عندما تتحوّل الأمومة إلى “لعنة”.. أين الأمّهات العازبات من عيد الأم؟
“زانية”.. “رخيصة”.. “فاجرة”.. “عاهرة”.. “إبن حرام”… بهذه المصطلحات وغيرها الكثير، ينعت المجتمع المرأة العزباء وطفلها؛ هي صفات نابعة من نظرة مجتمع لا يرحم، يجرّم أمومة قبل وقتها أو ولادة خارج إطار الزواج.
المعادلة تشمل “الأم” و”الطفل” بغياب الطرف الثالث والأساسي وهو “الرجل”؛ هذا الأخير الذي أشبع شهوته ورحل دون حسيب أو رقيب، رافضًا الاعتراف بالطفل، على قاعدة “شو عرّفني هيدا إبني؟ ولو كنتِ شريفة ما كنتِ سلمتيني حالك”، و”يلّي بتعمل هالشي معي بتعملو مع غيري”…
هي حجج تُظهر ضعف “الذكر” المستعدّ لتشويه العلاقة الحميمة وتحويل الحبّ إلى “لعنة”، وما أثمر عن العلاقة إلى “معايرة بالشرف والأخلاق”، كي لا يتحمّل مسؤولية أفعاله، فهو “رجّال” يحّق له ما لا يحقّ للإمرأة، وغير مجبر على تبرير أفعاله، ولا يحقّ لأحد مساءلته.
هكذا يُربّى “الذكور” في مجتمعنا، متناسين أنّ “لا مفعول بدون فاعل”، إذ لا بدّ من شريك ثانٍ في هذا “الجرم”؛ إلا أنّه وبمنطق مجتمعنا “اللامنطقي الآثم”، العتب دائمًا على الإمرأة ولا ذنب للرجل!
لكن، أليست الرجولة بالمواقف وتحمّل المسؤولية؟ أليس “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”، وأليس “الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ”، فتوجّب عليه حمايتها ورعايتها؟ وإذا كان اسم “الزّانية” مقرون باسم “الزّاني”، فلماذا لا ينطبق هذا المبدأ في مجتمعنا؟ أم أنّ التأويل والاجتهادات في الآيات أصبح وسيلة للدفاع عن الرجل وتحصين النظام الأبوي الذكوري؟
مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!
تسرد الأم العزباء “م.ع” قصتها لـ”أحوال”، فتقول: “وُلدتُ في بيئة محافظة وتربيتُ ضمن عائلة متديّنة؛ كنتُ في الـ19 من عمري عندما أُغرمت بزميلي في الجامعة، كنا مجانين حينها وكان هو أوّل رجل في حياتي. عشنا علاقة كاملة كالزوجين، إلى أن اكتشفتُ ذات يوم أنني حامل، فأخبرته بالأمر لكنّه غضب مني وأنّبني لأنني لم أكن حذرة لتلافي الوصول إلى هذه المرحلة، فرفض الاعتراف بطفلنا متحججًا بأن لا دليل أنّ الولد ابنه، وهو غير مستعدّ لتحمّل مسؤولية كهذه، فوضعني أمام خيار واحد وهو إجهاض الطفل، لكنني رفضت، فتركني وسافر إلى الخارج ليكمل تعليمه”.
لم يكن أمام “م.ع” أي خيار سوى أن تخبر عائلتها بالأمر، إلا أن تلك الأخيرة لم تساندها، بل عاتبتها على فعلتها وتبرأت منها وطردتها من المنزل. بين ليلة وضحايا، وجدت “م.ع” نفسها مشرّدة على الطرقات، بلا سند، لا يرافقها سوى الشعور بالذنب والخوف والقلق.
“قضيتُ ثلاث ليالٍ نائمة على الطرقات وفي مداخل البنايات”، تتابع “م.ع”، “إلى أن انتقلتُ للعيش في منزل صديقتي التي حضنتني واهتمّت بي طيلة فترة الحمل، خصوصًا أنني تركتُ الدراسة هربًا من نظرات الناس والمجتمع، فلم أكن أجرؤ حتى على الخروج من المنزل كي لا أصادف أي من الجيران أو أكون مجبرة على تحمّل نظراتهم القاتلة”.
وتشرح “م.ع” لموقعنا أنها عملت بعد ولادتها كنادلة في أحد المطاعم بهدف تأمين لقمة العيش لها ولابنها، إلى أن زارها أخاها بعد 3 سنوات وعرض عليها تسجيل الطفل على اسمه، “وهذا ما حصل”، بحسب قولها، خاتمة حديثها بالإشارة إلى أن ابنها اليوم ووفقًا للدوائر الرسمية هو ابن شقيقها، كونه لا يحقّ للأم اللبنانية أن تمنح شهرتها أو جنسيتها لأولادها، وفي حال عدم تسجيل الطفل رسميًا، فكان هذا الأخير سيُعتبر “لقيطًا” وسيُحرم من حقوقه المدنية والسياسية.
“مريم ومتى” ملجأ الأمّهات العازبات في لبنان
يلفت رئيس جمعية “مريم ومتى” التي تُعنى بقضايا النساء، الأب عبدو أبوخليل لـ”أحوال” إلى أنّ الجمعية تستقبل حوالي 6 أمّهات عازبات في السنة، تتراوح أعمارهن ما بين الـ16 والـ30 عامًا، ومعظمهنّ حملن إمّا جراء ما يُسمّى بـ”سفاح القربى”، أي عندما يتعدّى أحد أقارب الفتاة عليها، كالخال أو العم، وإمّا نتيجة علاقة حب، “وبعض النساء كنّ مشردات على الطرقات، ولم يتزوجن زواجًا شرعيًا، فحملن بالطفل”، يقول أبوخليل.
ويضيف: “تستقبل الجمعية السيدات الحبالى وتعتني بهنّ طيلة فترة الحمل إلى حين الولادة، وبعد ذلك بعامَين أو ثلاثة أعوام، تقوم الجمعية بتهيئة النساء نفسيًا وجسديًا وتخضعهنّ لدورات تدريبية حول كيفية تربية الطفل والتعاطي معه، فتعيد تأهيلهن وتعلمهن بعض المهن الحرفية”.
من هنا، يشير الأب أبوخليل إلى أن الجمعية تحاول مصالحة الفتاة مع أهلها، كما تقوم بتسجيل الطفل على اسم والدته التي تتبع شهرة والدها -في حال كانت تجهل من هو أب ابنها، أو في حال عدم رغبتها بالافصاح عن هويته- “لذا يتم وضع إسم مستعار للأب”، بحسب قوله، مضيفًا: “أما إذا كشفت السيدة عن هوية والد الطفل، فتحاول الجمعية التواصل معه وإقناعه بالاعتراف بابنه، كما ترفع دعوة تلزمه بإجراء فحص الـDNA لإثبات أنه والد الطفل، وبالتالي تسجّل الأخير على اسمه”.
وانطلاقًا من ذلك، يشدّد الأب أبوخليل في حديثه لـ”أحوال” على أن الكنيسة ضدّ الإجهاض، لكن الفكر تطوّر، لذا فالكنيسة لا تُدين هؤلاء النساء بل تعتبرهن صاحبات مسؤولية لكونهنّ رفضن التخلّص من الطفل، فتقف إلى جانبهن وتدعمهنّ وتساعدهنّ لتأمين حياة كريمة لنّ ولابنهنّ، “كي لا يتم تصحيح الخطأ بخطأ أكبر”، بحسب تعبيره.
وبالمحصّلة، لا يزال موضوع الأمهات العازبات في لبنان ضمن “المحرّمات” أو “التابو” الذي يُمنع التحدّث عنه، فالمجتمع اللبناني، وللأسف، يتخبّط بتناقضات مخيفة، مادحًا “الزاني” وقادحًا “الزانية”، ما يفرض سن وتفعيل وتطبيق قوانين من شأنها وقف معاناة الأمهات وحمايتهنّ وإجبار الرجل على تحمّل مسؤوليته تجاه المرأة بشكل خاص، وتجاه المجتمع والقانون بشكل عام.
باولا عطية