منوعات

الحريري وباسيل ومعزوفة “الحزب العابر للطوائف”

شهدت السّنوات الأخيرة منافسة محتدمة بين رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، على الصدارة في سباق ادعاء بعض الأحزاب اللبنانية أنّها عابرة للطوائف. فاعتماد هذه الأحزاب على “تلوينة” طائفية “خجولة” في قيادتها لا يعني إمتلاكها تعددية طائفية حقّة في قواعدها كما تدّعي.

فأن يكون مثلاً النائب السابق إنطوان إندراوس المسيحي نائباً للرئيس في “تيار المستقبل” أو الوزير السابق طارق الخطيب السني نائباً للرئيس في “التيار الوطني الحر” أو أمين السرّ العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر شيعياً – في عملية أشبه بـ”تسليم وتسلم” بعد خروج نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دريد ياغي الشيعي من مجلس القيادة – فهذا لا يعني أنها أحزاب عابرة للطوائف.

وأتت الحوادث المتسارعة خصوصاً بعد 17 تشرين لتؤكّد المؤكّد في هذا الصّدد، فطموح باسيل بأن يكون التيار الشيعي الثالث والتيار السني الثاني سقط بالمواقف والممارسة. كما أنّ خطوات الحريري بين الدفاع عن مقام رئاسة الحكومة ومقاربته لتشكيلها خلال أسبوع مضى، وزيارته السراي الحكومي تضامناً مع رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب بعد إدعاء القاضي فادي صوان عليه في قضية إنفجار المرفأ ثم صعوده الى الصرح البطريركي في بكركي عكست إرتباكاً.

 

فالحريري حاول شد العصب السني واستعادة زمام شارعه عبر زيارته السراي، لكن دفّة تداعيات هذه الخطوة عليه كانت مائلة نحو السلبية ووضعته في إطار مذهبي لطالما عمل على عدم تكريسه.

كما أنّ عدم إعتماد الحريري وحدة المعايير في تشكيل الحكومة حيث خضع لرغبة الثنائي “حزب الله” و “أمل” بالإحتفاظ بحقيبة وزارة المال للشيعة – رغم كل التبريرات التي أعلن عنها – والكباش حول تسمية الوزراء المسيحيين بينه وبين الرئيس عون، فتح الباب على حال تعاطف مسيحي مع عون لكنها “لا تحيي العظام وهي رميم”.

لقد وجد الحريري نفسه للمرة الاولى معزولاً مسيحياً، فالجبهة مشتعلة مع العونيين، وقنص أو “نيران صديقة” على الجبهة مع “القوات اللبنانية”، أما الطريق مع “الكتائب” فلا سالكة ولا آمنة ومع “المردة” الجبهة مزروعة ألغاماً. كما أن الإنتخابات النيابية الأخيرة أفقدته ورقة تجميع لقاء مسيحي حليف كما فعل عشية القانون الأرثوذكسي بوجه “القوات” و”التيار”.

لذا سارع الحريري إلى زيارة بكركي في مسعى لكسر مشهد العزلة وفقدانه لأي حليف مسيحي والحد من الوقع السلبي لمواقفه في الشارع المسيحي من جهة ولنفي ما يشاع عن تسميته الوزراء المسيحيين من دون التنسيق مع الرئيس عون من جهة أخرى.

وبدا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كمن تلقف رغبة الحريري حيث قرر زيارة بعبدا ‏خلال أقل من 24 ساعة للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعلى رأس لائحة الملفات المطروحة للبحث تشكيل الحكومة والتحقيقات في قضية المرفأ.

 

قد ينجح الراعي بفتح كوة في حائط التشكيل أو لا، ولكن الأكيد أن حكومة على شاكلة مسار التشكيل المعتمد لن تنجح بإخراج البلد من واقعه المأساوي. لكن الإستمرار بالتلطي خلف شعارات كـ “حزب عابر للطوائف” غير مجد. فالواقع الحزبي في لبنان أثبت أن بنية معظم الأحزاب طائفية و”الاحزاب العابرة للطوائف” فعلاً كالشيوعي أو “السوري القومي الاجتماعي” أو “البعث” تشرذمت وانتظم ما تبقى منها خلف أحزاب طائفية. أما التجارب الجديدة بعد 17 تشرين فما زالت برعمية. لذا الأجدى أن تكون مشاريع هذه الأحزاب – وإن كانت بنيتها طائفية إنعكاساً لتركيبة لبنان – عابرة للطوائف فلا تعود تعتمد على شد عصب طائفي قد تتخطى تداعياته التنشج الى حد اللعب النار.

 

جورج العاقوري

 

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى