“أحوال” يكشف عن حالة تأجير رحم في لبنان.. بعد تجاري أم إنساني؟
يطالعنا في صفحات مواقع التّواصل الاجتماعي إعلان إنسانيّ غريب، يهزّ الكيان البشريّ ويشلّ عضلة العلاقة الزوجيّة المهدّدة بالانهيار بسبب عدم قدرة الزّوجة على الإنجاب، هذا الإعلان يأتي على الشّكل التّالي: (لدينا أرحام للإيجار بأسعار مغرية.)
الإعلان بحد ذاته يدعو إلى طرح علامات استفهام في زمن التّكنولوجيا، حيث بات بإمكان كل إمراة عاقر إنجاب طفل يلهو ويلعب في بيتها قادم من رحمٍ غير رحمها، عبر تقنيّة طبيّة علميّة.
فهل أصبحت مشاعر الأمومة معلّبة وجاهزة للتّصدير؟ وكيف يمكن للأمّ البديلة التّخلي عن فلذة كبدها بهذه السّهولة؟
جيهان تروي قصتها: إنجاب بلا حمل
جيهان سيدة لبنانية ( 33 سنة)، أقدمت على تأجير رحمها لإمرأة تعيش في الجزائر مقابل 90 ألف دولار. وتروي جيهان قصّتها بحزن شديد، وتقول لـ “أحوال”: انفصالي عن زوجي جعلني بلا مأوىً ولا مالاً، اضطررت للبقاء في بيت أختي لستّة أشهر قبل أن أقرّر بيع رحمي وشراء منزل أعيش تحت سقفه.
وتقول، فيما كنت أبحث عن عمل عبر الإنترنت، استوقفني إعلان على إحدى المواقع الكترونية يروّج لفكرة تأجير الأرحام، اتصلت بالرقم الموجود، واتفقت معهم على كل التفاصيل والشروط، وفعلاً بعت رحمي لسيدة لا تربطني بها أي صلة أو معرفة.
وتتابع، قراري لم يكن سهلاً؛ و تحرّكت مشاعر الأمومة بداخلي أثناء وجود الجنين في أحشائي، وصلت إلى مرحلة الانهيار خصوصاً لحظة المخاض، عندما حملت “إبني” شعرت أنني عاجزة عن التّخلي عنه، لكن لم يكن لدي قرار سوى الاستسلام للواقع والاتفاق.
وتردف بحسرة، حصلت على المال وتحسنت ظروفي، لكنني خسرت شيئاً بداخلي، لا أستطيع تفسيره. أشعر بذنب ينهش جسدي، فأنا من قرّرت التّخلي عن إبني وقمت بخطوة لا إنسانيّة.
قصة جيهان ما هي إلّا نموذج عن حالات خاضت تجارب مماثلة، غالباً ما تترك آثاراً سلبية على “الأمّ البديلة”. فكيف تتمّ عمليّة تأجير الرّحم؟ وماذا عن الشّروط التي يجب توافرها لدى الأمّ البديلة؟ وأي مخاطر صحّية يمكن أن تترتّب على ذلك؟
الرأي الطبي
الدكتور جهاد عزّ الدين، الأخصائي في الجراحة النّسائية والتّوليد والعقم في مستشفى كليمنصو الطبي في لبنان، يوضح أنّ السّبب الرّئيسي للّجوء إلى عمليّة تأجير الأرحام هو فقدان المرأة رحمها، أو بسبب مشكلات خلقيّة يشخّصها الأطباء في الرحم، كأن يكون حجمه صغيراً أو فيه تشوّه، ما يجعلها غير قادرة على حمل الجنين بشكل طبيعي، فتتجهه نحو إيجاد حل عملي للمشكلة من خلال رحم بديل لدى امرأة أخرى.
ويتابع، على الأمّ البديلة أن تكون شابّة، وتخضع لفحوصات طبّية للتّأكد من سلامة صحّتها، كي يتمّ الحمل بشكله الطبيعي. وليس بالضّرورة أن تكون قد أنجبت من قبل للقيام بهذه الخطوة.
ويضيف، يتمّ تلقيح بويضة المرأة التي يُراد علاجها بحيوان منوي من زوجها، حتى تصير مضغة مخلقة، ثم تنقل أو تزرع في رحم امرأة أخرى لتكون حاضنة أو حاملة لهذه المضغة المخلقة، حتى تكمل مدّة حملها.
ويؤكد عزّ الدين أن “الأمّ البديلة” التي تأجّر رحمها تكون كأي إمرأة حامل، يمكنها ممارسة حياتها بشكل طبيعي، مشيراً إلى أنّ تأجير الأرحام لا يعرّض الأم البديلة لمخاطر صحيّة، لكن من شأنه أن يؤثر على نفسيّتها بسبب استغنائها عن الجنين فور وضعه.
تأجير الأرحام بين الأديان السماوية والقانون
دينياً، مسألة تأجير الأرحام من المسائل التي حُسم فيها النّقاش بين علماء الدّين لإجماعهم على تحريمها. ويقول الشيخ وسيم المزوّق، تأجير الأرحام حرام في الإسلام بسبب اختلاط الأنساب، والشريعة الإسلامية أمرت بحفظ خمس أمور هي “الكليات الخمس” (الدين، النفس، العقل، النسب والمال) واستناداً لها تحرّم عملية تأجير الأرحام.
ويضيف، العمليّة لا تجوز حتى ولو كانت المرأة قريبة أو زوجة ثانية، شارحاً تداعياتها على المرأة المنجبة، إذ تظهر لديها علامات النّزاع على الطّفل الذي ولد في أحشائها، وأُخذ منها فور الولادة.
بدوره، يوضح الأبّ بشارة الخوري أنّ الكنيسة ترفض بشدة هذا الموضوع لتنافيه مع مبدأ الأمومة وتعتبره عمل غير أخلاقي. ويردف، الكنيسة تركّز على احترام الطّبيعة البشريّة. فالطبّ وُجد لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الإنسان، لا لإدخال تعقيدات على حياته.
قانونياً، في حين يمنع القانون اللّبناني تجارة وعمليات تأجير الأرحام، تؤكد المحاميّة نجاة عليوان مناصفي، أنّ القانون لا ينصّ على أي مادة تجرّم استئجار الأرحام، رغم رفضه لهذه الممارسات نظراً لخطورتها وللمشاكل الناتجة عنها. إذ يترتب عليها أمور كثيرة منها اختلاط الأنساب، وعدم وجود علاقة شرعية بين صاحبة الرّحم والرّجل صاحب السّائل المنوي، ما يقتضي القول بعدم مشروعيّة هذا الحمل.
وتضيف، قد يعتبر القانون أنّ هذه الفكرة تفتح الباب للاتجار بالأطفال وسرقتهم، وانتهاز النّساء خصوصاً الفقيرات والمعدمات منهنّ ، وإن أي جرم ينص عليه قانون العقوبات اللّبناني تنطبق عليه هذه الحالة.
أمومة مسلوبة
وفيما يخصّ الجانب النفسي، تؤكّد المعالجة النّفسية في مركز CPRM ميسون حمزة وجود هذه الظّاهرة في لبنان، لكنّها تجري في الخفاء بعيداً عن الأنظار لأسباب اجتماعيّة وقانونيّة وأخلاقيّة ودينيّة. وتشير إلى أن أول دولة أقدمت على تبني وقوننة هذه الفكرة كانت كندا تلتها بريطانيا، لأهداف إنسانيّة لا تجاريّة.
وتقول حمزة، من شأن هذه الظّاهرة أن تضع الطّفل في أجواء سلبيّة تنعكس على مرافق حياته النّفسية والعمليّة والاجتماعيّة، خصوصاً إن تعرّض للنّبذ من أبويه البيولوجيين أو التنمر من مجتمعه؛ ويكون هنا الطّفل أكثر عرضةً لاكتئاب ما بعد الصّدمة حين يكتشف أنه لم يخرج من رحم المرأة التي عُنيت بتربيته طيلة حياته.
أما بالنّسبة للأمّ البديلة، فقد تحكمها مشاعر بالذّنب قد تتطور لتترك انعكاسات سلبية على علاقتها بالمحيط، بالإضافة إلى تحوّلها لإمرأة شديدة الاكتئاب تعاني من حالة انفصام أو من التّفكير بالانتحار.
وفيما يخص الأبوين البيولوجيين، يمكن أن يتعرضا للنّبذ من العائلة، أو لنزاعات قضائيّة خصوصاً بالمواريث مما يؤثر سلبًا على صحّتهما النفسية.
ناديا الحلاق