ميديا وفنون

“ع إسمك” مغامرة من نوع آخر حيث لا يجرؤ صنّاع الدراما

في وطن الوجع والفجع واللقمة الهاربة والطرقات العائمة، في زمن الأعياد والبيوت الخاوية والمحلات المقفرة. في الأيام الظالمة والأمسيات المظلمة. يطل علينا عمل فني درامي يبحر فينا نحو الانتظار، ونحن لم نعد ننتظر سوى رحمة الخلاص. نعيش حال أبطال وهم يعيشون حالنا. نتقاسم الوقت معهم بكاءً وضحكاً، أملاً وكأساً نشربه فوق تلال أحزاننا.

“ع اسمك” دراما واقعية كتبتها كلوديا مارشليان بالكثير من التحدي متطرقة الى موضوع شائك، فتاة مهددة بسرطان الرحم تختار الحمل وهي عزباء لتختبر ثمرة جسدها وأمومتها قبل أن يفتك بها العقم.

كارين رزق الله “جود” تلبس وجه الوجوم وترحل من حياة العز والمال الى عاملة تنظيفات في مدرسة الأخلاق الطيبة، وتربي أبنتها بعيداً عن أهل يستعرّون منها.

كارين التي تدرجت كشرنقة احتضتها الكوميديا ثم طارت فراشة وغزلت حرائر أعمالها الدرامية بالكثير من الحس والحرفية.

تتسربل جود بمعطف واحد يلف كل حرمانها وفقرها ووحدتها. معطف هو حصانتها في زمن البرد وزمن النكران وزمن القلّة. وعندما تخلعه مساء تعود الى عزلتها القاتلة ومصيرها القاتم، تعاقر الخمر وتحتفل بحزنها. كارين حتى هذه اللحظة تلبس وجهاً واحداً هو الأسى وتحكي بنبرة واحدة حادة وقاطعة فيها من التمرّد الكثير ومن الحزن أكثر.

تحمل كارين نص كلوديا وتشرّحه على طريقتها المعهودة بالتحدي وجمع التناقضات :”البلد يلي عايشين فيه ما صدمكم، الفساد الوساخة ،الجرائم، الزبالة السرقات ما صدمتكم. بس خبرية بنتي يلي صدمتكم. بيّك العظيم مدير المدرسة ما صدمته العيل المفككة والاولاد يلي  بيجوا ملبعين من بياتهم … بس خبرية بنتي صدمته..”.

هذا هو إيقاع نص مارشليان وإخراج فيليب أسمر، تداخل بين الفرحة والدمعة. تزاوج بين الانسانية والقسوة. بين الواقع والأمثولة. نبرّر لعائلة تعيش بين الجدران المهترئة، وننقم على أخرى تعيش بنعيم. نص متماوج بين الواقع الظالم والأمل الطيب. بين الحب المحرّم والزواج الصوري. بين الطفولة البريئة و”العنوسة” اللاهثة خلف رجل. نص محبوك بقلم متمرسة وأبطال يحكون قصتهم، في كل منهم شيء منا.

هذه الثنائية بين كارين وكلوديا فيها الكثير من التجانس وناجحة في كل مرة. قامتان في التمثيل والكتابة تتبادلان الأدوار بتواضع. الفن في صلبهما رفيع الهامة، فكارين برعت بنص كلوديا ونص الأخيرة تجلى بأداء كاتبة وممثلة محترفة. هذه الثقافة الفنية قلما نجدها سوى عند الذين يعرفون أن الفن عرق وكفاح وتماهٍ وحب، وأنّ النجاح يكون عندما يهتف الجمع وتصفّق الكفوف بغض النظر عن المقامات والإمكانات.

“ع أسمك” دراما ميلادية ليس لأن فيها زينة وشجر،  بل لأن هناك صوغ جديد لشخصيات لا نجدها سوى في الحياة العادية ولا يضيء عليهم أحد. وهم هنا أبطال استثنائيون ملفوفون بالسحر والمعجزة. نتعاطف معهم ويلقنوننا درساً في كل مشهد.

تالين أبو رجيلي “ميريام” الطفلة الخارقة التي تمثل كأنها لا تمثل، تحفظ دورها كمتفوقة، تشدنا من أرواحنا وتخطف بصرنا وبصيرتنا في أدائها.

قلما نجد الطفولة حاضرة وقادرة على هذا التميّز. هذه الطفلة هي البطلة الحقيقية التي ستغيّر مجرى الأحداث كلها، وهي التي ستشد أعناق الجميع نحو مبتغاها. لغة الميلاد  حاضرة في لسانها ومن براءتها وفي احتضانها لـ اليكو والدها بالاسم. هي التي تزرع حباً وتطفئ ناراً وتشعل عاطفة. هذه المساحة التي تحتلها هي نقطة الزيت المرفوضة التي ستتسع على كامل الثوب وتصبغه باسمها.

هي التي تعلمنا الحنان وتأخذنا نحو ضفاف البراءة والنقاء. طفلة القبو العتيق  والكنية الضائعة تنطق برسائل الود وتشلح نفسها كأنها شال من دفء. هي التي ستخترع مخرجاً لكل هذه الارهاصات وهي الطريق الصحيح الذي سيستقيم عندها كل متعنت من جدها الى خالتها الى مديرة مدرستها الى والدها الصوري الى والى …

يسجّل لهذا العمل جرأته في إعطاء مساحة لشخصية من متلازمة داون، ويعرفنا على إمكانات هؤلاء الأشخاص وقدرتهم على الحب والاحتضان. إنها المغامرة الانسانية والعاطفية  حيث صناع الدراما عادة لا يجرؤون على مثلها.

أما جورجيت درباس بثوبها الزهري فهي حكاية الحكايات، و”لما لا”، فمن يعرف ليليان نمري يعرف أنها الماسة التي تختزل وتجمع كل الألوان وتعكسها حسب انكسار الضوء. فهي الابتسامة الممزوجة بالدمعة. هي الطبيعية المغموسة بالتفاؤل، هي الشخصية التي نتكأ عليها لنعرف بوصلة الحق. هي المبدعة بالفطرة وحيث تحل تكون الجاذبية بأعلى وتيرة. وعندما تعطي لا تترك فلساً مخبئً بل تتكرّم بفيض المشاعر وقوة الأداء، وتحول المشاهد إلى مريونات طوع مزاجها وحركاتها.

جيري غزال فنان قبل أن يكون إعلامياً، رغم أنّه معروف في الإعلام قبل أي شيء أخر. لكن بذوره بدأت تنبت وأفنانه تتسلق بسرعة جدران الفن، وتحقق سطوعاً في التمثيل وفي الغناء ومن “أم البنات” الى “ع اسمك “، نجاح متواصل الوتيرة يطيب للمشاهد تتبعه الى جانب كارين وهما يحققان النجاح في حلقة الحب.

“ع اسمك” دراما لبنانية كتابة كلوديا مرشيليان إخراج فيليب أسمر، بطولة كارين رزق الله، جيري غزال، ليليان نمري، فيفيان أنطونيوس وغيرهم. يعرض يومياً على شاشة MTV ما عدا يومي الخميس والسبت.

 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى