مباحثات فيينا تنهي جولتها الأولى حول الاتفاق النووي
اتفق المجتمعون في قاعة المؤتمرات في فيينا على عقد اجتماعين متزامنين لخبراء الدول الاعضاء في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي_ مجموعة E3 + 2 (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) وإيران، بهدف مواصلة المفاوضات حول الشؤون الفنية ذات الصلة بإلغاء الحظر النووي والقضايا النووية، ثم تسليم التقارير بشأن نتائج هذه المباحثات الى اللجنة المشتركة.
وانتهت الجولة الاولى من اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي الذي عُقد في عاصمة النمسا فيينا اليوم الثلاثاء، وجرى الاتفاق على مواصلة هذه المفاوضات على مستوى الخبراء، فيما يبذل كلا الجانبين ما في وسعهما للتحضير لمفاوضات دسمة على أرض فيينا.
وتواجه السياسة الخارجية الأميركية بعد توقف إدارة ترامب، تحديات عدّة، أبرزها الاتفاق النووي. من هنا، إدارة بايدن كانت حاضرة وراء الكواليس في فيينا، على الرغم من أنّهم لم يجتمعوا مباشرة مع نظرائهم الإيرانيين. لكن عملياً، كل عضو في جوهر الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن منغمس في تحقيق اتفاق إيران لعام 2015. حتى مدير وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرن، ربما حصل على وظيفته بسبب مدى معرفته بموجز مفاوضات إيران.
في المقلب الإيراني، هذه أيضًا فرصة حقيقية قد تكون الأخيرة لتقديم اقتراح بلادهم الواسع للمشاركة بشكل أفضل مع العالم الغربي، رغم أنّ إيران بدأت في تجاوز العقوبات، أو على الأقل إيجاد طريقة للتعايش معها؛ سيّما مع موقف صيني داعم تُوّج عبر توقيع البلدين مؤخرًا اتفاقية تجارية مهمة؛ رغم ذلك، قلّة هم الذين يستطيعون التظاهر بأنّ الضرر الناجم عن الضغط الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة لن يكون من الأفضل إزالته.
إلى ذلك، يواجه المعتدلون الإيرانيون برلمانًا أكثر تشددًا، وانتخابات رئاسية بعد شهور قد تفرض نهجًا أكثر صرامة ضد الغرب عبر الحكومة. من هنا، يتحتم العمل على خطة شاملة مشتركة_ أو كما يُعرف بالاتفاق النووي من الناحية الفنية- من جديد، وبسرعة، لزيادة نسبة المشاركة الانتخابية.
ما وراء المحادثات؟
اجتماع الثلاثاء للجنة المشتركة كان الأول منذ سبتمبر الماضي الذي التقى فيه المشاركون المتبقون في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (JCPOA)، أو الاتفاق النووي الإيراني. بينما اجتمعت الدول المشاركة والاتحاد الأوروبي على مدار الأشهر الستة الماضية عدة مرات لمناقشة القضايا المتعلقة بالاتفاق. ويُعد هذا الاجتماع علامة بارزة لأنّه يتضمن توافقاً واضحاً من قبل الجميع بشأن هدف استعادة الصفقة.
يأتي هذا التطور بعد أسابيع من المواقف العلنية والوساطة الأوروبية وراء الكواليس لمحاولة تحديد نهج الإيماءة الذي ستجمد فيه طهران، وربما تتراجع عن بعض التطورات النووية مقابل تخفيف محدود للعقوبات. كانت هناك مشاكل تتعلّق بالعملية وأسئلة حول ما إذا كانوا سيتفقون قبل أو في الاجتماع على الإيماءات التي سيتم تضمينها – والمضمون، حيث كان من الصعب تحديد مكان تقاطع المطالب الإيرانية مع سقف ما كانت الولايات المتحدة على استعداد لتقديمه.
وقال رئيس الوفد الإيراني في الاجتماع عباس عراقجي إنّ “رفع الحظر الاميركي عن إيران، هو بمثابة خطوة اولى وأكثرها ضرورة لإنعاش الاتفاق النووي”، مشدداً على “استعداد الجمهورية الاسلامية التام لوقف اجراءاتها التعويضية فور الغاء الحظر وبالشكل الذي يمكن التحقق من صحة ذلك.”
وقال منتقدون إنّ إنتاج إيران لمعدن اليورانيوم خطوة ضرورية نحو صنع قنبلة. لكنهم كانوا يصّنعون هذا المعدن من اليورانيوم منخفض الدرجة، لذا فإنّ الخطوة هي في الغالب عرض للقدرة التقنية التي يمتلكونها. ولقد ابتكر الإيرانيون الكثير من الرقائق لجلبها إلى طاولة المفاوضات – الكثير من الأشياء التي يمكنهم تقديمها أولاً، في مقابل التخفيف الأول للعقوبات الأميركية.
فإيران تفضل تخفيف العقوبات على امتلاك القنبلة، والولايات المتحدة تفضل إيران الأكثر ثراءً على إيران النووية، كلا الجانبين يفضل عدم خوض حرب.
اختلاف موقف إدارة بايدن عن موقف أوباما
يضم فريق بايدن العديد من أعضاء إدارة أوباما الذين أمضوا شخصيًا آلاف الساعات الجماعية في التفاوض على شروط خطة العمل الشاملة المشتركة وتنفيذها لاحقًا. لا يزال هؤلاء الأفراد يرون مزايا الصفقة، لكنهم يواجهون حقائق جيوسياسية مختلفة – بما في ذلك الحاجة الملّحة لخفض التصعيد الإقليمي في نقاط مضيئة متعددة في الشرق الأوسط، وتحالف أطلنطي ضعيف مع أوروبا، وعلاقة عدائية مع روسيا والصين. إلى ذلك، هناك جوقة صاخبة على نحو متزايد من الأصوات في واشنطن تضغط على إدارة بايدن لإيجاد طرق للاستفادة مما تعتبره “نفوذًا” مكتسبًا خلال عهد ترامب للحصول على المزيد من مكتسبات لواشنطن.
كانت إدارة بايدن، بما في ذلك الرئيس نفسه، تقول علنًا منذ شهور إنّ الولايات المتحدة وإيران بحاجة إلى العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة من أجل الحصول على الخطوة التأسيسية التي تمكّن من خلق مساحة للحوار حول قضايا أخرى. بمجرد حدوث ذلك، سيتعيّن عليهم التفكير في كيفية إشراك إيران ودول أخرى على نطاق أوسع في القضايا الأمنية مثل الانتشار المتزايد للصواريخ الباليستية في جميع أنحاء المنطقة.
الانتخابات الإيرانية المقبلة
الانتخابات القادمة في إيران هي بالفعل عامل رئيسي للمسؤولين الذين اجتمعوا في فيينا للنظر فيها. هناك قلق واضح من أنّه إذا تحركت هذه العملية إلى الأمام ببطء شديد ودخلنا في موقف يستغرق فيه تنفيذ الالتزامات المتبادلة وقتًا طويلاً، فإنّ استدامة العملية ستصبح موضع شك اعتمادًا على نتيجة الانتخابات.
الأمر الأكثر صلة بالانتخابات هو حقيقة أنّ الإدارة الإيرانية الحالية تتعرّض لضغوط من البرلمان، الذي أصدر قانونًا يلزم الحكومة بتوسيع أنشطتها النووية والحد من الرقابة عليها. بالإضافة إلى ذلك، دخلت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في اتفاق تعاون تقني مدته ثلاثة أشهر. ليس من الواضح تمامًا مقدار المساحة السياسية التي يتعيّن على الإدارة الإيرانية تمديدها لهذه الاتفاقية، لذلك سيكون من الأفضل وضع خطة العمل الشاملة المشتركة على المسار الصحيح في أقرب وقت ممكن.
بسبب هذه الضغوط، كان المسؤولون الإيرانيون يقولون بشكل خاص وعلني منذ أسابيع إنّهم يفضلون التحرّك بسرعة والعودة إلى التنفيذ الكامل للصفقة على الفور بدلاً من اتباع نهج تدريجي. إذ تشعر إيران بقوّة أن هذا هو أسهل طريق للمضي قدمًا، ربما من خلال تحديد “يوم تنفيذ” جديد يحتاج فيه الطرفان إلى الوفاء بالتزاماتهما الكاملة. بغض النظر عن مواقفهما المتطرفة إلى حد ما خلال الأسابيع القليلة الماضية، على الجانبين إظهار المرونة في كيفية تزامن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، لا سيّما بالنظر إلى الاعتبارات السياسية المحلية في واشنطن وطهران.
المصدر: وكالات