عيون حزب الله مفتوحة من الحدود إلى الدّاخل
بين هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية وتسليمه السلطة رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل، أسابيع “غامضة”، قد يكون مرورها هادئاً أو عاصفاً تبعا لـ”مزاج” ترامب، صاحب الشّخصيّة الغريبة الأطوار التي لا يمكن توقّع سلوكها، وبالتالي يبدو أنّ لبنان بدوره سيبقى مترنّحاً بين كل الاحتمالات حتى موعد التسليم والتسلّم في واشنطن.
وهناك في واشنطن من يطرح ضرورة تعديل النظام الانتخابي الأميركي، على قاعدة أنّه لا يصح لرئيس منتهية ولايته ومهزوم في الانتخابات أن يتّخذ قرارات أساسيّة ومصيريّة خلال فترة الشّهرين الفاصلة عن موعد التسليم والتسلّم، بحيث يفرض على الرئيس الجديد أمراً واقعاً.
والمتحمّسون لتعديل النّظام الانتخابي في الولايات المتحدة يشيرون إلى أنّه يجب حصر صلاحيات الرئيس الخاسر خلال الفترة التي تسبق مغادرته للسلطة، ضمن أضيق حدود تصريف الأعمال.
وتنقسم الآراء حيال ما يمكن أن يفعله دونالد ترامب وحليفه بنيامين نتنياهو في المرحلة الانتقالية إلى نوعين:
أصحاب الرأي الأول يعتبرون أنّ جريمة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، والضربات الإسرائيلية الأخيرة التي وجّهت رسائل نارية إلى طهران عبر صندوق البريد السوري، إنّما تؤشّر في توقيتها إلى أنّ ترامب ونتنياهو يستثمران الأسابيع الأخيرة من “الولاية المنتهية” لرفع منسوب التوتّر في المنطقة وفرض وقائع جديدة، بغية تحقيق هدف أساسي وهو منع الرئيس الجديد جو بايدن بعد استلامه السلطة من العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
ويفترض هؤلاء أنّ الاستفزازات التي تتعرّض لها الجمهوريّة الإسلاميّة ترمي إلى استدراجها للرد، حتى تنطلق منه الولايات المتحدة وتل أبيب، أو إحداهما، كذريعة لشن عدوان واسع أو محدود، وهذا ما يفسّر أن طهران تدرس حساباتها جيداً وتتفادى الانزلاق إلى رد انفعالي.
ويلفت المقتنعون بهذه المقاربة إلى أنّ إصرار ترامب، في الرّبع السّاعة الأخير من ولايته، على تحقيق التّقارب بين قطر والدول الخليجية التي كانت تحاصرها، يندرج ضمن محاولة تحسين شروط المواجهة مع إيران، وتجميع الصّفوف الخليجيّة ضدها.
هناك في المقابل رأي آخر يستبعد أصحابه اندلاع الحرب الواسعة عشية رحيل ترامب، ربطا بعاملين:
الأوّل، يتمثل في موازين القوى السائدة في الإقليم حيث أن محور المقاومة بكل اطرافه جاهز للمواجهة الشاملة التي قد يتحكم ببدايتها الأميركي والإسرائيلي ولكنّهما لن يستطيعا التحكم بنهايتها. والثاني، يكمن في صعوبة أن يتّخذ ترامب مثل هذا القرار الكبير الذي سيرتب تداعيات اقليمية ودوليّة فيما هو يوضّب حقائبه ويستعد للرحيل، ولو أراد أن يشنّ الحرب لكان قد فعلها قبيل الانتخابات لتحسين شروط فوزه فيها وليس بعد خسارته لها.
أمّا نتنياهو فهو يحسب ألف حساب لجهوزيّة المقاومة التي باتت مستعدة لمواجهة أسوأ الاحتمالات على الجبهة الجنوبيّة، وتخفي في جعبتها مفاجآت مدوية لجيش الاحتلال، ولذا فإنّ أي عدوان إسرائيلي على لبنان لن يكون نزهة، وصنّاع القرار في تل أبيب يعرفون هذه الحقيقة ويعترفون ضمناً بها.
ويضاف إلى ذلك أنّ الازمات الداخلية التي تواجه نتنياهو لا تمنحه ترف خوض مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج إلا إذا أراد أن يهرب إلى الأمام ويعالج مشكلاته بمشكلة أكبر.
وبمعزل عمّا إذا كانت كفّة وقوع الحرب هي الرّاجحة أم لا، يحرص حزب الله على أن يبقى متيقّظاً جداً في الميدان من الحدود إلى الدّاخل، وهو على الرغم من استبعاده بموجب التحليل السياسي فرضية نشوب حرب شاملة، إلا أنّه يأخذ في الحسبان أنّ نتنياهو وترامب قد يرتكبان حماقة ويندفعان إلى مغامرة غير محسوبة، وبالتالي فإنّ قواه العسكريّة، خصوصاً في الجنوب، مستنفرة خلال هذه المرحلة لمواجهة كل الاحتمالات، ولكن هذا الاستنفار ليس ظاهراً تجنباً لإحداث أي بلبلة أو قلق في البلدات الجنوبية.
كذلك يتخذ الحزب في مناطق نفوذه تدابير احترازية مدروسة، بلا صخب، وتتولى عناصر منه الحراسة والمراقبة خصوصاً في الليل، على وقع تحذيرات أمنية رسمية من إمكان حدوث اغتيالات أو عمل إرهابي في هذه الفترة المثقلة بكل أنواع التحدّيات والمشرّعة على الرّياح الحارّة.
عماد مرمل