عصام يروي لـ”أحوال” تفاصيل 18 ساعة قضاها تحت أنقاض منزله في الجميزة
يقترب عصام على كرسيه النقّال ويطلب من ابن عمته مساعدته للسّير على قدميه. إنّها الساعة الثامنة مساءً والمكان شبه مهجور.
يقف عصام ويستعين بعكّازه ومن ثم يسير باتجاه الركام. يصل إلى المكان الذي غادره منذ أكثر من شهر، وهو منزله التي تحوّل الى أنقاض بسبب انفجار مرفأ بيروت.
إنّها المرة الأولى التي يزور فيها عصام مبنى العائلة الكائن في منطقة الجميزة. هذا المبنى المصنف تراثي ويتكون من ثلاثة طوابق لم يقاوم قوة الانفجار يوم الرابع من آب الماضي، فانهار على رؤوس قاطنيه لتنضم عائلة عطا الى لائحة العائلات المنكوبة جراء الانفجار.
مأساة كل ما للكلمة من معنى تعيشها العائلة التي نجا أفرادها بأعجوبة، رغم ذلك كان الموت من نصيب الابن الكبير عبدو الذي فارق الحياة بعد الانفجار.
يعيش في المبنى الذي يعود بناؤه الى العام ١٨٩٠، كل من عصام ووالديه وشقيقه عبدو، وشقيقته ايلين المتزوجة ولديها طفلة (٧ سنوات).
في ذلك اليوم المشؤوم، لم يكن متواجداً في المنزل سوى عبدو وصديقه وعصام، إضافةً الى العاملة الأثيوبية.
لحسن الحظ كان الوالدان متواجدين في الولايات المتحدة الأميركية، أما ايلين فكانت مع عائلتها في منزلها الصيفي.
قبل دقائق من الانفجار، خرج عبدو وصديقه ليلتقطا صوراً للحريق المندلع. لم يتصوّرا ان هذا الحريق يتبعه انفجار مدمّر، ليتحولان الى جثة هامدة فوق أنقاض المنزل.
أنقذت القدرة الالهية الخادمة التي كانت متواجدة في الطابق العلوي. أما عصام فنال النصيب الأكبر من الانفجار وبقي ١٨ ساعة تحت أنقاض منزله قبل إنقاذه.
بالعودة الى لحظة وصول عصام أمام أنقاض منزله، بعدما تغلّب على حزنه وقررذ تفقّد المكان.
السكوت هنا سيد الموقف. المكان مظلم وتفوح فيه رائحة التراب. يجلس عصام على كرسيه ويبدأ بمراقبة كل شيء. يصعب عليه استيعاب اللحظة و يحبس دموعه جتى أنّه لا يجرؤ على استعادة ذاكرته ليسرد ما حصل.
يتوقف عند لحظة سماعه لصوت غريب تلك اللحظة. لم يتوقع حينها أن يكون انفجاراً، بل سقوط سقف إحدى طوابق المبنى، باعتبار أنه قديمٌ. لحظات ووجد نفسه وسط الدمار. لم يفقد وعيه للحظة، ووجد نفسه عالقاً بين الأنقاض. هنا يبدأ عصام بسرد كل ما يتذكره .
” كانت من أصعب لحظات حياتي، انا على قيد الحياة لكن لا أعلم مصير أخي والعاملة الاثيوبية. طلبت النجدة وكنت أحاول الصراخ، دون أن يسمعني أحد.
بعد ساعة ونصف سمعت ابن عمتي ينادي باسمي ، فأجبته بصعوبة. بعدها سمع صوتي وحاول الاقتراب مني، الا انه لم يتمكن من رؤيتي الا بعد مرور خمس ساعات ونصف. حضرت عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني وعملت جاهدة من دون استمرار على رفع الركام من فوقي. كانوا يحاولون التحدث معي طوال الوقت كي لا اغيب عن الوعي كما احضروا لي بعض الاوكسيجين . وبعد مرور 18 ساعة استطاعوا انتشالي بصعوبة، وها انا اليوم على قيد الحياة، لكن لا اعلم ما مصير قدمي بعد تمزّق الاوتار”.
ينهي عصام الحديث عن تلك الليلة المشؤومة. ينظر الى منزله المنهار ويضحك ليبدأ بسرد قصة جديدة . هي قصة منزل العائلة والأجداد والطفولة.
منذ ثلاث سنوات قرّر العمل على ترميم المنزل بمفرده . لم يمرّ سوى بضعة ايام على انهائه قبل أن يحدث الانفجار. يشغل ضوء الهاتف ويطلب من ابن عمته مرافقته لتفقد بعض الأشياء. لا يبحث عن أغراض المنزل ولا يسأل عن أثاثه. كل ما يريده هو غرض واحد من رائحة اخيه الذي توفي.
يسأل احد المهندسين المتواجدين في المكان عن امل إعادة إعمار هذا المنزل. يبشّره الأخير ببعض الأمل. يتنفس الصعداء ويقنع نفسه بالشعور بالتفاؤل. لكن كيف ينتابه هذا الشعور بعد مرور أكثر من شهر على الانفجار والدولة لم تحرك ساكناً. إذاً، من سيعيد هذا المنزل التراثي إلى عائلة عطا، ومن يعوّض عليها حجم الخسارة؟
لا توجد أجوبة حتى الساعة. وحدها حجار المنزل بقيت لتشهد على الذكريات. هي الحجار نفسها التي تنتظر جمعها من جديد لإعادة الإعمار، وطبعاً بعد جمع التبرعات لذلك. وبانتظار هذه الخطوة ، يتوعّد عصام لأخيه الذي خسره ” سأعيد منزلنا أجمل ممّا كان”.
زينة برجاوي