعات راحة متواصلة ليلاً على الأقل، ومن فترة راحة أسبوعية لا تقل عن أربع وعشرين ساعة متواصلة، تحدد بالاتفاق مع الفريق الأول، وله خلالها حرية الخروج من المنزل.
كما يستفيد الفريق الثاني من إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة خمسة عشر يوما بعد مرور عام على بدء عمله، تصبح 18 يوما بعد مرور ثلاث سنوات من العمل.
كذلك يحق له الحصول على إجازة مرضية لمدة 15 يوما بأجر كامل و15 يوما بنصف أجر. وهو يستفيد سنويا من يومي عطلة تلبية لمتطلباته الثقافية والدينية والاجتماعية.
كما يحدد النص شروط فسخ العقد مع إشعار او من دونه من قبل الطرفين وكذلك كيفية توزيع تكلفة تذكرة العودة.
وفي حال حصول نزاع بين طرفي هذا العقد يمكن التقدم بشكوى إلى وزارة العمل أو التقدم بدعوى أمام مجلس العمل التحكيمي المختص.
طعن بالعقد امام مجلس شورى الدولة
اكد نقيب اصحاب مكاتب استقدام عملات المنازل في لبنان علي الأمين انهم مع حقوق العاملات بالمطلق، ومع تأمين حماية وظروف منصفة لهم، لكنه اعتبر في اتصال مع “أحوال” انه “تم التسرع بإطلاق العقد في فترة تصريف الاعمال من اجل اقراره في عهد الوزيرة لميا يمين، رغم ان الكثيرمن بنوده تحتاج الى اعادة صياغة دقيقة لقطع الطريق امام اي لغط او تفسيرات متضاربة”.
كما شدد على ان في العقد اجحافاً بحق اللبناني صاحب العمل وبحق مكاتب الاستقدام، واستطرد: “الإجحاف خصوصا في بند فسخ العمل اذ يعطي للعاملة الحق ساعة تريد ومن دون اي سبب او عذر او تعويض تجاه المكتب او صاحب العمل، رغم انها اتت الى لبنان بكامل ارادتها. نطالب ببند جزائي للردع في حل عدم توفر اسباب موجبة. نحن نعد طعناً بالعقد سنتقدم به الاسبوع المقبل امام مجلس شورى الدولة”.
وبالتزامن، بدأت تتصاعد في المقابل مواقف متخوفة او منددة بالعقد من قبل بعض المنظمات غير الحكومية المتابعة لملف العاملات الاجنبيات في الخدمة المنزلية، حيث شددت على عدم وجود آليات تطبيقية واضحة تراقب التنفيذ.
الكفالة باقية لا النظام… والعبرة في التنفيذ
بالطبع العقد الجديد خطوة حضارية وبالإمكان اعادة النظر فيه بناء على ما سيتظهر عند التطبيق على الأرض، الا ان ثمة اسئلة تطرح:
من سيضم ويراقب تنفيذ بنود العقد فلا يكون مصيره كالكثير من القوانين والنصوص التي بقيت حبراً على ورق؟
هل يكفي الاعتماد فقط على العاملات للتقدم بشكاوى في حال الإخلال به وهل تجرؤ العاملات على ذلك؟
العقد الجديد يلغي نظام الكفالة ولكنه لا يلغي وضع كفالة المليون ونصف مليون ليرة، فهل سيتم طرح تعديل قانوني في مجلس النواب لإلغائها ام سيتملص المجلس من ذلك كما يتهرب حتى اليوم من التصديق على الاتفاقية 189 الخاصة بالعمل اللائق، والتي صوت لمصلحتها لبنان حين أقرت بمؤتمر منظمة العمل الدولية عام 2011؟
وهل سيسهل التراجع الدراماتيكي لعدد العاملات في الخدمة المنزلية جراء الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعيشه لبنان، تطبيق العقد وتنظيم هذا القطاع؟
أرقام اعداد القادمات للمرة الاولى، وتجديد الاقامات ومجموع عدد العاملات السنوي أخر 4 سنوات في هذا الجدول وفق احصاءات وزارة العمل:
السنة | اول مرة | تجديد | مجموع |
2017 | 70856 | 118641 | 189497 |
2018 | 76570 | 129394 | 205964 |
2019 | 32953 | 149516 | 182469 |
2020 حتى 10 ايلول | 8735 | 73448 | 82183 |
جورج العاقوري