تتشابه الأحداث اللبنانية بين الحاضر والماضي، في بلد لا يخلو فيه أيّ شهر من الأزمات أو “الأكشن” كما يرغب اللبنانيون تسميتها. فلا بدّ من مقارنة بين ما يحصل اليوم وما حصل في الأمس؛ ونعني هنا مرحلة 2005-2008 وإن كان ترتيبها مختلفاً:
- انفجار المرفأ بتاريخ 4 / 8 / 2020 – انفجار عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 / 2 / 2005، حيث تبعت الانفجارين مطالبات بتحقيق دولي.
- حرب مع إسرائيل في تموز 2006 – حرب مع الجماعات الإرهابية في الجرود في آب 2017 (خروج حزب الله منتصراً في الحربين)، وما تبع ذلك من أزمات سياسية واقتصادية في المرحلتين.
- انقسام في البلد نتج عنه فريقا 14 و ٨ أذار ومظاهرات وأحداث أمنية متنقّلة أودت إلى قتلى وجرحى نذكر منهم أحمد محمود (قُتل في أول أسبوع من مظاهرات ٨ آذار- كانون أول 2006 على طريق قصقص) إلى يوم “الثلاثاء الأسود” (23 / 1 / 2007 )، إلى أحداث جامعة بيروت العربية ( 25 / 1 2007) إلى أحداث مار مخايل (27 / 1 / 2008)، حيث قُتل أحمد حمزة – يقابل ذلك تظاهرات وأحداث أمنية متنقّلة في عدة مناطق عقب ثورة 17 تشرين 2019، من وسط بيروت إلى بربور، وقصص، وكورنيش المزرعة، وعين الرمانة، وبقاعاً بدءاً من برّ الياس إلى سعد نايل حتى تعلبايا، وطريق الجنوب من خلدة إلى الجية والناعمة وبرجا حتى صيدا، آخرها كان إشكالاً في خلدة قرب سنتر شبلي وسقوط ضحيتين ( عمر غصن وقتيل آخر من الجنسية السورية) بتاريخ 27 / 8 / 2020. وما زال صدى الإشكال ينتقّل حيث وصل يوم أمس الخميس إلى بيروت، إذ أغلق مناصرون لتيار المستقبل محلات تجارية لمواطنين من الطائفة الشيعية في مناطق نفوذهم في طريق الجديدة وعفيف الطيبة.
هذا التشابه ولّد خوفاً لدى الكثير من اللبنانيين من أن تكون نهايته شبيهة بتلك المرحلة، أي الإشتباك المسلّح بما يعرف ب ٧ آيار.
الصحافي والكاتب السياسي غسان جواد، وفي حديث ل “أحوال” يحصر التشابه في العناوين العامة، “ولكن بالتفاصيل فإنّ الإختلاف كبير جداً،” لافتاً إلى أنّ عام 2005 شهد هجوماً دولياً كبيراً على لبنان تتزعمّه الولايات المتحدة الأميركية، وإلى جانبها فرنسا ،”وما صدور القرار 1559 في أواخر ال 2004 باتفاق فرنسي أميركي إلاّ دليل على ذلك”. ويضيف، بينما اليوم بعد انفجار مرفأ بيروت، الموقف الفرنسي يساعد اللبنانيين على تجاوز الانقسام، ولمّ الشمل وإعادة تكوين السلطة. ويشير جواد أنّ فرنسا استطاعت التأثير على المزاج الأميركي، نافياً أيّة هجمة دولية منسّقة على لبنان “بل هناك سياسة أميركية ضد المقاومة”، استطاعت فرنسا لأسبابها العديدة، ومنها صراعها على المتوسط مع تركيا وروسيا تليين الموقف الأميركي وتحذير الأميركيين من انهيار لبنان يعني سقوطه بيد روسيا وإيران وتركيا. كل ذلك تكلّل في تعاون أطراف البلد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويؤكّد جواد أنّه لا يوجد فعلياً أوجه شبه مع مرحلة 2005 -2008، فتلك المرحلة كان عنوانها الانقسام الحاد، بينما اليوم العلاقة بين سعد الحريري وحزب الله جيدة وليست متوترة، معتبراً أن هناك أطرافاً متضرّرة من هذا التفاهم بين السنة والشيعة، وهي تحاول التحريض مذهبياً وطائفياً لإعادة إنتاج انقسام مرحلة عام 2005 . “وبالتالي نشاهد بعض الإشكالات، ولكنها فردية.”
ويرى جواد أنّ الضوء الأخضر الأميركي لماكرون ذات سقف زمني، وعليه بهذا الوقت خلق التوازن مع حزب الله ومع النفوذ الإيراني، حيث أنّ السياسة الأميركية أصبحت تعتمد على وكيل إقليمي يرعى مصالحه في المنطقة، دون أن يضطر إلى الدخول بنفسه في التفاصيل مذكراً بتوصيات لجنة (بيكر – هاميلتون) عام 2006 لافتاً إلى الدور الروسي في سوريا بالتفاهم مع الأميريكيين.
ويشدّد جواد على وجوب متابعة المبادرة الفرنسية وبنودها ونتائجها على الأرض، متمنياً أن تكون إيجابية.
تجدر الإشارة أنّ الفرق الجوهري بين 2020 و2005 -2008 هي الحقيقة الموجعة أن لا أحد مهتم بلبنان فعلياً، فلن يكون هناك دوحة، ولا شكراً قطر، إن لم يعالج اللبنانيون مشاكلهم بأنفسهم، ودرء الفتنة الكبرى التى قد تؤدّي إلى صراع مسلّح ينهي لبنان، وعلى كل الأطراف التنبه وإلاّ سيقف اللبنانيون على أطلال وطن يبكونه ندماً.
محمد شمس الدين