هل تعود الاغتيالات السياسية إلى لبنان؟
اغتيال لقمان سليم ليس حلقةً دخيلةً على مسلسلٍ أمنيٍّ طويل عاشه لبنان وتستمر حلقاته بأحداث وفترات زمنية مختلفة. كثرٌ لم يسمعوا بسليم قبل واقعة اغتياله، ما يدلُّ على أنّه لم يكن ذا أثرٍ كبيرٍ سواء داخل البيئة الشيعية وحتّى خارجها، وليس في هذا تقليلٌ من قيمة الراحل، بل دليلٌ على أنّ حزب الله لم يضعه يومًا نصب عينيه، ولم يكن يومًا شوكةً في حلقه، ليترك كلّ الانشغالات الداخلية والخارجية ويفتح على نفسه وابل اتهاماتٍ فارغةٍ من كلّ شيء إلّا التّجني والحقد، لا وبل الخفّة في القراءة السياسية والأمنية.
توظيف الجريمة لأبعادٍ سياسيةٍ
مصادرُ مقرّبةٌ من حزب الله أفادت بأنّ الهدف من هذه الجريمة قد لا يكون سليم كشخصٍ أو كناشطٍ سياسيٍّ، بقدر ما أنّ الهدف هو توظيف الجريمة لأبعادٍ سياسيةٍ أوّلها توجيه أصابع الاتهام الدّاخلية والخارجية صوب الحزب، وهو ما حصل فعلًا رغم غياب أيّ دليل على ذلك.
وتتخوّف المصادر من عودة الاغتيالات السياسية إلى لبنان في تنفيذِ أجندة أميركية– إسرائيلية أخفقت في تحقيق مآربها من خلال السيناريوهات السابقة، فقررت العودة إلى استراتيجية الاغتيالات لتعميق حدّة الانقسام، هذه المرّة ليس بين 8 و14 آذار، بقدر ما أنّ الهدف هو الحشد والتجييش ضدّ حزب الله وبيئته، لينقسم اللّبنانيون إلى موالٍ للحزب ومعادٍ له، وما إن ترتفع أصوات المعادين الذين يستغلون المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي للاتّهام والاستنجاد بالخارج بعد أن فرغت منهم الساحات، حتى تنضم إليهم أصواتٌ خارجيةٌ هدفها النّيل من الحزب وسلاحه، على اعتبار أنّها الداعمة لحرية الشعوب والمدافعة عن الإنسان وحقّه في التّعبير عن آرائه، ولكن في الحقيقة تدافع عن آرائها هي، وسياساتها هي، علمًا أنّها هي نفسها تخنق شعبها وتضغط بركبتها البيضاء على عنقه الأسود، وترشّ بمياهها الأرستقراطية ستراته الصّفر.
هل يوضع ملف سليم في الأدراج؟
بعد اغتيال سليم وتأبينه، التعويل يبقى على عمل الأجهزة الأمنية والقضائية وقدرتها على كشف هويّة الفاعلين الحقيقيّين، ولكن السؤال اليوم: هل ستستطيع الأجهزة المعنية الوصول إلى حقائق وازنة في هذا الملف، أم أنّه سيوضع في الأدراج ككثير من الملفات التي بقيت من دون خواتيم ووُظّفت سياسيًا للإضرار بحزب الله وصِيته محليًّا ودوليًّا؟
فمن سلسلة الاغتيالات التي بدأت بمحاولة اغتيال مروان حمادة وصولًا إلى انفجار مرفأ بيروت، أخفق الأمن والقضاء اللّبنانيّين في الوصول إلى نتائج ومحاسبة المرتكبين، واليوم مع اغتيال لقمان سليم نجد أنّ شيئًا لم يتغيّر. التكتيك نفسه، والفشل الأمني نفسه، والهدف نفسه، كما أنّ المستفيد نفسه، وتشكيك اللّبنانيين بأجهزة الدولة وانعدام الثقة بفاعلية أيٍّ منها لا يتغيّر.
ولكن، ليسأل اللّبنانيّون أنفسهم: مَن المستفيد مِن إشعال أحداثٍ أمنيّةٍ يُتهم بها حزب الله تارةً، ويُقال أنّها تصيب لبنان بسبب الحزب وتدخلاته الخارجية في تارةٍ أخرى؟ هم يعتقدون أنّ الحزب كان الجهة الأكثر نفوذًا وارتياحًا في الداخل اللّبناني خلال الآونة الأخيرة… إذن لماذا سيلجأ الحزب إلى تغيير الستاتيكو الذي لم ينعم به من قبل بإحداثِ خضّاتٍ متتالية؟
للأسف، الواقع الأمني والأحداث الأمنية لا تختلف كثيرًا عن الواقعين الاقتصادي والسياسيّ. فالضغوطات الاقتصادية على لبنان، الهدف منها تقويض مصالح حزب الله، وشلّ دوره ضمن محور المقاومة، وخنق المجتمع اللّبناني ليلفظ الحزب بعيدًا. أما سياسيًا، فالمستهدف أيضًا حزب الله، فلو كان باستطاعة الرئيس المكلّف سعد الحريري أن يشكّل حكومةً لا تمثيل فيها للحزب، لتلقّت مساعيه كلّ الدعم الأميركي والخليجي.
الطّامة الكبرى ليست السياسات الخارجية المعادية للحزب، ولا الجرائم الاستخبارية والانقلابات الوهمية التي تديرها السفارات في لبنان، بل قصر نظر الكثيرين الذين يصدّقون كلام الشاشات وخطاب البيانات وأحيانًا دردشات مواقع التواصل الاجتماعي ويسمحون للأيادي الخفيّة أن تضع يدها على جراحهم اللّبنانية وتوظّفها، فكما قال مارتن لوثر كينغ: “ليس من شيء في العالم كلّه أخطر من الجهل الصادق والغباء حيّ الضمير”.
آلاء ترشيشي