سياسة

توازنات البرلمان الجديد تفتح مسار الفراغ الحكومي ورئاسة الجمهورية

أكثرية نيابية "سعودية" مع جنبلاط بمواجهة "فيتو" حزب الله المعطل!

مع نهاية “صدمة” و”سكرة” الانتخابات النيابية وقراءة النتائج والتوازنات السياسية وتوزيع أنصبة الأرباح والخسارة على القوى المتصارعة، تتجه الأنظار إلى مصير الاستحقاقات المتتالية بدءاً برئاسة مجلس النواب والمطبخ التشريعي مروراً باستحقاقي التكليف وتأليف حكومة جديدة، وصولاً الى استحقاق رئاسة الجمهورية وما بينهم من استحقاقات اقتصادية ومالية ونفطية وسيادية داهمة.

بيد أن التوازنات النيابية في المجلس العتيد ستفرض نفسها على مسار الاستحقاقات المتعددة، ما يفتح الباب على احتمالات عدة منها تعطيل عمل المؤسسة الأم ومصدر السلطات أي مجلس النواب وبالتالي تشريع الأبواب على الفراغ في السلطة التنفيذية وفي رئاسة الجمهورية في تشرين المقبل. ما يأخذ البلد الى الفراغ الكامل وتسريع الانهيار الاقتصادي والمالي والفوضى الاجتماعية – الأمنية الشاملة.

فما هي انعكاسات الخريطة السياسية للمجلس الجديد على الاستحقاقات الدستورية المقبلة؟ وهل سيؤدي تشظي وتفتت الأكثريات في المجلس السابق الى أكثريات معطلة وهزيلة وأقليات وازنة و”بيضة قبان” الى تجميد عمل المجلس وتشكيل المؤسسات الأخرى وإعادة تكوين السلطة؟

أولى المعارك السياسية التي ستشكل معالم المرحلة المقبلة وتكشف موقف القوى السياسية القديمة والجديدة، هو انتخاب رئيس للمجلس النيابي ونائب رئيس والمطبخ التشريعي. ففي قراءة لخريطة تشكيلات المجلس والتحالفات الأولية، تظهر عجز تحالف حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وقوى “المجتمع المدني” عن انتخاب مرشح غير بري لغياب مرشح شيعي آخر.
لكن بإمكان هذا الفريق إن تقاطعت مصلحته مع تكتل “البنان القوي” أن يعطلوا نصاب انعقاد جلسة الانتخاب الذي يتطلب أكثرية 65 نائباً، إذ يحتاج الانتخاب في الدورة الأولى إلى الأكثرية المطلقة وإلى الأكثرية النسبية في الدورة الثالثة وما فوق.

لكن مصادر مطلعة على المشاورات في الكواليس السياسية لـ”احوال” تشير الى أن استحقاق رئاسة المجلس دونه عقبات لكنه سيمر في نهاية المطاف، كونه فاتحة بقية الاستحقاقات المقبلة لا سيما الاستحقاق الحكومي، وجميع الأطراف الداخلية والخارجية ملزمة بإنجازه، عبر تسوية “الثنائي الشيعي” مع “القوات” أو “التيار الوطني الحر أو مع “قوى التغيير” والمستقلين تشمل رئاسة البرلمان ونائبه وهيئة مكتب المجلس واللجان النيابية.

وإن حالف بري الحظ بغياب مرشح شيعي منافس وحاجة جميع القوى لانتخاب رئيس للمجلس للتسلل الى بقية الاستحقاقات، وموقف رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الداعم للتصويت لبري، لكن رياح الاستحقاق الحكومي لن تجري وفق ما تشتهي سفن القوى السياسية، كون التوازن النيابي الجديد سيقفل باب استحقاق تكليف رئيس للحكومة بإحكام، حتى تكوين أكثرية وازنة من الأكثريات الضعيفة والأقليات المتعددة، وهذا ليس بالأمر اليسير في ظل تناقض المصالح وتضارب التوجهات، إذ يمكن لفريق “القوات” و”الكتائب” وقوى “المجتمع المدني” (إن تأطرت بتكتل واحد) مع قوى مستقلة أن تكون “أكثرية معطلة” لتكليف رئيس للحكومة وتأليف حكومة، إما من خلال مقاطعة الاستشارات النيابية في بعبدا أو عدم المشاركة في الحكومة أو بحجب الثقة عن أي حكومة جديدة قد يتمكن فريق “الثنائي” و”لبنان القوي” وحلفائهما وقوى “تغييرية” و”مستقلة” من تأليفها بالتعاون مع كتلة “اللقاء الديمقراطي”، وفي المقابل يمكن لفريق “القوات” و”الكتائب” والمجتمع المدني مع “الكتلة الجنبلاطية” تكوين أكثرية نيابية قد تتجاوز الـ60 نائباً، لكن يمتلك تحالف “الثنائي” و”التيار” والقوى الحليفة لهم “فيتو” لتعطيل أي توجه من الفريق الآخر لفرض رئيس حكومة كالسفير نواف سلام على سبيل المثال، عبر أسلحة دستورية وميثاقية وسياسية:

-ثُلث مجلس النواب
-توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تأليف الحكومة
-الميثاقية الشيعية
-الحضور السياسي والشعبي الوازن لـ”الثنائي” والحلفاء و”التيار الوطني الحر”

وإزاء تعذّر حكومة الأكثرية وحكومة “التكنوقراط” التي نعاها النائب جبران باسيل يبقى خياران:

-تسوية بين ائتلاف أكثريات وأقليات غير متجانسة في حكومة شراكة
-فراغ حكومي طويل قد يُمد بعمر حكومة نجيب ميقاتي الى تشرين المقبل موعد انتخابات رئاسة الجمهورية

وقد بشر مساعد وزير الخارجية الاميركية السابق ديفيد هيل منذ أيام بشبح الفراغ الحكومي الطويل.

وحتى لو تألفت حكومة شراكة بجهود خارجية – وفرنسية تحديداً، سيكون التعطيل سِمة المرحلة أكان في المجلس النيابي أو في مجلس الوزراء لوجود مجموعة “تكتلات” غير متآلفة مع تزايد احتمال حصول استقالات وزارية في صفوف المعارضة وتحريك الشارع في وجه الحكومة.

كما أن المجلس النيابي قد يتحول الى ساحة لتصفية حسابات سياسية واستعراض القوى واطلاق الخطابات الشعبوية وخلافات بالجملة على مشاريع واقتراحات القوانين وعلى السياسات الخارجية، ستشهد طاولة الحكومة أيضاً موجات من الخلاف على الاستحقاقات السيادية والمالية والاقتصادية والعلاقات الخارجية وموقع لبنان في الإقليم.

ويمكن إسقاط خريطة التوازنات النيابية الجديدة وطبيعة الصراعات الداخلية والخارجية والفرز السياسي المتوقع، على استحقاق رئاسة الجمهورية مع تزايد احتمالات وقوع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، إن لم تحصل تسوية خارجية تنقذ بعبدا من آتون الفراغ.. فمقابل عجز الأكثريتين الضعيفتين: “الثنائي” و”التيار” والحلفاء من جهة، و”القوات” و”الكتائب” و”قوى التغيير” من جهة ثانية، عن فرض انتخاب رئيس للجمهورية، فالقصر الجمهوري سيبقى أسير استئثار الأكثريات وتحالف الأقليات الذي يمكنه تعطيل نصاب انعقاد جلسة انتخاب الرئيس، مع تحول كتلة “جنبلاط” الى “بيضة قبان” الاستحقاقات من دون منازع.

ثمة من يعتقد أن السعودية تمكنت من إقفال “بيت الوسط” وإحالة “آل الحريري” الى التقاعد السياسي المبكر، وتمكنها مع الأميركيين من انتزاع الأكثرية النيابية المؤلفة من “القوات” و”الكتائب” و”اللقاء الديمقراطي” وأغلبية قوى “المجتمع المدني” والمستقلين”، مقابل إشارة آخرين إلى “التوازن الخفي” الذي استطاع حزب الله فرضه في الانتخابات هو الـ “فيتو” الذي يُسقط كافة القرارات في مجلسي النواب والوزراء التي تتطلب ثُلثي الانعقاد أو التقرير (التصويت)، في القضايا الاستراتيجية الكبرى التي تمس سلاح المقاومة ودورها وأمنها والسلم الأهلي والأمن القومي والوطني والاجتماعي وحماية الثروات السيادية ورفض التوطين والتقسيم ودمج النازحين، مع ترك الباب للخلاف على بقية الملفات على “القطعة”.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى