المواطن والدولة… وكورونا
الضرورات المهنية تحول دون كتابة الشتائم كما هي، لكن يمكن للقارئ أن يختار ما يشاء من شتائم لكيلها للدولة ومؤسساتها بالنيابة عن الكاتب.
الدولة الفاسدة، الدولة الضعيفة، الدولة المشتتة، الدولة غير المسؤولة، الدولة التي تفتقد للحد الأدنى من الهيبة. هذا مسلّم به تسليماً مطلقاً؛ وهو ليس موضع نقاش من قريب أو بعيد. ومنعاً لسوء الفهم أو تقويل الكاتب ما لا ينوي قوله: “شتم الدولة أولاً هو تحصيل حاصل، ومسلّم به ولا غبار عليه”.
أمّا بعد؛ هل يمكن بعد الشتم الذي يريح الأعصاب المتوترة، الخوض – ثانياً – في نقاش جديّ ينطلق من كورونا إلى جميع أوبئتنا الأخرى؟ فهل نحن عملياً أمام شخصيتين معنويتين معنيتين بهذه الأزمة وكل الأزمات؟
- الدولة التي سبق القول إنّها فاسدة، مشتتة، غير مسؤولة، تفتقد للحد الأدنى من الهيبة.
- المواطن المسؤول، الواعي، الذي يدرك مصلحته ويحترمها، ويدرك مسؤوليته تجاه مجتمعه ويحترمها أيضاً.
لا يتعلّق الأمر بكورونا وحدها: علاقتنا كمجتمع بهذا المرض تشبه علاقتنا كمجتمع أيضاً بالمساحات العامة، بالبيئة، بمجاري المياه، بمخالفات البناء، بالفاشلين الذين نعاود انتخابهم، بـ”التشاطر” على أنواعه.
من يتحمّل مسؤولية أكبر: الدولة الفاسدة والفاشلة والعاجزة عن تحمل مسؤولياتها؟ أم المواطن المسؤول والواعي الذي يفترض أنّه يدرك مصلحته ويحترمها؟
لا أحد يمكن أن يجادل أو يدافع عن الدولة؛ هذه الدولة بشهادة الجميع، بما في ذلك الحكومات المتعاقبة نفسها، هي إدارة فاشلة بكل شيء؛ وهو ما يعرفه كل صغير وكبير خارج البلد وداخله.
لكن ماذا عن ذلك المواطن الذي يعي أنّ إدارة دولته فاشلة بكل شيء، ثم يتّكل عليها لحماية نفسه وعائلته؟ أين المنطق هنا؟!
يعرف المواطن أنّ كل ما يدفعه من ضرائب يذهب لسدّ تكلفة فاتورة الكهرباء، ويواصل مع ذلك المزايدة على نفسه بصرف الكهرباء بشكل جنونيّ.
يدرك المواطن أنّ المياه ستطوف في الطرقات، ويعلق هو وأسرته نتيجة رمي الأوساخ من نافذة السيارة، ويواصل مع ذلك رمي الأوساخ.
يعلم المواطن أنّ طمر النفايات قنبلة موقوتة، ومع ذلك يواصل إرسال نفاياته المنزلية للطمر، رغم أنّ الفرز سهل وممكن؛ فيما ثمة أكثر من معمل لإعادة التدوير في كل قضاء.
يتذمّر المواطن من البشاعة العمرانية، ثم يتفاخر بحصوله على رخصة بناء دون مواقف للسيارات، أو يلحق بجيرانه في “تسكير” الشرفات.
يعلم المواطن أنّ المصارف تاجرت بأمواله وخسرتها، ومع ذلك يواصل إقناع نفسه بأوهام مضحكة عن حتمية استعادته لأمواله… بالدولار؛
يتجاهل المواطن كل بلادة المجالس البلدية، حين يعود لينتخب، بناءً على انقسامات عشائرية عمرها عشرات السنوات.
يتناسى المواطن كل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عشية كل انتخابات نيابية، ليقترع على أساس طائفي وحزبي، فارغ من أي مضمون سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي.
يدرك المواطن المسؤول والواعي مصلحته ويحترمها، ثم يتّكل على دولة غير موجودة لتحميه من كورونا، فيما كل المطلوب منه كمامة وتباعد و تخفيف من حب الحياة خارج البيت.
كي تكون الدولة مسؤولة يجب أن يكون ثمة دولة؛ وهذا ما لا يشكّك به أحد. الدولة غير موجودة، هذا مسلّم به. عليه، كيف يمكن لأيّ عاقل التعويل على شيء غير موجود، ليحميه أو ليوقف الهدر أو لينقذه من فيضان الطرقات أو ليحاسب الفاسدين وغيره وغيره؟
وهي – أيّ الدولة – لا تدّعي بالمناسبة عكس ذلك. فهي لا تفوّت مناسبة إلاّ وتقول إنّها فاسدة ومشلولة ومشتتة وغير مسؤولة، وتفتقد للحد الأدنى من الهيبة؛ فيما المواطن الذي يحتفل بالشماتة بها لا يفوّت مناسبة، إلاّ ويخبرنا أنّه مسؤول وواعٍ، ويدرك مصلحته ويحترمها.
أين كان يحتفل هذا المواطن بالذات بالأعياد؟ كان ينتظر من الدولة التي يعرف أنّها غير موجودة أن تمنع السهر في المطاعم تحديداً أو في المنازل؟ كان ينتظر من الدولة التي يعرف أنّها غير موجودة أن تداهم بقواها الأمنية المنازل – منزلاً منزلاً – لوضع الكمامات للناس والمباعدة مترين بين الشقيق وشقيقه؟ أيّة دولة تحديداً!؟ تلك التي سُخر ليوم السخرية من قرارها بمنع الرقص، أو تلك التي نشتمها ليلاً ونهاراً؟ أو تلك التي لا تكاد تذكر كلمة “إقفال” حتى تنهال عليها الانتقادات؟
الدولة غير موجودة؛ “بأمركم”؛ لعنها الله ألف مرة ومرة. هذا أولاً…
وثانياً، قبل أن يخبر كل مواطن عمّا لم تفعله الدولة غير الموجودة له، عليه أن يخبر عمّا فعله هو لنفسه ومن ثم لهذه الدولة الموعودة.
غسان سعود