مجتمع

بسام “مش ملحّق شغل”.. فقير في خدمة الفقراء

عند نهاية ساحة سوق الخضار في مدينة عاليه تحول حانوتٌ صغير الى مقصد عدد كبير من أبناء المدينة وقرى الجوار، حانوت بالكاد يتسع لشخصين يحتشد أمامه يومياً المواطنين لتسلم وتسليم أغراضهم الشخصية بعد تصليحها وترميمها من قبل “المعلم” بسام.

بلهجة أهالي حلب يرد “المعلم” بسام على زبائنه باختصار، هو المشغول باستمرار في تصليح الأحذية والجزادين والشنط المدرسية، لكن حين تسأله عن المهنة يستفيض ويترك ماكينة “الدرز” ليشرح لك عن هذه “الهواية الرائعة”.

هو السوري الأرمني، من أبناء “حلب الشهباء هي وطني الأول والأخير كما كل من يقطن هذه المدينة رغم أني حديثاً سجلت انتمائي للفديرالية الأرمنية في لبنان”. ويقطع حديثه فجأةً ليعرف عن “كمال، صديقي وشريكي، الرجل اللبناني الشهم الراكض خلف لقمة الحلال ونحن معاً في تلبية طلبات الزبائن”.

لا يطول الحديث قبل توقف سيارة “موديل السنة” أمامنا وتخرج السيدة متأبطةً أكياس ملأى بالأحذية والشنط لتصليحها. ومن الحديث الودي معها تبدو زبونة دائمة للمحل وأخذت تشتكي “عنف” أولادها مع أحذيتهم وشنطهم المدرسية واضطرارها للعودة الى الصديقين لإنقاذي من شراء “الجديد الغالي” اليوم.

يشرح كمال أهمية هذه المصلحة للناس “زبائننا من كل الطبقات الإجتماعية “شغلنا نظيف” وأسعارنا مدروسة ونعمل طيلة أيام الأسبوع بما فيها الآحاد والأعياد” ويضيف “نحن نقارن الأجر الذي نتقاضاه مع أماكن أخرى ونعمل على تخفيض الرقم قدر الإمكان” فيقاطعه بسام بنبرة حادة “الناس ما بقت تحمل”.

وعن المواد المستخدمة في العمل يقول بسام “في التصليح لا نحتاج الكثير الا من بعض الخيطان وقطع من الجلد والسحابات، وهذه معظمها مستوردة ولكنها تبقى أوفر من شراء القطع الجديدة وهي تُحسب بالدولار كونها مستوردة”.

وعن الكلفة يسارع للقول أنها “تبقى ضمن المعقول من بضعة ألوف ولا يمكن أن تتجاوز المئة ألف بأصعب التصليحات وأكبرها”.

يقطع علينا شاب الحديث وقد خلع حذاءه وبقي رافعاً ساقه “بشرفك حبيب القلب “قبع” الكعب ساويلي ياه عندي مقابلة ولازم كون مرتب ودعيلي أتوفق” فيسارع الى إصلاحه بدقائق ويرفض الأجرة “لعلها تكون فأل خير عليك قبل المقابلة” رغم إصرار الشاب وحلفه “يمين معظمة” عاد وتقاضى منه ألف ليرة فقط لـ”فك اليمين”.

وعن مستقبل المهنة يقول بسام “منذ عامين كانت المهنة بحكم الزائلة، الصناعات الصينية والتركية اجتاحت السوق اللبناني بأسعار رخيصة فلم تعد المهنة ذات قيمة وابتعدت الناس عن التصليح، أما اليوم ومع الانهيار الاقتصادي أضحت ضرورية خاصةً للعائلات وزبائننا من كل الفئات يعني أهمية ما نقوم به خدمة لا تُقدر بثمن وسنعمل على توسيع “المصلحة” وتطوير الماكينات لخدمة أوسع شريحة ممكنة” ويضيف “اليوم نقوم بإصلاح الأحذية والشنط المدرسية والجزادين فما المانع من أن نقوم بتصنيع هذه الأحذية والشنط على نطاقٍ ضيق في البداية”.

ولا تكتمل الجلسة الا بعد تدخل كمال شارحاً وضع بسام إبن حلب “الذي جاء الى هنا منذ سنوات ليعمل ويعيل عائلته وهو من يتكفل بأطفال أيتام فقدوا معيلهم في الحرب السورية، لا تعنيه الأموال بقدر ما تخدم هدفه العيش بكرامة” ومع تنهيدة عميقة يقول “فقير يساند فقراء ويقدم لنا درساً بالأخلاق والمحبة والعطاء”.

عامر ملاعب

عامر ملاعب

كاتب وصحافي لبناني، يحمل شهادة الدبلوم في التاريخ من الجامعة اللبنانية، عمل في صحيفتي الأخبار والحياة. أعد وقدم برامج في قناة الثبات الفضائية، وإذاعة صوت الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى